كم كان بودي أن ينفي وزير التعليم العالي كل ما يقال عن قراره الخاص باستثناء أبناء الضباط والقضاة من قواعد التوزيع الإقليمي والجغرافي والتحويلات الجامعية.. ويبطل الحملة المشتعلة في العديد من الصحف ضده تحت عنوان "استثناء أبناء الكبار".. لكن الوزير للأسف أكد القرار ودافع عنه بحماس مبرراً ذلك ب "اعتبارات قومية". وبعد اعتراف الوزير اشتعلت الحملة أكثر وأكثر.. ودخلت فيها أطراف كثيرة أجمعت علي أن استثناء فئة معينة دون باقي فئات الشعب يخل بمبدأ تكافؤ الفرص.. ويتناقض مع الدستور والقانون اللذين أكدا المساواة بين جميع المواطنين.. وأن تعبير "الاعتبارات القومية" غير واضح وفضفاض. سألته: ربما يكون المقصود ب "الاعتبارات القومية" هنا هو تيسير نقل أبناء الضباط والقضاة إلي جامعات معينة إذا ما نقل آباؤهم إلي مواقع جديدة طبقاً لطبيعة عملهم.. فقيل لي إن الاستثناء الذي تحاربه الحملة لا علاقة له بهذا الأمر الذي ينظمه قرار سابق صدر من جانب المجلس الأعلي للجامعات وهو قرار "النقل الإداري" الذي يسمح لأبناء الضباط والمستشارين والموظفين بالدولة عموماً بالتحويل بين الجامعات وفقاً لمقر عملهم.. والجميع في ذلك سواء.. وعلي هذا فإن الاستثناء الذي اتخذه وزير التعليم العالي غير مبرر.. ويستهدف محاباة طلاب لا يستحقون التحويل وفقاً لظروف عمل آبائهم.. وبالمناسبة فإن أغلب التحويلات التي طلبها الوزير طبقاً لقرار الاستثناء تتعلق بطلاب من الأقاليم يرغبون في التحويل إلي جامعتي القاهرة وعين شمس. وزاد من حدة الحملة علي الوزير أنها جاءت في أعقاب تصريحات نارية أطلقها سيادته للتأكيد علي أنه لم ولن يسمح بأي اختراق لقواعد التوزيع الجغرافي في الالتحاق بالجامعات.. وذلك في مواجهة الدعوات التي طالبت بالسماح للمتفوقين من أبناء الأقاليم للالتحاق بكليتي الاقتصاد والعلوم السياسية والإعلام بجامعة القاهرة.. علي اعتبار أن هاتين الكليتين عريقتان ولهما وضع خاص.. ولا يمكن أن تستوي معهما أية كلية أخري مناظرة حديثة النشأة بالأقاليم.. وبرر الوزير هذا الرفض بأنه لن يسمح لأبناء المحافظات النائية بمزاحمة أبناء العاصمة والتكدس فيها والضغط علي مرافقها. كما جاءت الحملة في أعقاب رفض الوزير لدعوة طرحها الكاتب الكبير صلاح منتصر بضرورة مراعاة الظروف الإنسانية للأمهات والآباء كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة وضرورات التئام الأسر عند تطبيق مكتب التنسيق لقواعد الحد الأدني للقبول بالكليات.. وبرر الوزير هذا الرفض أيضاً بأنه ضد أي استثناء.. لذلك كان رد الفعل عنيفاً وشاملاً عندما انكشف أمر الاستثناء الذي منحه الوزير بتفويض من المجلس الأعلي للجامعات لأبناء الكبار.. الضباط والقضاة. ومع مرور الأيام اتسع نطاق ثورة الغضب في الجامعات ضد الوزير.. وشارك في هذه الثورة رئيس جامعة القاهرة د.جابر نصار وبعض الحركات الجامعية حركة 9 مارس تحديداً مطالبة بإقالة الوزير الذي "يعيدنا إلي دولة القبيلة والعبيد والأسياد".. وتساءل آخرون عن الضرر الواقع علي الأمن القومي من تنفيذ القانون والدستور الذي يتعلل به الوزير. ودخل علي الخط المجلس القومي لحقوق الإنسان فانتقد قرار الاستثناء.. وقال في بيان رسمي إنه "يخل بالمساواة وتكافؤ الفرص وحقوق المواطنة.. ويهدر العدالة الاجتماعية.. ويكرس للتمييز بين المصريين". نعم.. كل ذلك حدث ومازال الوزير قابعاً في مكتبه.. مطمئناً إلي استقرار كرسيه!!