فى روايتها الأحدث «بيت الجاز»، تحاول الأديبة نورا ناجى الإجابة عن سؤال: مَن الذى يبتكر حياة الآخر؟ هل يخلق المؤلف عالم شخصياته، أم تصنع الشخصيات حياة المؤلف نفسها؟ يحكى العمل عن أديبة تُدعى «رضوى» تحتفظ بقصاصة خبرية عن سقوط طفل رضيع على رأس أحد المارة أمام مستشفى، وتقرر تحويل هذه القصة إلى رواية عن طبيبة شابة تعمل فى دار لعلاج مرضى الجذام، تشهد حادثة مأساوية فى طفولتها تقع لجارتها الطفلة الصغيرة «مرمر» فتتغير حياتها. تصحب نورا القارئ فى رحلة تتبع لحياة ثلاث نساء، وتطرح أسئلة حول التشابه والاختلاف بين حيوات النساء ومصائرهن. تُعرف نورا ناجى بأن أعمالها تشبه ألبوم صور فوتوغرافية، كل صورة وراءها حكاية وجرح فى الذاكرة، كما فى «بنات الباشا»، و«أطياف كاميليا» (الحائزة على جائزة يحيى حقي)، ومجموعتها القصصية «مثل الأفلام الساذجة» (الحائزة على جائزة الدولة التشجيعية). فيما يلى حديثها عن «بيت الجاز» الصادرة عن دار الشروق. كيف جاء اختيار «بيت الجاز» ليكون مسرح أحداث الرواية؟ وأنا طفلة كنت أمرّ على منطقة «كوبانية الجاز» فى طنطا، أنظر إلى بيوتها ومقابرها ومستشفى الجذام فيها، كان سكانها يبدون لى خارج الزمن، وكأنهم أحياء وأموات فى الوقت نفسه، لا يشعرون بمتعة الحياة مثل الآخرين. كبرتُ، وفهمت أن لديهم نظرة مختلفة للحياة، وأدهشنى كيف يتعاملون مع أجسادهم بجُرأة تتجاوز حدود الخصوصية، كان الأمر مُربكًا وجاذبًا معًا، وهكذا بدأ شغفى بكتابة «بيت الجاز». لماذا قسمتِ الرواية إلى ثلاثة أقسام: «الكاتبة»، «الرواية»، «الحقيقة»؟ أحب تجربة تقنيات مختلفة فى الكتابة، وفكرة التقسيم هنا كانت محاولة لرسم خط فاصل بين الحقيقة والخيال، أو ربما لتبلور هذا الخط أصلًا. أردت أن أُدخل القارئ فى متاهة: هل ما يقرؤه حقيقة أم خيال؟ أحيانًا يختلط الاثنان لدرجة لا يستطيع معها التفرقة، وربما هنا يكمن سحر الكتابة. بطلة روايتك روائية.. هل كنتِ تبحثين عن حل لأزمة الكاتب المصرى فى محاكاته للواقع؟ الكاتبات كثيرًا ما يُتهمن بأن كتاباتهن هى حياتهن الشخصية متنكرة فى هيئة رواية، أراه اتهامًا غير منصف، نعم، نكتب من تجاربنا، لكننا لا ننقل الواقع حرفيًا، بل نُعيد خلقه كما نراه ونشعر به. فى «بيت الجاز»، كنت أحاول الاقتراب من يوميات الكاتبة وأسئلتها: هل للكتابة جدوى فى زمن الحرب؟ هل توقف الكتابة القتال؟ كنت أبحث عن إجابة: إذا غَيَّرت الكتابة حياة قارئ واحد، أليس ذلك كافيًا ليكون الكاتب قد نجح؟ منحتِ البطلة اسم «رضوى».. هل كان ذلك تحية إلى الكاتبة رضوى عاشور؟ أثناء كتابة الرواية، كنت أمرّ بمرحلة صعبة فكرت فيها فى التوقف عن الكتابة، وراودتنى الأسئلة المزعجة: لماذا نكتب؟ وهل للكتابة جدوى أصلًا؟ فى تلك الفترة حلمت برضوى عاشور، جاءتنى فى الحلم لتقول: «لا يوجد كاتب يتوقف عن الكتابة». رضوى عاشور كانت كاتبة وإنسانة عظيمة، تعلمت منها الكثير، وكتابها «أثقل من رضوى» كان سندًا لى فى لحظات الضعف. لماذا يحتل القبر مساحة كبيرة فى روايتك وفى حديث أبطالك؟ القبر هو الموت، وهو فكرة الاختفاء، أو التلاشى خلف جدار أو تحت الأرض. الموت هاجس يطارد الفنانين والكُتاب والرسامين، وأنا أيضًا من هؤلاء، أحاول فهم هذا الهاجس وتحليله عبر الكتابة، أكتب عن الموت حتى أصل إلى حالة تصالح معه. لماذا جعلتِ مستشفى الجذام خلفية لأحداث الرواية؟ ألم تفكرى فى تحويلها إلى رواية مستقلة؟ مستشفى الجذام كان حاضرًا بقوة فى الرواية، وكنت أود التوسع فيه أكثر، لكن حرصت على بقاء الرواية متماسكة فاضطررت لحذف بعض المقاطع. ورغم ذلك، يظل مرض الجذام موضوعًا دراميًا عميقًا، إذ يُحوِّل الإنسان إلى كائن آخر، يجرده من حواسه ومظهره، فيصير كأنه شخص لا يشبه نفسه.. ربما أعود لهذا المكان وهذه الشخصيات فى أعمال قادمة، حين تأتى اللحظة المناسبة.