رئيس جامعة العريش يهنئ ببدء العام الدراسي الجديد    فتح باب تعديل الترشيح أمام الطلاب الجدد بجامعة الأزهر    المهن الطبية: قانون المسؤولية الطبية بداية عهد جديد لحماية الطبيب والمريض معًا    حصاد وزارة العمل خلال أسبوع    عاجل.. الذهب يستقر مع ترقب مؤشرات حول مسار الفائدة الأمريكية    الطب البيطرى بالإسماعيلية: تكثيف التفتيش على الصيدليات ومواصلة التحصين ضد الحمى القلاعية    بالصور- جولة مفاجئة لمحافظ أسوان.. غرامة فورية على تجاوزات وسط المدينة    نيبينزيا: روسيا لا ترى سببًا لتمديد عقوبات مجلس الأمن الدولي على إيران    محمد الدويري: ما قيل عن مبارك ظلم فادح ودعمه للقضية الفلسطينية "في ميزان حسناته"    الزمالك يقترب من استعادة لاعبه قبل لقاء الجونة    وزير الشباب والرياضة يُطلق رسميًا "اتحاد شباب يدير شباب (YLY)" بحضور 2000 شاب وفتاة    منتخب مصر لشباب الطائرة يتأهل إلى نهائي البطولة الأفريقية بعد الفوز على كينيا    عدسة الفجر ترصد في تقرير مصور.. إغلاق شواطئ الإسكندرية ورفع الرايات الحمراء    كبير الأثريين يُعلن مفاجأة بشأن إسورة المتحف المصري(فيديو)    شاومي تصعد المنافسة مع أبل بسلسلة 17 الجديدة وكاميرات متطورة.. تفاصيل    تامر حسني يشعل أجواء البحرين الليلة بحفل استثنائي على مسرح الدانة    ياسمين عبد العزيز تبكي خشوعًا أثناء أداء مناسك العمرة وتُشعل تفاعل الجمهور    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعه 19سبتمبر2025 في المنيا    كشف طبي بالمجان على 1968 مواطنا في قافلة طبية بدمياط    «الصحة» تطلق خطة شاملة لتعزيز الصحة المدرسية بالتعاون مع «التعليم والأزهر»    القاهرة الإخبارية: نتنياهو أمر الجيش بهدم مدينة غزة حتى جذورها    غرق شاب في بوغاز رشيد وجهود مكثفة لانتشال جثمانه بكفر الشيخ    وزير المالية الألماني: برلين تتابع أزمة الديون الفرنسية بقلق    الدعم السريع يقتل 75 مصليا داخل مسجد بالفاشر"فيديو"    دمج ذوي الهمم في بطولة الشركات لأول مرة    ضبط 10 تجار سجائر بالغربية يقومون بالبيع بأزيد من التسعيرة الرسمية    5 أعراض تكشف عن وجود مشكلات في النظر    لم يُنزّل من السماء كتاب أهدى منه.. إمام المسجد النبوي: القرآن أعظم الكتب وأكملها    افتتاح مسجد الرحمن في بني سويف بعد إحلاله وتجديده بالجهود الذاتية    وزير الدفاع الإسرائيلي ل زعيم الحوثيين: سيأتي دورك    تقرير برتغالي: فيتوريا قد يعود لمصر من بوابة الأهلي    أميرة أديب تطلق أغنية "أحمد" من ألبومها الجديد    وفاة شقيقة الفنان أحمد صيام    هل فكرت عائشة بن أحمد في اعتزال التمثيل؟.. الفنانة تجيب    نتنياهو: نوجه لحماس ضربات قوية ولن نتوقف    محافظ البحيرة تشهد إيقاد الشعلة إيذاناً ببدء إحتفالات العيد القومي    خطيب المسجد الحرام يدعو للتحصّن بالقرآن والسنة: قول لا إله إلا الله مفتاح الجنة    بالصور - جامعة أسوان تُكرم 200 حافظًا للقرآن الكريم في احتفالية روحانية    بدء اجتماعات مصرية كورية لإنشاء مركز محاكاة متكامل للتدريب وإدارة المخلفات    اليوم.. استئناف الجولة الخامسة بدوري المحترفين    صورة جديدة للزعيم عادل إمام تشعل السوشيال ميديا    مديرية أمن الشرقية تنظم حملة للتبرع بالدم لصالح المرضى    الداخلية تضبط عنصرًا جنائيًا بالمنوفية غسل 12 مليون جنيه من نشاط الهجرة غير الشرعية    تعليم القاهرة: انتهاء كافة الترتيبات لاستقبال 2.596.355 طالبا وطالبة بالعام الدراسي الجديد 2025- 2026    الأنبا مكسيموس يترأس مؤتمر خدام إيبارشية بنها    رسمياً.. إعلان نتائج تنسيق الشهادات المعادلة العربية والأجنبية    ارتفاع عالمي جديد.. سعر الذهب اليوم الجمعة 19-9-2025 وعيار 21 بالمصنعية الآن    الداخلية توضح حقيقة فيديو ادعاء اختطاف طفل بالقاهرة: مجرد تصادم بين سيارتين    كومبانى: هوفنهايم منافس خطير.. لكننا فى حالة جيدة    مجدي عبدالغني: لن أترشح لانتخابات الأهلي أمام الخطيب    الداخلية: ضبط 98665 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    نائب وزير الصحة يتفقد مستشفيات كفر الشيخ ويوجه بإصلاحات عاجلة    "نور بين الجمعتين" كيف تستثمر يوم الجمعة بقراءة سورة الكهف والأدعية المباركة؟    زلزال بقوة 7.8 درجة يهز منطقة كامتشاتكا الروسية    عمرو يوسف: مؤلف «درويش» عرض عليّ الفكرة ليعطيها لممثل آخر فتمسكت بها    أسعار الدولار في البنوك المصرية اليوم الجمعة 19 سبتمبر 2025    سعر الفراخ البيضاء والبلدي وطبق البيض بالأسواق اليوم الجمعة 19 سبتمبر 2025    رحيل أحمد سامى وخصم 10%من عقود اللاعبين وإيقاف المستحقات فى الاتحاد السكندري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النوبة .. تاريخ من الحنين يبحث عن الجغرافيا
نشر في آخر ساعة يوم 10 - 05 - 2011

ويؤكد أحمد إسحاق رئيس لجنة المتابعة النوبية بالقاهرة حق النوبيين في العودة إلي مواطنهم الأصلية في الجنوب حول بحيرة ناصر وتغير اسمها مثلما فعلت الدولة مع مهجري مدن قناة السويس بعد إزالة آثار العدوان بالإضافة إلي أننا نرفض بشكل قاطع ما أعلن بشأن التعويضات للنوبيين بعد نحو05 عاما منذ بناء السد العالي في عام 4691 بواقع 57 ألف جنيه مقابل بيته الذي يمتلكه علي ضفاف النيل بالإضافة إلي بناء 44 قرية نوبية .
وبعيدا عن مدي أحقية النوبيين في العودة إلي قراهم الأصلية فإن القضية تقتضي أن يتعامل معها المسئولون بحذر شديد خاصة أن بعض الجهات في الخارج بدأت تردد ما تسميه حسب ادعاءاتها تعرض النوبيين في مصر للعنصرية والاضطهاد والتهجير العشري هكذا بدأ الأديب يحيي مختار حديثة مستكملا أن هذه الإدعاءات الخطيرة التي يقوم بها من هم ليس لهم علاقة بالنوبة ولايعرفون شيئا عن مشاكل أهلها تقتضي التعامل معها قبل أن نجد أنفسنا في مواجهة ظاهرة جديدة كتلك التي نطلق عليها "الأقلية النوبية "في مصر .
ويقول: لن نسمح لأحد بالتدخل في الشؤن النوبية رافضا قول القضية النوبية وذلك لأن النوبة جزء لايتجزء من مصر لهذا فهي لها مجموعة من المطالب تسعي لتحقيقها مثلها مثل باقي مطالب الشعب المصري فلندع فرصة للنظام الجديد أن يبذل مجهوده لتلبية هذه المطالب، فكثير من هذه المطالب تعرضت في الأنظمة السابقة لعقبات بيروقراطية مثل سوء تقدير التعويضات التي صرفت لهم نتاجا للظروف الاقتصادية الخاصة بالوطن حيث إننا في هذا الوقت كنا نخوض معارك ضد الاستعمار إلي جانب بناء السد العالي .
ويضيف نحن النوبيين لسنا مضطهدين والخطورة الحقيقية في ادعاءات هؤلاء الأشخاص المتطرفين مثل حجاج أدول الذي قام بإلقاء بيان في الكونجرس الأمريكي يزعم من خلاله أن النوبيين داخل مصر مضطهدون فهو يريد بذلك الشتات للنوبيين والتفرقة مثلما يحدث في فلسطين وإسرائيل وغيره ممن يريدون أن يركبوا رداء الزعامة دون النظر إلي مصالح أهالي النوبة الفعلية فهذه الادعاءات تتفق مع مخططات الغرب التي تبحث عن مثل هذه المشكلات لكي تجد الفرصة لتضع شوكة في أرض مصر الحبيبة التي هي جزء لايتجزء منا ، ولكني أعاود توجيه الدعوة إلي جميع المسئولين بضرورة الإسراع لتلبية هذه المطالب والجلوس مع أهالي النوبة عن طريق تشكيل لجان لفحص الأماكن المختلف عليها من قبل أهالي النوبة هذا قبل أن يقوم البعض بزرع الضغائن والفتن من أجل إثارة القلاقل داخل مصر.
ويوافقه في الرأي سمير العربي أحد أهالي النوبة والذي بدأ حديثه قائلا لا وجود لمايسمي بالاضطهاد النوبي أو إغراق الثقافة النوبية بل لاوجود لمصطلح القضية النوبية لأننا لسنا منفصلين عن مصر فنحن جزء منها ويجب أن نوضح بعض الحقائق التاريخية التي يجب أن نننظر اليها قبل عرض مطالب أهالي النوبة قبل عام 2091 كان نهر النيل يفيض فيغرق الأراضي والقري المصرية ويسبب الكثير من الكوارث وكان الحل في بناء خزان عملاق يتحكم في قوة الفيضان وبالفعل تم بناء خزان أسوان عام 2091 وغرقت بعض الأراضي في شمال النوبة وبعض قري الكنوز وذلك لأن النوبة تقسم إلي ثلاث قبائل : الكنوز، العرب الفاديجاه وتحرك أهل القري لهجرة عريضة ونقلوا منازلهم إلي أعلي وكان ذلك بمعرفتهم ولم تتدخل الحكومة في هذا الوقت، وفي عام 2191 حدثت التعلية الأولي للخزان وكانت النتيجة اختفاء قري أخري وأصبحت منطقة الكنوز بدون أراض زراعية وتحرك أهل القري إلي أعلي وبنوا منازلهم فوق الجبال وكانوا يلجأون إلي شاطيء النيل ويقومون بزراعة الخضروات ثم جاءت التعلية الثانية عام 3391 لتغرق قري كثيرة حتي قرب ادندان واستمرت الهجرة إلي الجنوب ومازالت بعض القري موجودة في تلك المنطقة حتي الآن إلي أن جاء عام 4691 وهو عام بناء السد العالي فأغرق النوبة كلها بالكامل وحوالي سبع قري في شمال السودان وحتي شلال "دال" وتكونت بحيرة ناصر وهاجر من كان يسكن بجوار شلال دال إلي خشم القرية في السودان والنوبيين من دايود إلي ادندان إلي كوم امبو بنفس افراد وعائلات قراهم وبنفس مسمياتها .
وكان من الممكن أن تكون هذه المنطقة لأي أحد من المصريين ولكن ليس من الممكن أن يبني السد العالي سوي في هذه المنطقة، ولهذ جاءت مطالبنا مؤكدين علي مصرية النوبة كالآتي: ضرورة وضع آليات لاعطاء أولوية لأهالي النوبة في تملك الأراضي بالمنطقة المحيطة ببحيرة ناصر وذلك لأن هذا من أهل النوبة في العودة إلي مواطنهم الأصلية في الجنوب حول بحيرة ناصر وهو حق أصيل يستمد شرعيته من الدستور الذي يساوي المصريين وأسوة بما تبعته الدولة مع مهجري مدن السويس بعد إزالة آثار العدوان بالإضافة إلي توطينهم في القري الجديدة كما يطالبون بتوفير كافة الخدمات إلي قراهم الجديدة في وادي كوامبو وزيادة التوسع وإعادة فتح الجمعيات الاستهلاكية في كل قرية وإنشاء منطقة صناعية بمدينة نصر النوبة وماحولها .
بينما يري الخبيري جمال أحد قيادات نصر النوبة _ أن تفكير الحكومة في إنشاء مملكة النوبة هذا مجرد هاجس أمني النظام المصري السابق بل أنه امتد إلي الحالي حيث أنه لايوجد أي مقومات لإقامة دولة بل لايتم التفكير في هذه المملكة لأننا أصل مصر وكل مطالب أبناء النوبة تتركز فقط في العودة لمواطنهم الأصلية علي ضفاف بحيرة ناصر وليس لهم أي مطالب في المشاريع الخلفية التنموية مثل توشكي وخلافه.
أما الدراسة التي أجرتها لجنة المتابعة المنظمة من قبل الهيئات النوبية في الإسكندرية في العام الماضي فتلخص المشكلة النوبية في مائة عام كما أنها تحدد مطالبهم.
في البداية تشير الدراسة إلي أنه في مطلع القرن العشرين كانت بلاد النوبة تتكون من 39 قرية علي امتداد 350 كيلومتراً جنوب أسوان حتي خط عرض 22 (وادي حلفا) علي ضفتي النيل شرقاً وغرباً وتتكون القري النوبية من مجموعات متباعدة من المساكن تفتح أبوابها علي نهر النيل، وامتدت تلك المساكن في نجوع بلغ مجموعها 535 نجعاً، وتميزت مساكن النوبة عن غيرها من المساكن بالمناطق الأخري في عدة وجوه أهمها ارتباطها باختيار أماكن البناء علي مستويات الأرض ذات الطبيعة الصخرية، إذ تتدرج الأراضي في الانخفاض من الشرق والغرب نحو النيل، فكان من الطبيعي أن تجد غرف البيت الواحد علي اتساع المساحة المقامة عليها تتفاوت في ارتفاعاتها، ليسمح بوجود تيارات هوائية، ويبلغ ارتفاع الجدار حتي أربعة أمتار، ونظراً لطبيعة المناخ الجافة الحارة فإن العمارة النوبية تواءمت مع البيئة، وتميز هذا التشييد بوحدة أساسية هي الحوش السماوي الذي تفتح عليه حجرات البيت.
إنشاء خزان أسوان (1902م):
عند انتهاء بناء خزان أسوان عام 1902 ارتفع منسوب المياه خلف الخزان إلي 106 أمتار، ليغرق مساكن وأراضي زراعية وسواقي ومزروعات ونخيل وأشجار عشر قري نوبية هي: دابود ودهميت وأمبركاب وكلابشة وأبوهور ومرواو وقرشة وكشتمنة شرق وغرب وجرف حسين والدكة، واجهت تلك القري العشر آثار بناء الخزان وحدها دون أن تنال اهتماماً رسمياً أو إعلامياً في ذلك الوقت.
التعلية الأولي للخزان (1912م):
بعد بناء الخزان، فإذا بكارثة التعلية الأولي للخزان تتسبب بطوفان جديد عام 1912، ليرتفع منسوب مياه الخزان إلي 114 متراً، ويتسبب في إغراق ثماني قري نوبية أخري هي: قورتة والعلاقي والسيالة والمحرقة والمضيق والسبوع ووادي العرب وشاترومة.
التعلية الثانية عام 1932م:
النوبيون فاجأتهم التعلية الثانية للخزان عام 1932 فأغرقت مياهها هي الأخري عشر قري نوبية هي: المالكي وكروسكو والريقة وأبوحنضل والديوان والدر وتوماس وعافية وقتة وأبريم وجزيرة أبريم، بينما أضيرت بقية القري النوبية الإحدي عشرة الأخري، وهي عنيبة ومصمص والجنينة والشباك وتوشكي شرق وغرب.
حينئذ ارتفع صوت النوبيين بالشكاوي. وبعد أكثر من ثمانية عشر عاماً من بناء الخزان، أصدرت الدولة القانون رقم 6 لسنة 1933 الخاص بنزع ملكية أهالي النوبة وتقدير التعويضات اللازمة إلا أن القانون حفل ببنود مجحفة في حق النوبيين، منها ما تم رصده في مذكرة النادي العربي العقيلي عن تعويضات منكوبي خزان أسوان والتي أرسلت إلي مجلس الشيوخ 12 فبراير 1944 ميلادية، (وقبل أن نبين لحضراتكم الأساس الذي قام عليه تقدير التعويضات، لابد من ذكر القانون رقم 6 لسنة 1933 الذي لجأت إلي إصداره حكومة ذلك العهد متخطية الإجراءات العادية التي ينظمها قانون نزع الملكية العام، وقد أبان عنها معالي شفيق باشا وزير أشغال ذلك العهد عند عرض ذلك القانون علي مجلس الشيوخ بجلسة 29 فبراير سنة 1933 إذ قال: »أنفقت مصر الملايين علي إنشاء خزان أسوان وتعليته وكل حضراتكم متشوق إلي زيادة المياه وآمالنا الآن الطريقة لتخزينها فلو أننا انتظرنا خمس سنوات حتي تتم إجراءات نزع الملكية بالطريق العادي لحرمنا إذن مصر من المياه حرمانا مادياً بدون مبرر.
فاتباعنا القانون العادي في إجراءات نزع الملكية هو حرمان مصر من المياه طول هذا الزمن.. وإذا مكننا القانون المذكور من وضع اليد في الحال علي الأطيان فإنه لا يمكن لا للقضاء ولا للخبراء ولا أصحاب الشأن من معرفة معالم الأرض بعد غمرها في نوفمبر المقبل«.
فرد عليه شيخ أغضبه تبرير الوزير لهذا القانون قائلاً »أين كنت مدة الثلاث السنوات الماضية حينما تقررت التعلية؟ لم لم يعمل هذا من قبل وهل تنطبق السماء علي الأرض لو أجلنا إملاء الخزان للمنسوب الجديد سنة أخري وقد مضت علينا ثلاثون سنة علي هذه الحال«؟.
والقانون المذكور قضي بنزع ملكية المناطق المنكوبة »النوبية« بأجمعها ولم يترك للنوبيين فرصة للمعارضة في تقدير التعويضات التي فرضتها الحكومة تعسفاً إلا مدة 15 يوماً وهي مدة قصيرة لم يتمكن الكثيرون خلالها من الاطلاع علي مقدار تعويضاتهم هذا فضلاً عن جهل أغلبية الأهالي بطرق المعارضة في التقدير، حتي إن الكثيرين منهم لم يعلموا بذلك الطريق القانوني للمعارضة إلا بعد فوات ميعادها.
النوبي محمد مراد سنة 1947ذكر أن »المغفور له الأستاذ عبدالصادق عبدالحميد ألقي بياناً في مجلس النواب أثناء نظر ميزانية وزارة الأشغال سنة 1936 دلل فيه علي أن التعويض مع كثير من التساهل والتجاوز كان يجب أن يقدر بمبلغ 3600000 ثلاثة ملايين وستمائة ألف جنيه، علي حين أن الحكومة قدرتها بمليون وسبعمائة ألف، ثم خصمت منها حوالي نصف مليون«.
وحين قرر وزير الأشغال عام 1944 توزيع 406 أفدنة علي بعض المنكوبين النوبيين في ناحية القرنة البعيرات اعترض الموظفون وكتبوا مذكرة قائلين فيها (إن هذه الأطيان أجود من أطيان بلاد النوبة، وأن التعويض يجب أن يكون مماثلاً).
هذه المظالم تم تجاهلها من قبل أصوات كانت تنادي آنذاك بالاستقلال والحرية والمساواة لمصر، مما زاد من المرارة والشعور بالهوان لدي النوبيين. مع التجاهل التام من قبل.
وإزاء تلك المحنة، انتقل النوبيون إلي سفوح الجبال ليبنوا مساكن لهم علي طول نهر النيل، فاستنزفت تلك المساكن الجديدة أكثر مما أخذوه من تعويضات سخيفة مقابل أراضيهم ومساكنهم الأصلية التي غرقت، وفي عهد حكومة مصطفي النحاس عام 1936، كان أول مطلب للنوبيين حمله نائب النوبة في البرلمان، عبدالصادق عبدالمجيد بعد الانتخابات، هو إعادة النظر في التعويضات التي صرفت للأهالي ومنح أبناء النوبة أراضي صالحة للزراعة شمال أسوان وجنوب قنا بدلا من الأراضي التي أغرقها مياه الخزان، والجدير بالذكر أن مصطفي النحاس قال عند إلقائه خطاب العرش في تلك الدورة البرلمانية (وستعمل حكومتي علي إقامة مشروعات للري في بلاد النوبة تعويضا عما فقدوه وتقديم جميع الخدمات لأهلها).
صدمة التهجير 63 / 1964:
واصلت الدولة تنفيذ مشروع السد العالي، وبدأت الحملة الدولية لإنقاذ آثار النوبة، أما النوبيون كبشر ومواطنين وهم الذين تعايشوا مع هذه الآثار، فجاء حظهم العاثر في ذيل اهتمامات الدولة والمجتمع الدولي، فتم ترحيلهم علي عجل إلي هضبة كوم أمبو وإسنا، إلي منطقة لا نهر فيها ولا إرث ولا تراث. بقي معهم ما حمل وجدانهم من عشق لوطن فقدوه تحت مياه السد العالي، تم ترحيل النوبيين دونما أي دراسات تأخذ في الاعتبار آدميتهم وتاريخهم ونضالهم وتضحياتهم في سبيل الوطن.
هكذا تم ترحيلهم عشوائياً وفقا لجدول زمني مختزل سريع، رغبة في إخلاء بلاد النوبة قبل 15 مايو 1964 موعد تحويل مجري نهر النيل، فترك معظم النوبيين الكثير من متاعهم في الوطن المهجور وحشروا في صحراء كوم أمبو وإسنا في مساكن خالفت المساكن التي ألفوها وخلافا للمسكن النموذجي الذي وعدوا به وشاهدوه قبل عملية التهجير، بالإضافة لعدم تواجد مياه صالحة للشرب ولا كهرباء، مع استحالة تربية مواشي وطيور وهي تمثل أهم عناصر الحياة والدخل بالنسبة للمواطن النوبي المزارع،
وبالتالي تعذر نقل هذه الحيوانات معهم إلي المهجر الجديد، في حين إخوانهم النوبيون السودانيون وأبناء عمومتهم فعلا لا قولا أثناء هجرتهم إلي خشم القربة (مهجرهم الجديد) خصصت الحكومة السودانية لكل قطار مصاحب لأفواج المهاجرين طبيباً بيطرياً لرعاية حيواناتهم الزراعية.
تكررت مأساة أشد هولا مما حدث من ربع قرن مع بلاءات خزان أسوان، فلا المساكن الجديدة استكملت ولا الأراضي الزراعية استكمل استصلاحها ولم تسلم للنوبيين إلا بعد مرور من أربع لخمس سنوات.
ارتضي النوبيون بالهجرة إلي كوم أمبو وإسنا وفقا لشروط أبرموها مع الدولة تتلخص في أرض زراعية بالنوبة مقابل أرض زراعية بالمهجر ومسكن في النوبة مقابل مسكن بالمهجر، طبقاً لما شاهدوه وعاينوه قبل الهجرة في أسوان كمسكن نموذجي. وبناء علي تلك القاعدة القانونية قرأ النوبيون جميع القرارات والقوانين التي صاحبت عملية التهجير، وعلي الأخص قرار رئيس الجمهورية بمرسوم القانون رقم 67 لسنة 1962 في شأن نزع ملكية الأراضي التي تغمرها مياه السد العالي، وكذلك القرار الوزاري الذي أصدرته الشؤون الاجتماعية برقم 106 بتاريخ 24/9/1962 بشأن قواعد تعويض وتمليك إسكان أهالي النوبة، لكن التنفيذ جاء مخيبا لآمال النوبيين.
لم يتسلم النوبيون مسكناً وخمسة أفدنة وحيوان زراعي لبدء حياة جديدة وكريمة، أسوة بالمعدمين الذين لم يضحوا ولم يعانوا مثلما عاني النوبيون.
مشكلة الإسكان والسكان:
يتميز السكن في الموطن النوبي الأصلي بالحفاظ علي العادات والتقاليد الاجتماعية التي يعتز بها النوبيون ومن أهمها التكافل الاجتماعي، والعمارة النوبية التي لخص فلسفتها شيخ المعماريين المهندس حسن فتحي بأنها »نظام حياة وليست إيواء« فالبيوت تطل علي النهر العظيم، وفناؤها مكشوف إلي السماء ومزودة بحظيرة مستقلة للمواشي والطيور، والمسكن مقام علي مساحة 350 – 500 متر مربع من خامات البيئة.
أما في المهجر فقد بنيت المساكن متلاصقة ضيقة وحشر فيها النوبيون، كما تخلل قراهم أسر غير نوبية، مما ألغي الخصوصية النوبية وأسلوب التكامل الاجتماعي والأمني الذي توارثوه جيلا بعد جيل في النوبة الأصلية، بالإضافة إلي عدم استكمال المرافق اللازمة وعدم معالجة التربة غير الصالحة التي بنيت عليها هذه المساكن، مما جعلها عرضة للانهيارات المتتالية، الأمر الذي تحمل معه النوبيون نفقات باهظة تزيد كثيراً عما تلقوه من تعويضات سابقة، لجعل تلك المساكن صالحة للسكن الآدمي.
ولملاحظة أن حجم السكان في بلاد النوبة تدهور في سنوات التعليات المتكررة لخزان أسوان إلي درجة انعدام الزيادة السكانية، بل نقصها في سنوات المحنة. وعند إجراء حصر لعدد المساكن في المنطقة عام 1962 قبل التهجير بلغ عددها طبقاً لتقديرات الحكومة حوالي 24 ألف مسكن، وقررت الحكومة حينذاك أن تبني في المرحلة الأولي 15589 مسكناً بواقع 65% من العدد المطلوب، وتم تأجيل بناء 8411 مسكناً
في مرحلة تالية أطلق عليه إسكان المغتربين.
وهكذا تسلم النوبيون مساكن تم تصميمها وتوزيعها بطريقة خيبت آمال الكثيرين، وصارت مصدراً للتوتر والمتاعب الكثيرة التي جسدت قضية من أهم القضايا التي واجهت النوبيين في منطقة التهجير.
وبعد مرور أربعين عاما من التهجير لم تف الدولة بما وعدت به من استكمال المرحلة الثانية من مساكن المغتربين إلا بنسبة 25% رغم ازدياد عدد الأسرة النوبية طبقا للجدول السابق، والذين لهم الحق في المأوي والسكن الملائم تعويضا عما فقدوه طبقا لمواثيق حقوق الإنسان، وهل كتب علي النوبيين أن ينتظروا أربعين عاما أخري لاستكمال تلك المرحلة الباكية المضحكة من خطة الإسكان؟ وهل ستكتفي الدولة ببناء 8411 مسكناً طبقا لخطة 1960 أم ستراعي نمو عدد أفراد الأسرة المقيمة بالمنطقة، التي بلغ عددها ضعف الأسرة النوبية أثناء الهجرة علي أقل تقدير؟ وما ذنب النوبيين إذا تقاعست الدولة عن أداء واجباتها نحو رعاية مواطنيها؟ ولمَ لم يتم بناء تلك المساكن في توقيتها المحدد؟
وفي النهاية أجملت الدراسة المطالب النوبية وهي:
1-تنفيذ حق العودة للنوبيين إلي موطنهم الأصلي، حسبما نصت عليها في بيانات حقوق الإنسان الخاصة بالشعوب القديمة، والتي تم التصديق عليها دستورياً.
2- إعادة فتح الملف الخاص بالتعويضات النوبية المجحفة.
3- نظراً لعظم الظلم الذي وقع علي النوبيين فإنه يجب أن تتم معاملة النوبيين معاملة الأولي بالرعاية سواء في المخصصات المالية أو العينية طبقا لقول الزعيم الراحل.
4- الاهتمام بالثقافة النوبية والتراث النوبي في وسائل الإعلام المختلفة سواء المرئية منها أو المسموعة أو المقروءة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.