هل وقعت أخطاء في مسار المفاوضات مع اثيوبيا والسودان بشأن سد النهضة؟!.. بل هل وقعت أو ارتكبت خطايا أوصلتنا إلي ما نحن فيه الآن؟!.. لا بأس.. مازال لدينا من الوقت والقدرة ما يسمح بتصحيح الأخطاء وتعديل المسار ومحاسبة كل من يثبت أنه تهاون في مسئولياته أو خدع أو انخدع.. ليس في المرحلة الحالية فقط.. وإنما طوال السنوات الماضية التي شهدت بوادر التحركات المريبة.. وكانت التصريحات الرسمية تصر علي أنه لا سدود ولامخاطر ولا مؤامرات علي نهر النيل.. وحصتنا في المياه آمنة. كل من ساهم في تضليلنا.. أو في تخدير وتزييف الوعي العام.. والمزايدة علي الحقيقة أو التعتيم عليها.. لابد ان يحاسب حتي لو كان قد ترك منصبه.. فالقضية تتعلق بوجودنا وبحياتنا.. ومستقبل وطننا والأجيال القادمة. نحن الآن أمام لحظة الحقيقة دون تهوين أو تهويل.. وقد أعلن صراحة فشل الجولة العاشرة من المفاوضات دون التوافق علي أي من البنود المطروحة.. واعترف وزير الموارد المائية د. حسام مغازي بأن المفاوضات كانت صعبة وشاقة.. وأري أننا بلغنا مرحلة جيدة من الوضوح والشفافية.. فالاعتراف بالفشل وبأن المفاوضات صعبة وشاقة يعني أننا تجاوزنا مرحلة الشعارات والكلام الإنشائي ودخلنا في العمق.. ليست المشكلة أن تكون المفاوضات شاقة فهذه طبيعة الأمور.. إنما المشكلة أن ننخدع بمعسول الكلام.. ونستدرج إلي الهزل في موضع الجد. الملف الآن صار مفتوحاً.. وعلينا أن نتدارسه من كل الزوايا مهما كانت مؤلمة ولا عيب في أن نراجع ونعدل ونغير في مسار التفاوض بما يحقق مصلحتنا وقد اعترف الدكتور أحمد الفقي العضو السابق في اللجنة الثلاثية لسد النهضة عن السودان بأن هناك تقصيراً مصرياً سودانياً في إدارة المفاوضات الفنية التي تجاهلت المسار الأخطر والأهم.. وهو المسار القانوني.. لأن البلدين تجاهلا أن الأساس لأي مشروعات مائية علي الأنهار المشتركة هو المدخل القانوني قبل الشروع في التنفيذ.. وهو ما تسبب في التراخي وعدم المطالبة بالحقوق.. وضياعها علي مدار 4 سنوات منذ البدء في إنشاء السد. ونقلت "المصري اليوم" عن الدكتور الفقي يوم الأحد الماضي أن الدراسات الفنية للسد معيبة لأن نتائجها غير ملزمة للجانب الإثيوبي.. ويمكن لأديس أبابا الاسترشاد بها فقط.. ويمكن ان تعدلها في أي وقت بعدما يكتمل بناء السد بموافقة مصرية دون أن يكون لمصر سيطرة علي ملء الخزان وقواعد تشغيل السد.. كما أن اثيوبيا تهدف إلي تحويل المياه إلي سلعة اقتصادية مثل البترول والغاز.. وتكون لها السيادة الكاملة في استغلال مواردها المائية بالطريقة التي تراها. في نفس الاتجاه اعتبر الدكتور محمد نصرالدين علام وزير الموارد المائية الأسبق- الذي عايش الأزمة في بدايتها ويجب ان يساءل مع غيره- اعتبر أن المفاوض المصري ارتكب أخطاء فنية وسياسية جسيمة علي طول مسار المفاوضات الثلاثية الفاشلة وأن وزارتي الري والخارجية مازلتا مصممتين علي الاصطدام بحائط التحالف الإثيوبي السوداني.. وبنفس المنهج القاصر إنقاذاً لفشل المسئولين وليس لصالح مصر. وقال في تصريحات نشرتها "المصري اليوم" إن مصر تنازلت عن وجود خبراء دوليين في اللجنة وتنازلت عن اسناد دراسات السلامة الإنشائية للسد.. وانشغل الوزراء بالتقاط صور تذكارية بجوار السد.. كما تنازلت عن النص علي الحصة المائية في إعلان المباءيء.. وتنازلت عن النص علي التفاوض علي سعة السد.. ولذلك فقد طالب د. نصرالدين علام بالاقالة الفورية لكل من شارك في هذا "التهريج" ومحاكمتهم وتغيير مسار المفاوضات قبل حلول الخراب.. علي حد قوله. ومن ناحية أخري.. كشف الخبير السوداني في الشئون الافريقية ودول حوض النيل الدكتورعصام فتح الرحمن الحاجة عن مخطط اثيوبي لاقامة "شراكة استراتيجية" مع السودان تتضمن زراعة مساحات شاسعة من الأراضي في المناطق المتاخمة لسد النهضة شرق السودان تتجاوز المليون فدان كمرحلة أولي لتكون نواة للتنمية في البلدين.. وقد تم بالفعل مد شبكة الكهرباء من موقع السد إلي داخل الأراضي السودانية من خلال شركة فرنسية.. ومن هذا المنطلق نستطيع أن نفهم الإصرار علي أن تقوم شركة فرنسية منفردة بدراسة تأثيرات السد وعرقلة الشركة الهولندية الأكثر خبرة.. ونفهم أيضاً تصريح وزير خارجية السودان الذي قال فيه: نحن نشارك في المفاوضات كأصحاب حق.. ولسنا وسطاء. حمي الله مصر من كل المكائد.. وأنار لها طريق الرشاد.