سموحة يتقدم على الزمالك في الشوط الأول بكأس عاصمة مصر    "إسماعيل" يستقبل فريق الدعم الفني لمشروع تطوير نظم الاختبارات العملية والشفهية بالجامعة    محافظ كفر الشيخ يتفقد أعمال تطوير محور 30 يونيو    وزير الإسكان يعقد اجتماعاً لمتابعة موقف مشروعات مبادرة "حياة كريمة"    خبير: صناعة التعهيد خلقت فرص عمل كبيرة للشباب وجذبت استثمارات أجنبية لمصر    وزير المالية: إجراءات استثنائية لخفض الدين مع الحفاظ على الانضباط المالي    بعد حادث رئيس الأركان.. رئيس المباحث الجنائية الليبي يزور مكتب المدعي العام في أنقرة    إسرائيل تتحدى العالم: لن ننسحب أبدًا وسنحمى مستوطناتنا    باجو المدير الفني لمنتخب الكاميرون : لن أحفز اللاعبين قبل مواجهة كوت ديفوار    الكرملين: موسكو قدمت عرضا لفرنسا بخصوص مواطن فرنسي مسجون في روسيا    العائلة المصرية في برلين: مشاركة إيجابية للجالية المصرية في انتخابات «النواب»    تأييد حبس عبد الخالق فاروق 5 سنوات بتهمة نشر أخبار كاذبة    إصابة 6 أشخاص إثر مشاجرة بالشوم والعصي بقنا    جمارك السلوم تحبط محاولة لتهريب كمية من البذور الزراعية الموقوف تصديرها    مصطفى شوقي يطرح «اللي ما يتسمّوا» من كلماته وألحانه | فيديو    ختام مبهج ل «الأقصر للتحطيب»    خبير تشريعات: جولة الإعادة أكدت صعود المستقلين وبروز ملامح البرلمان الجديد    قائمة الإعفاءات الجديدة لدخول قاعات المتحف المصري الكبير    استشاري: الربط بين التغذية والبروتوكول العلاجي يسرّع الشفاء بنسبة 60%    برلمانية: الاستحقاق البرلماني الأخير يعكس تطورًا في إدارة العملية الانتخابية    محافظ الدقهلية يتفقد سوق الخواجات في المنصورة ويقرر غلق جميع المحال المخالفة لاشتراطات السلامة المهنية    فيديو B-2 وتداعياته على التحرك الإسرائيلي المحتمل ضد إيران ( تحليل )    تراجع معظم أسواق الخليج وسط ‍تداولات محدودة بسبب العُطلات    نائب محافظ الجيزة يتفقد المراحل النهائية لتشغيل محطة رفع الصرف الصحى بدهشور    عاجل- المركز الإعلامي لمجلس الوزراء ينفي بيع مصانع الغزل والنسيج ويؤكد استمرار المشروع القومي للتطوير دون المساس بالملكية    الجزائرى محمد بن خماسة آخر عقبات الإسماعيلى لفتح القيد في يناير    اتحاد الكرة يحذر من انتهاك حقوقه التجارية ويهدد باتخاذ إجراءات قانونية    وزير الخارجية: التزام مصر الراسخ بحماية حقوقها والحفاظ على استقرار الدول المجاورة    محافظة قنا تواصل تطوير طريق قنا–الأقصر الزراعي بإنارة حديثة وتهذيب الأشجار    كوروكوتشو: مصر واليابان تبنيان جسرًا علميًا لإحياء مركب خوفو| حوار    صندوق التنمية الحضرية يعد قائمة ب 170 فرصة استثمارية في المحافظات    إزالة مقبرة أحمد شوقي.. ماذا كُتب على شاهد قبر أمير الشعراء؟    طلاق لميس الحديدي وعمرو أديب رسميًا بعد أكثر من 25 عام زواج    هل للصيام في رجب فضل عن غيره؟.. الأزهر يُجيب    الجيش السوداني يصدّ محاولة اختراق للدعم السريع قرب الحدود مع مصر وقصف جوي يحسم المعركة    محافظ الدقهلية: تقديم أكثر من 13 مليون خدمة صحية خلال 4 أشهر    بشير التابعي يشيد بدور إمام عاشور: عنصر حاسم في تشكيلة المنتخب    البابا تواضروس يهنئ بطريرك الكاثوليك بمناسبة عيد الميلاد    ادِّعاء خصومات وهمية على السلع بغرض سرعة بيعها.. الأزهر للفتوي يوضح    الوطنية للانتخابات: إبطال اللجنة 71 في بلبيس و26 و36 بالمنصورة و68 بميت غمر    جامعة بدر تستضيف النسخة 52 من المؤتمر الدولي لرابطة العلماء المصريين بأمريكا وكندا    محافظ الجيزة يفتتح قسم رعاية المخ والأعصاب بمستشفى الوراق المركزي    كرة طائرة - بمشاركة 4 فرق.. الكشف عن جدول نهائي دوري المرتبط للسيدات    مصادرة 1000 لتر سولار مجهول المصدر و18 محضرا بحملة تموينية بالشرقية    سيول وثلوج بدءاً من الغد.. منخفض جوى فى طريقه إلى لبنان    حسام حسن: ⁠طريقة لعب جنوب أفريقيا مثل الأندية.. وجاهزون لها ولا نخشى أحد    الصحة تعلن اختتام البرنامج التدريبي لترصد العدوى المكتسبة    من هو الفلسطيني الذي تولي رئاسة هندوراس؟    فحص نحو مليون من ملفات جيفرى إبستين يثير أزمة بالعدل الأمريكية.. تفاصيل    عبد الحميد معالي ينضم لاتحاد طنجة بعد الرحيل عن الزمالك    نائب وزير الصحة تتفقد منشآت صحية بمحافظة الدقهلية    لليوم الثاني.. سفارة مصر بإيران تواصل فتح لجان التصويت بجولة الإعادة للدوائر ال19 الملغاة    أمن القليوبية يكشف تفاصيل تداول فيديو لسيدة باعتداء 3 شباب على نجلها ببنها    وزيرا «التضامن» و«العمل» يقرران مضاعفة المساعدات لأسر حادثتي الفيوم ووادي النطرون    حكم تعويض مريض بعد خطأ طبيب الأسنان في خلع ضرسين.. أمين الفتوى يجيب    هل يجب الاستنجاء قبل كل وضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    أحمد سامي يقترب من قيادة «مودرن سبورت» خلفًا لمجدي عبد العاطي    ما حكم حشو الأسنان بالذهب؟.. الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النوبة .. تاريخ من الحنين يبحث عن الجغرافيا
نشر في آخر ساعة يوم 10 - 05 - 2011

ويؤكد أحمد إسحاق رئيس لجنة المتابعة النوبية بالقاهرة حق النوبيين في العودة إلي مواطنهم الأصلية في الجنوب حول بحيرة ناصر وتغير اسمها مثلما فعلت الدولة مع مهجري مدن قناة السويس بعد إزالة آثار العدوان بالإضافة إلي أننا نرفض بشكل قاطع ما أعلن بشأن التعويضات للنوبيين بعد نحو05 عاما منذ بناء السد العالي في عام 4691 بواقع 57 ألف جنيه مقابل بيته الذي يمتلكه علي ضفاف النيل بالإضافة إلي بناء 44 قرية نوبية .
وبعيدا عن مدي أحقية النوبيين في العودة إلي قراهم الأصلية فإن القضية تقتضي أن يتعامل معها المسئولون بحذر شديد خاصة أن بعض الجهات في الخارج بدأت تردد ما تسميه حسب ادعاءاتها تعرض النوبيين في مصر للعنصرية والاضطهاد والتهجير العشري هكذا بدأ الأديب يحيي مختار حديثة مستكملا أن هذه الإدعاءات الخطيرة التي يقوم بها من هم ليس لهم علاقة بالنوبة ولايعرفون شيئا عن مشاكل أهلها تقتضي التعامل معها قبل أن نجد أنفسنا في مواجهة ظاهرة جديدة كتلك التي نطلق عليها "الأقلية النوبية "في مصر .
ويقول: لن نسمح لأحد بالتدخل في الشؤن النوبية رافضا قول القضية النوبية وذلك لأن النوبة جزء لايتجزء من مصر لهذا فهي لها مجموعة من المطالب تسعي لتحقيقها مثلها مثل باقي مطالب الشعب المصري فلندع فرصة للنظام الجديد أن يبذل مجهوده لتلبية هذه المطالب، فكثير من هذه المطالب تعرضت في الأنظمة السابقة لعقبات بيروقراطية مثل سوء تقدير التعويضات التي صرفت لهم نتاجا للظروف الاقتصادية الخاصة بالوطن حيث إننا في هذا الوقت كنا نخوض معارك ضد الاستعمار إلي جانب بناء السد العالي .
ويضيف نحن النوبيين لسنا مضطهدين والخطورة الحقيقية في ادعاءات هؤلاء الأشخاص المتطرفين مثل حجاج أدول الذي قام بإلقاء بيان في الكونجرس الأمريكي يزعم من خلاله أن النوبيين داخل مصر مضطهدون فهو يريد بذلك الشتات للنوبيين والتفرقة مثلما يحدث في فلسطين وإسرائيل وغيره ممن يريدون أن يركبوا رداء الزعامة دون النظر إلي مصالح أهالي النوبة الفعلية فهذه الادعاءات تتفق مع مخططات الغرب التي تبحث عن مثل هذه المشكلات لكي تجد الفرصة لتضع شوكة في أرض مصر الحبيبة التي هي جزء لايتجزء منا ، ولكني أعاود توجيه الدعوة إلي جميع المسئولين بضرورة الإسراع لتلبية هذه المطالب والجلوس مع أهالي النوبة عن طريق تشكيل لجان لفحص الأماكن المختلف عليها من قبل أهالي النوبة هذا قبل أن يقوم البعض بزرع الضغائن والفتن من أجل إثارة القلاقل داخل مصر.
ويوافقه في الرأي سمير العربي أحد أهالي النوبة والذي بدأ حديثه قائلا لا وجود لمايسمي بالاضطهاد النوبي أو إغراق الثقافة النوبية بل لاوجود لمصطلح القضية النوبية لأننا لسنا منفصلين عن مصر فنحن جزء منها ويجب أن نوضح بعض الحقائق التاريخية التي يجب أن نننظر اليها قبل عرض مطالب أهالي النوبة قبل عام 2091 كان نهر النيل يفيض فيغرق الأراضي والقري المصرية ويسبب الكثير من الكوارث وكان الحل في بناء خزان عملاق يتحكم في قوة الفيضان وبالفعل تم بناء خزان أسوان عام 2091 وغرقت بعض الأراضي في شمال النوبة وبعض قري الكنوز وذلك لأن النوبة تقسم إلي ثلاث قبائل : الكنوز، العرب الفاديجاه وتحرك أهل القري لهجرة عريضة ونقلوا منازلهم إلي أعلي وكان ذلك بمعرفتهم ولم تتدخل الحكومة في هذا الوقت، وفي عام 2191 حدثت التعلية الأولي للخزان وكانت النتيجة اختفاء قري أخري وأصبحت منطقة الكنوز بدون أراض زراعية وتحرك أهل القري إلي أعلي وبنوا منازلهم فوق الجبال وكانوا يلجأون إلي شاطيء النيل ويقومون بزراعة الخضروات ثم جاءت التعلية الثانية عام 3391 لتغرق قري كثيرة حتي قرب ادندان واستمرت الهجرة إلي الجنوب ومازالت بعض القري موجودة في تلك المنطقة حتي الآن إلي أن جاء عام 4691 وهو عام بناء السد العالي فأغرق النوبة كلها بالكامل وحوالي سبع قري في شمال السودان وحتي شلال "دال" وتكونت بحيرة ناصر وهاجر من كان يسكن بجوار شلال دال إلي خشم القرية في السودان والنوبيين من دايود إلي ادندان إلي كوم امبو بنفس افراد وعائلات قراهم وبنفس مسمياتها .
وكان من الممكن أن تكون هذه المنطقة لأي أحد من المصريين ولكن ليس من الممكن أن يبني السد العالي سوي في هذه المنطقة، ولهذ جاءت مطالبنا مؤكدين علي مصرية النوبة كالآتي: ضرورة وضع آليات لاعطاء أولوية لأهالي النوبة في تملك الأراضي بالمنطقة المحيطة ببحيرة ناصر وذلك لأن هذا من أهل النوبة في العودة إلي مواطنهم الأصلية في الجنوب حول بحيرة ناصر وهو حق أصيل يستمد شرعيته من الدستور الذي يساوي المصريين وأسوة بما تبعته الدولة مع مهجري مدن السويس بعد إزالة آثار العدوان بالإضافة إلي توطينهم في القري الجديدة كما يطالبون بتوفير كافة الخدمات إلي قراهم الجديدة في وادي كوامبو وزيادة التوسع وإعادة فتح الجمعيات الاستهلاكية في كل قرية وإنشاء منطقة صناعية بمدينة نصر النوبة وماحولها .
بينما يري الخبيري جمال أحد قيادات نصر النوبة _ أن تفكير الحكومة في إنشاء مملكة النوبة هذا مجرد هاجس أمني النظام المصري السابق بل أنه امتد إلي الحالي حيث أنه لايوجد أي مقومات لإقامة دولة بل لايتم التفكير في هذه المملكة لأننا أصل مصر وكل مطالب أبناء النوبة تتركز فقط في العودة لمواطنهم الأصلية علي ضفاف بحيرة ناصر وليس لهم أي مطالب في المشاريع الخلفية التنموية مثل توشكي وخلافه.
أما الدراسة التي أجرتها لجنة المتابعة المنظمة من قبل الهيئات النوبية في الإسكندرية في العام الماضي فتلخص المشكلة النوبية في مائة عام كما أنها تحدد مطالبهم.
في البداية تشير الدراسة إلي أنه في مطلع القرن العشرين كانت بلاد النوبة تتكون من 39 قرية علي امتداد 350 كيلومتراً جنوب أسوان حتي خط عرض 22 (وادي حلفا) علي ضفتي النيل شرقاً وغرباً وتتكون القري النوبية من مجموعات متباعدة من المساكن تفتح أبوابها علي نهر النيل، وامتدت تلك المساكن في نجوع بلغ مجموعها 535 نجعاً، وتميزت مساكن النوبة عن غيرها من المساكن بالمناطق الأخري في عدة وجوه أهمها ارتباطها باختيار أماكن البناء علي مستويات الأرض ذات الطبيعة الصخرية، إذ تتدرج الأراضي في الانخفاض من الشرق والغرب نحو النيل، فكان من الطبيعي أن تجد غرف البيت الواحد علي اتساع المساحة المقامة عليها تتفاوت في ارتفاعاتها، ليسمح بوجود تيارات هوائية، ويبلغ ارتفاع الجدار حتي أربعة أمتار، ونظراً لطبيعة المناخ الجافة الحارة فإن العمارة النوبية تواءمت مع البيئة، وتميز هذا التشييد بوحدة أساسية هي الحوش السماوي الذي تفتح عليه حجرات البيت.
إنشاء خزان أسوان (1902م):
عند انتهاء بناء خزان أسوان عام 1902 ارتفع منسوب المياه خلف الخزان إلي 106 أمتار، ليغرق مساكن وأراضي زراعية وسواقي ومزروعات ونخيل وأشجار عشر قري نوبية هي: دابود ودهميت وأمبركاب وكلابشة وأبوهور ومرواو وقرشة وكشتمنة شرق وغرب وجرف حسين والدكة، واجهت تلك القري العشر آثار بناء الخزان وحدها دون أن تنال اهتماماً رسمياً أو إعلامياً في ذلك الوقت.
التعلية الأولي للخزان (1912م):
بعد بناء الخزان، فإذا بكارثة التعلية الأولي للخزان تتسبب بطوفان جديد عام 1912، ليرتفع منسوب مياه الخزان إلي 114 متراً، ويتسبب في إغراق ثماني قري نوبية أخري هي: قورتة والعلاقي والسيالة والمحرقة والمضيق والسبوع ووادي العرب وشاترومة.
التعلية الثانية عام 1932م:
النوبيون فاجأتهم التعلية الثانية للخزان عام 1932 فأغرقت مياهها هي الأخري عشر قري نوبية هي: المالكي وكروسكو والريقة وأبوحنضل والديوان والدر وتوماس وعافية وقتة وأبريم وجزيرة أبريم، بينما أضيرت بقية القري النوبية الإحدي عشرة الأخري، وهي عنيبة ومصمص والجنينة والشباك وتوشكي شرق وغرب.
حينئذ ارتفع صوت النوبيين بالشكاوي. وبعد أكثر من ثمانية عشر عاماً من بناء الخزان، أصدرت الدولة القانون رقم 6 لسنة 1933 الخاص بنزع ملكية أهالي النوبة وتقدير التعويضات اللازمة إلا أن القانون حفل ببنود مجحفة في حق النوبيين، منها ما تم رصده في مذكرة النادي العربي العقيلي عن تعويضات منكوبي خزان أسوان والتي أرسلت إلي مجلس الشيوخ 12 فبراير 1944 ميلادية، (وقبل أن نبين لحضراتكم الأساس الذي قام عليه تقدير التعويضات، لابد من ذكر القانون رقم 6 لسنة 1933 الذي لجأت إلي إصداره حكومة ذلك العهد متخطية الإجراءات العادية التي ينظمها قانون نزع الملكية العام، وقد أبان عنها معالي شفيق باشا وزير أشغال ذلك العهد عند عرض ذلك القانون علي مجلس الشيوخ بجلسة 29 فبراير سنة 1933 إذ قال: »أنفقت مصر الملايين علي إنشاء خزان أسوان وتعليته وكل حضراتكم متشوق إلي زيادة المياه وآمالنا الآن الطريقة لتخزينها فلو أننا انتظرنا خمس سنوات حتي تتم إجراءات نزع الملكية بالطريق العادي لحرمنا إذن مصر من المياه حرمانا مادياً بدون مبرر.
فاتباعنا القانون العادي في إجراءات نزع الملكية هو حرمان مصر من المياه طول هذا الزمن.. وإذا مكننا القانون المذكور من وضع اليد في الحال علي الأطيان فإنه لا يمكن لا للقضاء ولا للخبراء ولا أصحاب الشأن من معرفة معالم الأرض بعد غمرها في نوفمبر المقبل«.
فرد عليه شيخ أغضبه تبرير الوزير لهذا القانون قائلاً »أين كنت مدة الثلاث السنوات الماضية حينما تقررت التعلية؟ لم لم يعمل هذا من قبل وهل تنطبق السماء علي الأرض لو أجلنا إملاء الخزان للمنسوب الجديد سنة أخري وقد مضت علينا ثلاثون سنة علي هذه الحال«؟.
والقانون المذكور قضي بنزع ملكية المناطق المنكوبة »النوبية« بأجمعها ولم يترك للنوبيين فرصة للمعارضة في تقدير التعويضات التي فرضتها الحكومة تعسفاً إلا مدة 15 يوماً وهي مدة قصيرة لم يتمكن الكثيرون خلالها من الاطلاع علي مقدار تعويضاتهم هذا فضلاً عن جهل أغلبية الأهالي بطرق المعارضة في التقدير، حتي إن الكثيرين منهم لم يعلموا بذلك الطريق القانوني للمعارضة إلا بعد فوات ميعادها.
النوبي محمد مراد سنة 1947ذكر أن »المغفور له الأستاذ عبدالصادق عبدالحميد ألقي بياناً في مجلس النواب أثناء نظر ميزانية وزارة الأشغال سنة 1936 دلل فيه علي أن التعويض مع كثير من التساهل والتجاوز كان يجب أن يقدر بمبلغ 3600000 ثلاثة ملايين وستمائة ألف جنيه، علي حين أن الحكومة قدرتها بمليون وسبعمائة ألف، ثم خصمت منها حوالي نصف مليون«.
وحين قرر وزير الأشغال عام 1944 توزيع 406 أفدنة علي بعض المنكوبين النوبيين في ناحية القرنة البعيرات اعترض الموظفون وكتبوا مذكرة قائلين فيها (إن هذه الأطيان أجود من أطيان بلاد النوبة، وأن التعويض يجب أن يكون مماثلاً).
هذه المظالم تم تجاهلها من قبل أصوات كانت تنادي آنذاك بالاستقلال والحرية والمساواة لمصر، مما زاد من المرارة والشعور بالهوان لدي النوبيين. مع التجاهل التام من قبل.
وإزاء تلك المحنة، انتقل النوبيون إلي سفوح الجبال ليبنوا مساكن لهم علي طول نهر النيل، فاستنزفت تلك المساكن الجديدة أكثر مما أخذوه من تعويضات سخيفة مقابل أراضيهم ومساكنهم الأصلية التي غرقت، وفي عهد حكومة مصطفي النحاس عام 1936، كان أول مطلب للنوبيين حمله نائب النوبة في البرلمان، عبدالصادق عبدالمجيد بعد الانتخابات، هو إعادة النظر في التعويضات التي صرفت للأهالي ومنح أبناء النوبة أراضي صالحة للزراعة شمال أسوان وجنوب قنا بدلا من الأراضي التي أغرقها مياه الخزان، والجدير بالذكر أن مصطفي النحاس قال عند إلقائه خطاب العرش في تلك الدورة البرلمانية (وستعمل حكومتي علي إقامة مشروعات للري في بلاد النوبة تعويضا عما فقدوه وتقديم جميع الخدمات لأهلها).
صدمة التهجير 63 / 1964:
واصلت الدولة تنفيذ مشروع السد العالي، وبدأت الحملة الدولية لإنقاذ آثار النوبة، أما النوبيون كبشر ومواطنين وهم الذين تعايشوا مع هذه الآثار، فجاء حظهم العاثر في ذيل اهتمامات الدولة والمجتمع الدولي، فتم ترحيلهم علي عجل إلي هضبة كوم أمبو وإسنا، إلي منطقة لا نهر فيها ولا إرث ولا تراث. بقي معهم ما حمل وجدانهم من عشق لوطن فقدوه تحت مياه السد العالي، تم ترحيل النوبيين دونما أي دراسات تأخذ في الاعتبار آدميتهم وتاريخهم ونضالهم وتضحياتهم في سبيل الوطن.
هكذا تم ترحيلهم عشوائياً وفقا لجدول زمني مختزل سريع، رغبة في إخلاء بلاد النوبة قبل 15 مايو 1964 موعد تحويل مجري نهر النيل، فترك معظم النوبيين الكثير من متاعهم في الوطن المهجور وحشروا في صحراء كوم أمبو وإسنا في مساكن خالفت المساكن التي ألفوها وخلافا للمسكن النموذجي الذي وعدوا به وشاهدوه قبل عملية التهجير، بالإضافة لعدم تواجد مياه صالحة للشرب ولا كهرباء، مع استحالة تربية مواشي وطيور وهي تمثل أهم عناصر الحياة والدخل بالنسبة للمواطن النوبي المزارع،
وبالتالي تعذر نقل هذه الحيوانات معهم إلي المهجر الجديد، في حين إخوانهم النوبيون السودانيون وأبناء عمومتهم فعلا لا قولا أثناء هجرتهم إلي خشم القربة (مهجرهم الجديد) خصصت الحكومة السودانية لكل قطار مصاحب لأفواج المهاجرين طبيباً بيطرياً لرعاية حيواناتهم الزراعية.
تكررت مأساة أشد هولا مما حدث من ربع قرن مع بلاءات خزان أسوان، فلا المساكن الجديدة استكملت ولا الأراضي الزراعية استكمل استصلاحها ولم تسلم للنوبيين إلا بعد مرور من أربع لخمس سنوات.
ارتضي النوبيون بالهجرة إلي كوم أمبو وإسنا وفقا لشروط أبرموها مع الدولة تتلخص في أرض زراعية بالنوبة مقابل أرض زراعية بالمهجر ومسكن في النوبة مقابل مسكن بالمهجر، طبقاً لما شاهدوه وعاينوه قبل الهجرة في أسوان كمسكن نموذجي. وبناء علي تلك القاعدة القانونية قرأ النوبيون جميع القرارات والقوانين التي صاحبت عملية التهجير، وعلي الأخص قرار رئيس الجمهورية بمرسوم القانون رقم 67 لسنة 1962 في شأن نزع ملكية الأراضي التي تغمرها مياه السد العالي، وكذلك القرار الوزاري الذي أصدرته الشؤون الاجتماعية برقم 106 بتاريخ 24/9/1962 بشأن قواعد تعويض وتمليك إسكان أهالي النوبة، لكن التنفيذ جاء مخيبا لآمال النوبيين.
لم يتسلم النوبيون مسكناً وخمسة أفدنة وحيوان زراعي لبدء حياة جديدة وكريمة، أسوة بالمعدمين الذين لم يضحوا ولم يعانوا مثلما عاني النوبيون.
مشكلة الإسكان والسكان:
يتميز السكن في الموطن النوبي الأصلي بالحفاظ علي العادات والتقاليد الاجتماعية التي يعتز بها النوبيون ومن أهمها التكافل الاجتماعي، والعمارة النوبية التي لخص فلسفتها شيخ المعماريين المهندس حسن فتحي بأنها »نظام حياة وليست إيواء« فالبيوت تطل علي النهر العظيم، وفناؤها مكشوف إلي السماء ومزودة بحظيرة مستقلة للمواشي والطيور، والمسكن مقام علي مساحة 350 – 500 متر مربع من خامات البيئة.
أما في المهجر فقد بنيت المساكن متلاصقة ضيقة وحشر فيها النوبيون، كما تخلل قراهم أسر غير نوبية، مما ألغي الخصوصية النوبية وأسلوب التكامل الاجتماعي والأمني الذي توارثوه جيلا بعد جيل في النوبة الأصلية، بالإضافة إلي عدم استكمال المرافق اللازمة وعدم معالجة التربة غير الصالحة التي بنيت عليها هذه المساكن، مما جعلها عرضة للانهيارات المتتالية، الأمر الذي تحمل معه النوبيون نفقات باهظة تزيد كثيراً عما تلقوه من تعويضات سابقة، لجعل تلك المساكن صالحة للسكن الآدمي.
ولملاحظة أن حجم السكان في بلاد النوبة تدهور في سنوات التعليات المتكررة لخزان أسوان إلي درجة انعدام الزيادة السكانية، بل نقصها في سنوات المحنة. وعند إجراء حصر لعدد المساكن في المنطقة عام 1962 قبل التهجير بلغ عددها طبقاً لتقديرات الحكومة حوالي 24 ألف مسكن، وقررت الحكومة حينذاك أن تبني في المرحلة الأولي 15589 مسكناً بواقع 65% من العدد المطلوب، وتم تأجيل بناء 8411 مسكناً
في مرحلة تالية أطلق عليه إسكان المغتربين.
وهكذا تسلم النوبيون مساكن تم تصميمها وتوزيعها بطريقة خيبت آمال الكثيرين، وصارت مصدراً للتوتر والمتاعب الكثيرة التي جسدت قضية من أهم القضايا التي واجهت النوبيين في منطقة التهجير.
وبعد مرور أربعين عاما من التهجير لم تف الدولة بما وعدت به من استكمال المرحلة الثانية من مساكن المغتربين إلا بنسبة 25% رغم ازدياد عدد الأسرة النوبية طبقا للجدول السابق، والذين لهم الحق في المأوي والسكن الملائم تعويضا عما فقدوه طبقا لمواثيق حقوق الإنسان، وهل كتب علي النوبيين أن ينتظروا أربعين عاما أخري لاستكمال تلك المرحلة الباكية المضحكة من خطة الإسكان؟ وهل ستكتفي الدولة ببناء 8411 مسكناً طبقا لخطة 1960 أم ستراعي نمو عدد أفراد الأسرة المقيمة بالمنطقة، التي بلغ عددها ضعف الأسرة النوبية أثناء الهجرة علي أقل تقدير؟ وما ذنب النوبيين إذا تقاعست الدولة عن أداء واجباتها نحو رعاية مواطنيها؟ ولمَ لم يتم بناء تلك المساكن في توقيتها المحدد؟
وفي النهاية أجملت الدراسة المطالب النوبية وهي:
1-تنفيذ حق العودة للنوبيين إلي موطنهم الأصلي، حسبما نصت عليها في بيانات حقوق الإنسان الخاصة بالشعوب القديمة، والتي تم التصديق عليها دستورياً.
2- إعادة فتح الملف الخاص بالتعويضات النوبية المجحفة.
3- نظراً لعظم الظلم الذي وقع علي النوبيين فإنه يجب أن تتم معاملة النوبيين معاملة الأولي بالرعاية سواء في المخصصات المالية أو العينية طبقا لقول الزعيم الراحل.
4- الاهتمام بالثقافة النوبية والتراث النوبي في وسائل الإعلام المختلفة سواء المرئية منها أو المسموعة أو المقروءة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.