في محاولة لفض الاشتباك بين مؤيدي الدستور أولاً والرافضين التزاماً بأن الدستور بعد الانتخابات البرلمانية اقترحت بعض القوي السياسية وضع وثيقة تتضمن مبادئ أساسية لا يمكن المساس بها عند وضع الدستور بعد انتخابات مجلس الشعب واطلقوا عليها "المواد فوق الدستورية".. وذلك رداً علي المتخوفين من سيطرة تيار معين وحده علي البرلمان القادم واتجاهه لوضع دستور يحقق مصالحه فقط ووفق رؤيته وقناعاته. هذه المواد تركز علي نظام الحكم وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع وتعدد الأحزاب والمساواة واستقلال القضاء وغيرها. وقد أثار هذا الاقتراح جدلاً أيضا يلتحم مع الجدل الدائر حول الدستور أولاً أو آخر!!.. فالبعض تحمس استناداً إلي أنها موجودة في معظم دول العالم وإن كانت غير مكتوبة.. والبعض الآخر اعتبرها التفافا علي الدستور وتمكن واضعيها من فرض وصياتهم علي الشعب.. كما أنها بلا ضمانات فالدستور الجديد قد يلغيها أو يعدلها!! مؤكدين أن الأولي من هذه الوثيقة هي الاسراع بوضع الدستور. د.فوزية عبدالستار "رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب سابقاً" تقول إن المواد فوق الدستورية أو التي تعلو علي الدستور تفرض نفسها علي أي مجتمع ولا يجوز تعديلها أو تغيرها أو إلغاؤها فهذه المواد موجودة في معظم دول العالم لكنها غير مكتوبة مثل مبدأ المساواة المسلم به في الدول الديمقراطية. أشارت إلي أن المقصود من عمل وثيقة لبعض المواد الدستورية هو ألا يكون الدستور أداة في يد الحاكم يحقق به ما يتعارض مع مصلحة الشعب مثل تعديل ما يسمح بالتوريث كما حدث في 2007 ولتجنب مثل هذا العبث تعتبر تلك الوثيقة فكرة جيدة.. لكن لابد من موافقة الشعب أولاً وان يقترن إعدادها بالدستور فليس منطقياً عمل مواد فوق دستورية وبعد 6 شهور تبدأ اللجنة التأسيسية في إعداد الدستور..!! أكدت أنها تؤيد بشدة عمل الدستور أولاً ثم الانتخابات الرئاسية ثم البرلمانية موضحة أن الوقت مناسب الآن لإعداد الدستور لان الساحة خالية من رئيس جمهورية يضغط لإعداد مواد تزيد من صلاحياته أو مجلس شعب يؤثر ويحقق مصالح خاصة. أشارت إلي أن بعض المواد التي يجب ان تتضمنها الوثيقة إذا وافق الشعب عليها أهمها عدم تعديل مدة رئاسة الجمهورية وألا يسمح للرئيس بالتدخل في تمديد فترة بقائه في السلطة مثلما فعل الرئيس الأسبق أنور السادات بتعديل تلك المادة من مدة أخري إلي مدد أخري.. كذلك مبدأ المساواة بأن جميع المصريين أحرار متساوون في الحقوق والواجبات والحريات أمام القانون والدستور دون تمييز.. مؤكدة رفضها الشديد لكلمة المواطنة لأنها لا تعني إلا المساواة وهذا المصطلح ظهر في ظروف استثنائية لصالح البعض كما أنه وضع من النظام السابق لأغراض خاصة.. بالإضافة لضرورة استمرار المادة الثانية والتي تنص علي أن الإسلام دين الدولة والشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ورغم أن هذه المادة كانت مثيرة للجدل والخلاف في الفترة الماضية لكن يجب أن يقتنع الجميع أن الإسلام يضع ضمانات لكل الشعب مهما كانت دياناتهم بعدم الاساءة إليهم بنصوص صريحة فهذه المادة ليست في صالح المسلمين وحدهم وكذلك المتهم بريء حتي تثبت إدانته ومبدأ شرعية الجرائم والعقوبات فوق الدساتير وحرية الحياة الخاصة للمواطن. حقوق الإنسان يرحب د.بهي الدين حسن "رئيس مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان" بإعداد وثيقة المواد فوق الدستورية لكن الأهم هو من يضع هذه المبادئ ومن يضمن ألا ينتهكها أي طرف سياسي يتولي الحكم منفرداً أو بالائتلاف مع آخرين؟.. فليس هناك تأكيد بإقرار الوثيقة دون أن يمسها أحد حتي ولو تم توقيع 1000 حزب عليها..!! أشار إلي أهم المبادئ الأساسية التي يجب أن تتضمنها الوثيقة لكن بشرط وجود طرف مستقل يتولي حماية هذه المبادئ حتي لا تتعرض للإلغاء.. علي رأس المواد يأتي تطبيق حقوق الإنسان وفقاً للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وليس حسب الاتجاهات السياسية أو الأحزاب.. والتأكيد علي أن مصر دولة تعددية سياسياً ودينياً وعقائدياً وهذه التعددية يجب أن تحترم فلا يحق لأي طرف قهر الآخرين. .. د.سعاد الشرقاوي "أستاذ القانون الدستوري" أكدت أن عمل مبادئ أو نصوص ذات قيمة دستورية في وثيقة مستقلة سوف يثير جدلاً والأولي هو وضع مشروع دستور كامل يتضمن الحقوق والواجبات والمبادئ ذات القيمة الدستورية ولا يعني سقوط دستور 1971 أننا نعيش بلا مبادئ فهي موجودة ونطبقها في الحياة العامة لكن الدستور نفسه الذي يرضي الشعب هو الضامن للحفاظ علي تلك المبادئ والعمل بها. أشارت إلي أن الإقدام علي كل شيء جديد يسبب ارتباطاً.. فعندما صدرت وثيقة لحقوق الإنسان في فرنسا ظلت سنوات تثير خلافاً وتعتبر المواد فوق الدستورية أيضا تشويشاً علي الدستور لأن مشكلة إعداد الدستور أولاً أم الانتخابات البرلمانية هي السبب في فكرة الوثيقة الدستورية.. لكن الخطوة الصحيحة هي تكوين الجمعية التأسيسية لوضع الدستور أولاً.. فما الحاجة إلي مجلس الشعب للموافقة علي الدستور فالقاعدة الأساسية أن الشعب هو المشرع للدستور.. كما أن البرلمان السابق وأحزاب ما قبل الدستور كانت تحقق مصالح شخصية ولم تكن هناك ضوابط محكمة ولا جزاءات لخروجهم عن دورهم الأساسي.. لذلك لابد أن يتم وضع ضوابط جديدة للنواب والأحزاب السياسية وأن يصحح الدستور هذه الأخطاء ويجب أن يتضمن الدستور الجديد مادة تمكن الشعب من عزل النائب غير المؤثر أو الفاسد. .. سامح عاشور "رئيس الحزب الناصري" أكد رفضه لإعداد وثيقة تتضمن مواد فوق دستورية لأنه يبعدنا عن الغرض الأساسي وهو وضع الدستور.. وبدلاً من التفكير في أنماط ونماذج جديدة يفضل البدء في تكوين اللجنة التأسيسية التي تقرر الدستور الجديد بعد أن يستفتي عليه الشعب.. واختيار أفضل العناصر والخبرات والتخصصات التي يتوافر لديها الدراية اللازمة بالمبادئ والدساتير الأخري والعمل علي وضع مواد لصالح الشعب والوطن وليس لأشخاص.. كما أنه إذا تم وضع مواد فوق دستورية فيحق للدستور الجديد تغييرها أو إلغائها فما الداعي للتعطيل والوقت المهدر.. لذلك يجب توجيه الأهمية الأولي لعمل الدستور هو المطلب الشعبي والجماهيري. ..د.جمال جبريل "أستاذ القانون الدولي بكلية الحقوق جامعة المنوفية" يقول إن فكرة المواد فوق الدستورية جاءت في المحكمة الدستورية الايطالية لكن تطبيقها غير منطقي وليس هناك حاجة إليها خاصة أن الدستور سوف يشمل كافة المواد والمبادئ التي تنظم الحياة.. كما أن من يرغبون ويطالبون بإعداد المواد فوق الدستورية يفرضون بذلك وصاية علي الشعب ويرفعون شعاراً هو "نحن أدري بمصلحة المواطنين"!! وكأن المسلسل القديم للنظام السابق يعاد من جديد.. لذلك لا أفضل العمل وفق هذه الرؤية وبدلاً من أن يتزعم بعض الأشخاص تلك الحركة لإملاء إرادتهم علي الشعب يجب العمل علي وضع دستور أولاً من خلال جمعية تأسيسية حتي يتم بتر كل هذه المحاولات..!! أشار إلي أن ما طرحه د.محمد البرادعي عن عمل وثيقة لبعض المبادئ يتم استفتاء الشعب عليها وإذا وافق يتم تشكيل الهيئة التي تقوم بوضع المبادئ من الأولي أن تدور في إطار وضع الدستور. ارتباك .. د.أحمد هندي "أستاذ القانون الدستوري وعميد كلية حقوق جامعة الإسكندرية" أكد أن المواد فوق الدستورية غير مألوف العمل بها في مصر والمشكلة الحقيقية أصبحت في ظهور أفكار جديدة كل يوم وكل من لديه هدف أو تصور محدد يريد أن ينفذه ويعتبر هذا التواء للحقائق لأن المعروف أن الدستور هو الأقوي ولا يعدل كل فترة مثل القوانين.. ورغم أن استفتاء 19 مارس الذي رسم خارطة طريق رتبت الأولويات بانتخابات برلمانية ثم رئاسية ثم وضع الدستور إلا أن معظم الاتجاهات السياسية والشعب اختلف عن ذلك ويريدون الدستور أولاً.. مشيراً إلي أن الوقت غير مناسب والبلد في حاجة إلي الاستقرار فإذا تم العمل علي إعداد الدستور سنجد من يعترض والاعتصامات ستعود ونحتاج لفترة طويلة جداً حتي نستقر علي مبادئ الدستور لذلك أؤيد فكرة الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية حتي تهدأ الأوضاع ونصل لدولة مدنية.. وباختيار نماذج مشرفة تمثل الشعب في البرلمان عن طريق انتخابات نزيهة سيسهم في الاستقرار ووضع دستور يرضي جميع طوائف وفئات الشعب.