وصلتني رسالة عنها مُذيلة باسمها ومحل اقامتها ورقم المحمول.. ولأنها سيدة لاتجيد الكتابة بكفاءة عهدت الي ابن القرية المجاورة لها والمعروف بتواصله مع الصحف.. عهدت إليه بأن يكتب ل "المساء" قصتها عسي أن تجد من يقف بجانبها ويحقق لحياتها ما تراه مستحيلاً!! وبقدر اجتهاد كاتب الرسالة في توصيل معاناة هذه السيدة لنا بقدر ما غابت بعض التفاصيل المهمة عنها ليأتي اتصالي بها لتجيبني علي كل أسئلتي بمنتهي العفوية والوضوح.. وبلهجتها الريفية الجميلة راحت تقول : أنا سيدة في الخامسة والأربعين من عمري حين وعيت علي الدنيا وجدتني وشقيقتي التي تصغرني بعام واحد نقيم بدار رعاية أو "ملجأ" وفي نهاية كل أسبوعين ننزل أجازة نمضيها مع أبي لنكتوي بعد وفاة والدتنا بعذاب زوجاته الواحدة تلو الأخري ليصبح موعد نزولنا من الدار بمثابة موعد مع التعاسة فأقل خطأ يصدر عنا يكون عقابه الضرب المبرح بل والحرق إن لزم الأمر ولاتزال آثاره علي يدي اليمني دون أن أجد في قلوبهن مثقال ذرة من رحمة خاصة انني منذ ولادتي وأنا أعاني نتيجة لضمور في الأعصاب من خدل بالجانب الأيسر مع اعوجاج بالفم ولم أحصل علي أي جلسات علاجية اللهم سوي القليل والقليل جداً. ظروف إعاقتي كانت سبباً في استغلالي أسوأ استغلال لكن قبل أن أحدثك عنها أعود لزوجات أبي اللائي كن يتسابقن علي تجويعي وشقيقتي فالويل لمن تكشف إناء أو تتناول منه شيئاً في غيابهن وان امتد لساعات طويلة. ولم يرحمنا من هذا العذاب قليلا سوي انتقالنا للعيش مع جدتي من أبي لكن سرعان ما بدأ مسلسل الاستغلال يمارس عليّ بأبشع صوره تساوت في هذا زوجة الأب مع الأخت الشقيقة والأخت غير الشقيقة كلهن اتخذنني خادمة لهن ولأولادهن فأختي الصغيرة تزوجت في سن مبكرة وأقامت في محافظة أخري وكانت كلما رزقها الله بطفل ترسله إليّ لكي أتولي رعايته حتي يكبر.. ونفس الشيء مارسته معي أخواتي غير الشقيقات فبمجرد أن تنجب إحداهن تبعث إليّ مولودها لأرعاه لها من الألف الي الياء. وبعد وفاة والدي وأنا في العشرين من عمري لم تتركني شقيقاتي بل فرضن عليّ حصاراً بمطالبهن التي لا تنتهي وكأنهن أصدرن الحكم عليّ بالعيش مدي الحياة مُربية وخادمة لأولادهن فليس لمثلي أن تتزوج وتصبح أما!! تواصل ا.ا.ا من الدقهلية قائلة : ومنذ عامين حدث ما أثار غضبهن حين تقدم إليّ رجل مسن أرمل لديه أبناء متزوجون فحاولن اثنائي عن القبول به لولا أن نصحني عمي بالزواج منه حتي لا أظل خادمة لأحد. عملت بالنصيحة وتزوجت من ذي السبعين ربيعاً يحدوني الرجاء أن يعطيني الله منه الولد لكن في كل مرة لايكتمل الحمل وتجهض فرحتي مع رفض زوجي التام من استمراري في التفكير في مسألة الإنجاب لكنني ومع لهفة قلبي في أن أكون أماً واصلت من ورائه الفحوصات الطبية التي انتهت الي أنه لاسبيل أمامي في الإنجاب سوي عبر أطفال الأنابيب.. هنا دارت الدنيا من حولي خاصة أن معاش زوجي محدود.. وفرصتي الوحيدة في الانجاب نفقاتها باهظة انني أشعر بالحزن الشديد علي سنوات عمري التي ضاعت مع أبناء شقيقاتي فكلهن لم يعملن سوي لسعادتهن ليضيع مني الشباب والصحة فقد تزوجت وعمري "42 سنة" ما جعل فرصتي في الانجاب الطبيعي محدودة للغاية وان لم تكن منعدمة. هذه كل حكايتي التي سعيت للوصول بها الي بابكم الكريم لعلي أجد من بين أصحاب المراكز الطبية المتخصصة من يتكفل بعلاجي بأقل النفقات الممكنة أو أن يقف بجانبي كل من في استطاعته رسم الابتسامة علي وجهي للأبد.. انتهت المكالمة. المحررة: دفعت حياتك ثمناً لسعادة الآخرين حتي تسرب العمر من بين يديك وقلت الفرص في أن تصبحي أما بعد وصولك الي منتصف الأربعين من العمر.. وهكذا ياسيدتي لاننتظر من الذين اعتادوا منا علي العطاء الوقوف في مربع المحرومين والمظلومين من أمثالك.. فلم يرفق بك أحد سواء الأب الذي لم يفكر غفر الله له في أن يعيش لك ولشقيقتك الصغري وكان أول قرار له ايداعكما بدار رعاية حتي لاتشغلاه عن نزواته الخاصة تنقله من زوجة لأخري حتي أخواتك البنات سواء الشقيقة أو غير الشقيقات الكل شاركن في استنزافك وتمادين في ظلمك وللأسف ما كان لهن أن يمارسوا كل هذا معك دون استسلام منك تحت وطأة العجز الذي جئت به الي الدنيا والذي بدلا من أن يزدهن بك رحمة ورعاية زادهن طمعا واستغلالا وغضبا بقبولك الزواج الذي معه ستتوقف خدمتك لهن ولأولادهن!! باختصار حاولت اللحاق بقطار الزواج في محطته الأخيرة لتقبلي بشيخ في السبعين لا رغبة لديه أصلاً في الانجاب منك فيكفيه مالديه من زوجته الراحلة.. لحقت بالقطار لكنه لم يمض بك في المسار الذي تحلمين به وأخذ ينحرف بك بعيداً عن "سكة الأمومة" التي يحتاج الوصول لها إلي تكاليف باهظة لا طاقة لك بها بأي حال.. وهذا لايعني أن تفقدي أبدا الأمل.. اطرقي جميع الأبواب وسنسعي معك في ذلك قدر جهدنا ولا أفضل أن تفعلي شيئاً من وراء زوجك مهما كان رفضه وغضبه فما تسعين اليه هو حقك الطبيعي وإن جاء في ظروف مُلبدة بالمشكلات والغيوم.