لست مع الذين يقولون إن كل المرشحين للرئاسة المطروحين الآن علي الساحة لايصلحون وأن المرشح الحقيقي والمنتظر لم يظهر بعد .. لانهم ربما ينتظرون الرئيس الكاريزما.. البطل.. الأكثر وسامة.. أو الأكثر طولاً وعرضاً.. ينتظرون ربما الفرعون الجديد .. صاحب المهابة والنجابة.. ولم يستوعبوا بعد أن الدنيا تغيرت.. وأن الرئيس القادم سوف يكون شخصا عاديا مثل آحاد الناس.. يأتي لفترة بسيطة ثم يرحل ليأتي غيره. يجب أن ندرب أنفسنا من اليوم علي أن الرئيس القادم لن يكون ملهماً.. ولن يكون مصدر السلطات.. والقابض علي كل الاختصاصات.. وإنما سيكون خادما للشعب.. جاء من بين صفوفه .. ولن يقبع فوقه. لقد انتهي زمن الفرعون الي الأبد.. والرئيس القادم لن يكون الواحد الأحد.. بمعني أنه لن يكون وحده الرأس الكبيرة في البلد.. وإنما ستتعدد الرءوس.. وستقف أمامه وفي مواجهته رءوس السلطة التشريعية "البرلمان" ورءوس السلطة القضائية. والهدف من ذلك أن نحول بين الرئيس وبين "الطغيان" الذي هو تجاوز الحد .. فالإنسان بشهادة القرآن الكريم يطغي حينما يجد نفسه قد تربع علي كل السلطات واستغني عن كل من حوله.. فلم يعد أحد منهم في قامته بعد أن انتهك كرامتهم واستخف بهم.. وجعلهم أتباعا وليسوا مساوين في القيمة والقامة. يجب أن نعمل جميعا وبطريقة قانونية منظمة علي ألا يكون الرئيس القادم إلها ولا نصف إله.. وألا يكون فرعونا مقدسا.. وإنما يكون مواطنا صالحا مثل ملايين المواطنين وأن يكون الفرق الوحيد بيننا وبينه أنه نال ثقة الاغلبية وأنه مطالب بأن يتحمل مسئولية هذه الثقة.. وإلا اسقطته الاغلبية ورفعت غيره. لذلك فإن أي مرشح من المرشحين المطروحين الان يصلح للرئاسة.. شريطة أن يأتي بإرادة الشعب الحرة النزيهة.. وأن يكون انتخابه قائما علي البرنامج الذي قدمه الي الشعب.. فهذا البرنامج بمثابة عقد مبرم بينه وبين الناخبين.. وهو مسئول عن تنفيذه.. ثم يرحل بعد فترة ليأتي غيره ببرنامج جديد وبإرادة الشعب أيضا.. وهذا هو معني تداول السلطة. يمكن ان نخطئ في الاختيار.. ويمكن ان تنخدع الأغلبية بشعارات رنانة وبرامج جذابة.. لكن يبقي المعيار دائما هو النجاح علي أرض الواقع.. ويبقي القرار في يد الشعب صاحب السلطة والسيادة.. وطالما كان القرار في يد الشعب فلا خوف علي الديمقراطية.. فالشعب هو الحارس والضامن.. وميدان التحرير يجب ان يظل مفتوحا ليمارس الشعب حريته وسلطته من هناك.. اذا وضعت عراقيل من أي نوع أمام الآليات الديمقراطية. وقد اختلفت رؤية المرشحين المحتملين للرئاسة إزاء النظام السياسي الجديد.. ووضعية سلطات واختصاصات رئيس الجمهورية فيه.. الدكتور محمد البرادعي قال إنه يفضل أن يكون في منصب رئيس الوزراء إذا جاء النظام برلمانيا خالصا حتي يكون في يده سلطة حقيقية ينفذ بها برنامجه ورؤيته الاصلاحية.. أما عمرو موسي فقد صرح بأنه سيعيد النظر تماما في مسألة ترشيحه للرئاسة إذا تم اختيار النظام البرلماني.. مؤكدا أنه يفضل النظام الرئاسي البرلماني الذي يجعل السلطة التنفيذية في يد رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء كما هو الحال في فرنسا. والحقيقة التي يجب ان نعترف بها أننا في حاجة إلي أن نتعافي من أمراض الديكتاتورية الطويلة التي عانينا منها.. وفي حاجة الي فترة زمنية للنقاهة من قابليتنا التلقائية لصنع الفرعون.. ولذلك فالأفضل أن نمضي قدما نحو النظام البرلماني الخالص.. ولاندع أنفسنا صيدا سهلا لمن يرغب في أن يكون فرعونا وحاكما بأمره. إننا إن فعلنا ذلك سوف يهدأ سباق المرشحين للرئاسة.. ولن يكون المنصب الرئاسي مغنما.. وسوف يحجم كثيرون ممن يمنون أنفسهم بكرسي العرش عن خوض تجربة تكسير العظام. تعالوا نحول المنافسة الي البرلمان.. ومن البرلمان يأتي رئيس الوزراء الذي سوف يكون بالتوافق اذا نجحت تجربة القوائم التوافقية بين الأحزاب.. ثم تأتي انتخابات الرئاسة لتستكمل الشكل الديمقراطي وليس لتصنع فرعونا جديدا.