3 هجرات رئيسية تجرعها أهل النوبة علي طول تاريخهم مع الدولة المصرية ورغم أن ذلك بدأ منذ ما يقرب من 100 عام إلا أن جراح النوبيين لم تندمل ولايزال الحنين الجارف إلي أرض الأجداد يقض مضاجعهم جميعا بلا استثناء. قدم أهل النوبة تضحيات عظيمة للوطن طوال المائة عام الماضية وبدأت تضحياتهم الجليلة بعد إنشاء خزان أسوان في عام 1902 ثم تعليته الأولي والثانية في عامي 1912 و1934 وفي كل مرة كان بعض أهالي النوبة يضطرون إلي الهجرة للشمال حتي جاء بناء السد العالي في فترة الستينيات من القرن الماضي وتم خلاله تهجير الأهالي إلي مركز نصر النوبة وهو ما نكأ جراحهم أكثر وأكثر. يقول الباحث النوبي سيد الحسن إدريس 72 سنة عضو جمعية الحفاظ علي التراث النوبي أن بلاد النوبة القديمة كانت تنقسم إلي ثلاث مناطق جغرافية وهي المنطقة الشمالية التي يسكنها النوبيون الكنوز وتشمل 17 قرية ويتحدثون اللغة الماتوكية والمنطقة الوسطي ويسكنها العرب وتضم 6 قري ويتحدثون اللغة العربية إلي جانب تعلمهم النوبية والمنطقة الجنوبية ويسكنها النوبيون الفاديجا وتضم 19 قرية. أوضح أن بلاد النوبة كانت تمتد بطول 350 كم وكان الأهالي يشعرون بالراحة النفسية ويعيشون في جو صحي. يؤكد الدكتور أحمد سوكارنو عميد كلية الآداب بأسوان أن التعويضات التي قدرتها الحكومة المصرية للنوبيين خلال فترة التهجير كانت بسيطة للغاية وبلغت تعويضات المساكن علي سبيل المثال مليون و886 ألف جنيه لعدد 35 ألفا و966 منزلا أي أن تعويض المنزل الواحد بلغ حوالي 52.5 جنيه. أضاف أن مطالب النوبيين تتمثل في ضرورة تعويض النوبيين عن أراضيهم في مواقع بنفس البيئة التي اعتادوا عليها علي ضفاف بحيرة ناصر وبناء مساكن النوبيين المغتربين وإحلال وتجديد المساكن المتصدعة وإعادة دائرة نصر النوبة الانتخابية وعدم تجاهل مطالب النوبيين المهجرين أثناء بناء خزان أسوان والاتفاق علي وجود جهة واحدة لتكون حركة وصل بين الحكومة والشعب. يقول وجيه حسن مدير موقع صوت النوبة بأسوان أن عملية التهجير أثناء بناء السد العالي بدأت بتشكيل لجنة دائمة للتهجير من بعض القيادات النوبية في عام 1960 وقامت هذه اللجنة بحصر الأسر المقيمة والمغتربين في عام 1960 وبعدها بثلاث سنوات قامت لجان وزارة الشئون الاجتماعية في عام 1963 وفصلت الأسر المقيمة عن المغتربين مما تسبب في ظهور مشكلة المغتربين النوبيين الذين يمتلكون منازل في النوبة ولكنهم لا يسكنون بها بسبب إقامتهم في المحافظات الأخري. ومن جانبه أكد أحمد اسحاق رئيس لجنة متابعة الملف النوبي إن النوبيين يعتزون بمصريتهم ووطنيتهم وطالب بإعادة إحياء الكيان النوبي القديم علي ضفاف بحيرة ناصر كما كان من قبل عملية التهجير في الستينيات من القرن الماضي وذلك عن طريق بناء 44 قرية من الشلال شمالا حتي ادندان جنوبا. وأضاف أن مشروع وادي كركر المخصص لتعويض النوبيين المغتربين يمكن اعتباره إحدي القري النوبية ولكن يجب إعادة بناء 43 قرية المتبقية لتضم صغار المستثمرين النوبيين والشباب الخريجين والمغتربين وصغار الزراع والمعدمين والتفكك الأسري وإذا فاض المكان فأهلا بقبائل البشارية والعبابدة والجعافرة. وأوضح أنه يجب معاملة النوبيين أسوة بمهجري قناة السويس الذين تم إعادتهم إلي بلادهم في احتفالية عظيمة من قبل الدولة. أشار إلي أن النوبيين يشعرون حاليا بالحنق والكمد والغليان بسبب تهميشهم المفرط واللامبالاة المتعمدة طوال السنوات الطويلة الماضية ويجب علي الحكومة الحالية أن تعيد الحق إلي نصابه وتقوم بتوطين النوبيين الراغبين في العودة لضفاف بحيرة ناصر حتي لا يشعروا أنهم مواطنون درجة ثانية. وحذر أحمد اسحاق من استغلال بعض الجهات الأجنبية المعادية لقضية النوبة من أجل التدخل في شئون مصر ويطالب بتطبيق الدستور المصري الذي يؤكد علي مبدأ المساواة والمواطنة حتي لا يكون هناك كيل بمكيالين موضحا أنه يجب علي صناع القرار في مصر أن يستوعبوا الدرس ويأخذوا العبرة ويراجعوا ما حدث في بعض مناطق السودان التي تعرضت للتهميش المتعمد واللامبالاة المفرطة مما أدي في النهاية إلي تفكيك أوصال السودان الشقيق. مشروع ضخم ومن ناحية أخري أكد المهندس محمد يعقوب أحد القيادات النوبية أن منطقة كركر تعتبر إحدي المناطق التي اتفقت عليها كل تيارات النوبة في الاجتماع الذي عقد في 14 مارس 2009. وأشار إلي أن القري الجديدة تضم 1000 صوبة زراعية بنظام التنقيط لتوفير فرص عمل حقيقية للشباب. أكد المهندس عباس حجازي أحد القيادات النوبية والمشرف علي مشروع وادي كركر لتعويض النوبيين المغتربين الذين لم يحصلوا علي تعويضات عن مساكنهم وأراضيهم أثناء عملية إنشاء السد العالي أن المرحلة الأولي من المشروع تضم 2000 مسكن من إجمالي 5221 مسكن كتعويضات لأبناء النوبة غير المقيمين وتتوافر فيها كافة الخدمات الأساسية والمرافق. ومن جانبه أكد محافظ أسوان مصطفي السيد بأنه يقف في صف المطالب النوبية وخاصة إنشاء القري النوبية الجديدة حول ضفاف بحيرة ناصر بجانب أن يكون هناك دائرة انتخابية مستقلة لمركز نصر النوبة علاوة علي تمليك الأراضي للنوبيين المقيمين بمدينة أسوان مشيرا إلي أن الدولة حريصة علي تلبية مطالب النوبيين إيمانا منهم بأنهم من أبناء وطننا الغالي مصر وهم جزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع المصري بمختلف فئاته فلهم وعليهم كافة الحقوق والواجبات. وأضاف محافظ أسوان أن القاعدة العريضة من النوبيين مدركون لكافة الحقائق المتعلقة بحقوقهم بكل شفافية ووضوح والتي دخلت حيز التنفيذ علي أرض الواقع ومنها انطلاق المرحلة الأولي وبتكلفة وصلت لأكثر من 4 مليارات جنيه لتنفيذ أضخم مشروع تنموي سكني متكامل تشهده مصر حاليا علي ضفاف بحيرة ناصر لتوطين 5221 أسرة من النوبيين المقيمين في مختلف محافظات الجمهورية وخارجها بإنشاء قري جديدة متكاملة المرافق والخدمات بواسطة القوات المسلحة ووزارة الإسكان. أوضح بأنه تم رفض كافة طلبات الخاصة بالمشروعات الاستثمارية حول بحيرة ناصر وسحب الأراضي التي كانت مخصصة لذلك بإجمالي 223 ألف فدان لإعطاء الأولوية لأبناء النوبة في التوطين داخل هذه المناطق وأشار مصطفي السيد إلي أنه لدعم التنمية والتوسع العمراني لأهالي مركز نصر النوبة فإنه جار التنسيق مع وزارة الزراعة لتخصيص مساحات من أراضي مشروع وادي النقرة لشباب الخريجين من النوبيين بجانب تحقيق التوسع العمراني المطلوب لمركز نصر النوبة لافتا إلي أنه في نفس الاتجاه جار إنشاء قرية ابريم بالظهير الصحراوي فضلا عن منح 1.5 مليون متر مربع من أراضي المتخللات مجانا بالإضافة إلي صرف تعويضات الإحلال والتجديد لحوالي 3 آلاف أسرة بمركز نصر النوبة. أضاف المحافظ أن ذلك يتوازي مع توجيه حزمة من الاستثمارات والمشروعات التنموية المختلفة داخل مركز نصر النوبة في الفترة الأخيرة لتوفير المزيد من فرص العمل ومنها البدء في إنشاء مصنع للملابس الجاهزة ومركز التدريب الحرفي والفندقي ليتبوأ الصدارة علي مستوي المحافظة وجنوب الصعيد في الخدمات والتنمية البشرية. فيما قام بها بعض القيادات النوبية لمشروع القري النوبية الجديدة علي ضفاف بحيرة ناصر بوادي كركر من أجل بحث إمكانية إنشاء كلية لطب المناطق الحارة بداخل مستشفي النوبة العسكري الجديد والذي يأتي من ضمن منظومة خدمية متكاملة تشهدها القري الجديدة.