أكد المستشار أحمد مكي نائب رئيس محكمة النقض أن محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري ظرف استثنائي لابأس به في الظروف التي تمر بها مصر حالياً ولكنه إجراء يجب أن يتوقف تماماً مع اختفاء هذه الظروف وزوالها. قال في حوار خاص ل "المساء الاسبوعية" إننا لا يمكن ان نتحدث عن قضاء مستقل 100% في دولة عاشت 30 عاماً في الفساد في كل المجالات وهو حال الكثير من الأجهزة الرقابية التي كانت تابعه للجهاز التنفيذي. أضاف أن للقضاة مطالب محددة لتحقيق الاستقلالية الحقيقية للقضاء ولكننا ننتظر الوقت المناسب للمطالبة بها بعد أن يتخلص المجلس العسكري من المهام الصعبة التي يواجهها. رحب بوجود رقابه دولية علي الانتخابات ولكنه رفض رفضاً تاماً أن يتم إدارة العملية الانتخابية بالكامل بواسطة أعضاء من الخارج. أوضح أن توافر الارادة السياسية الحقيقية هو الضمانة الاساسية لاجراء انتخابات نزيهة مشيراً إلي أن مصر علي مدار تاريخها شهدت 3 انتخابات نزيهة اعوام 24 و 50 و 76 بسبب توافر هذه الارادة. * بداية ما رؤيتكم في الخلافات الدائرة بين القضاة ولجوء البعض إلي وسائل الإعلام خاصة المرئية لإثارة القضايا الخلافية؟ ** هذه القضية سببها الرئيسي من وجهة نظري غياب الفصل بين السلطات الثلاثة في الدولة القضائية والتنفيذية والتشريعية فنحن كقضاة نسعي إلي الاعلاء من استقلالية القضاء ليس من أجل القاضي ولكن من أجل مصلحة المواطن والمتقاضي ونحن كقضاة نسعي إلي استقلال القضاء في مواجهة السلطة التنفيذية ممثلة في وزارة العدل الذي لا تعطي فرصة لهذا الأمر وبالتالي ليس امام بعض القضاة الا اللجوء إلي وسائل الاعلام لعرض وجهة نظرهم وظهورهم لا يعود إلي حب الظهور أو الرغبة في الانتشار ولكنه نوع من القتال والكفاح من أجل الاستقلالية وضمان نزاهة القضاء بعيدا عن أي تدخل ومن أجل اكتساب ثقة الناس وطرح كل القضايا التي تشغل الرأي العام مثلما حدث في تزوير انتخابات 2005 التي دفعتنا للجوء للإعلام ليس لحساب طرف ضد طرف آخر ولكن من أجل كشف الحقائق ونفس الأمر تكرر مع انتخابات 2010 وان لم يكن الظهور بنفس الصورة حيث تمت الإحاطة بتيار الاستقلال من نادي القضاة ولم يسمع لرأينا في كثير من الأمور التي تجري علي الساحة.. * هلي معني هذا أن القضاء في مصر غير مستقل؟ ** يجب أن نكون صرحاء كيف نتحدث عن قضاء مستقل 100% في دولة عاشت لما يزيد عن 30 عاماً في كم هائل من الفساد في كل المجالات وسيطرة أمن الدولة علي مقدرات الأمور وحزب فاسد سيطر علي الحياة السياسية وشهد عصره حالات صارخة من تزوير الانتخابات وإرادة الجماهير. * كيف نقبل بعدم استقلالية القضاء بعد قيام ثورة 25 يناير التي غيرت الكثير من المفاهيم وأزالت الكثير من الأخطاء؟ ** نحن نعيش في مرحلة فارقة من تاريخ مصر الحديثة تتطلب العديد من الاصلاحات ليست في مجال استقلال القضاء ولكن في العديد من المجالات ونقدر المهام الصعبة التي يواجهها المجلس العسكري وننتظر أن نعبر هذه المرحلة بكل تحدياتها ثم بعد ذلك نبدأ في اتخاذ خطوات فاعلة في مجال استقلال القضاء الذي لن نتنازل عنه تحت أي ظرف من الظروف فقد سبق أن عانينا في الماضي كثيراً لتحقيق هذه الاستقلالية ولم نتنازل الآن لأي سبب من الأسباب ولكن فقط ننتظر الوقت المناسب لطرح همومنا وقضايانا حتي لا نتهم بأننا نقتنص الفرص أو نستغل الظروف. * وهل عدم استقلالية القضاء يمكن أن يكون عائقاً إمام إجراء انتخابات نزيهة؟ ** فيما يخص الانتخابات القادمة أستطيع أن اؤكد وأنا مطمئن تماماً أنها ستكون نزيهة 100% لسببين الأول وجود الوعي الشعبي الزائد في هذه الأيام والسبب الثاني وجود ارادة سياسية حقيقية لدي الحكومة القائمة في ان تجري انتخابات بلا تزوير بعد فترة طويلة من التلاعب بارادة الجماهير وعموماً فإن نزاهة الانتخابات ليست مرهونة فقط بنزاهة القضاء فأي دولة من دول العالم وخاصة العالم الثالث لو أرادت ان تجري انتخابات مزورة فلا يوجد ما يمنعها من ذلك ولكن في كل الأحوال علي القضاة ان يقاوموا لكي يحدوا من وجود تلاعب وثغرات في الانتخابات وفي هذه اللحظات يجب أن نذكر احقاقاً للحق أن مصر شهدت علي مدار تاريخها البرلماني 3 انتخابات نزيهة تماماً هي التي تمت في أعوام 1924 و 1950 و 1976 وكلها تمت في ظل عدم الإشراف القضائي ولكن لانه كانت هناك ارادة سياسية حقيقية فقد تمت بنزاهة. * اذا عدنا مره أخري إلي استقلالية القضاء كيف يتحقق هذا الأمر في ظل تبعية التفتيش القضائي للوزارة وليس للمجلس الأعلي للقضاء؟ ** يوجد لدينا في كل هيئة قضائية ادارة للتفتيش تابعة لها فالنيابة الإدارية لها تفتيش خاص بها وكذلك الأمر بمجلس الدولة وهئية قضايا الدولة وحتي النيابة العامة التفتيش الخاص بها يتبع النائب العام ومن ثم فمن باب أولي أن التفتيش القضائي يتبع المجلس الأعلي وليس الوزارة. * صدرت مؤخراً تصريحات من رئيس القضاء العسكري بأنهم ليسوا في خصومه مع الجهات القضائية الأخري فما هو تعليقكم علي ذلك؟ ** يهمني بداية أن اؤكد أنه لا يوجد خصومة بين أي فرع من فروع القضاء فكلنا في النهاية نسعي إلي اقرار العدل وتحقيق العدالة ولكن في نفس الوقت نحن نمر بمرحلة انتقالية ولا أقول استثنائية المسئول الأول فيها هو المجلس العسكري ولذلك علينا أن نقبل ببعض الاستثناء. * أذن فأنتم توافقون علي محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري؟ ** بالطبع لا لكن بما أننا نعيش في ظروف استثنائية حرجة فلا بأس من ان تتم بعض المحاكمات للمدنيين أمام القضاء العسكري ولكن بمجرد انتهاء هذه الفترة وتسلم ادارة مدنية شئون البلاد يجب أن تنتهي هذه الأمور تماماً وتعود إلي طبيعتها حيث لا يجب أن يمثل المدنيون امام القضاء العسكري وهو الأمر المعمول به في كل الديمقراطيات في دول العالم المختلفة فنحن لا نستطيع ولا نقبل المقارنه بين القضاء المدني العسكري فلكل منهما.. طبيعته الخاصه ونوعيه الجرائم التي يجب ان يختص بها.. القضاء العسكري قضاء تأديبي استوجبته طبيعه الحياة العسكرية لمساءلة العسكريين في الجرائم الانضباطية ولم يحدث في تاريخ مصر أن مثل مدنيون أمام قضاء عسكري إلا في عام 1966 وحتي عبد الناصر رغم ما يقال عن ديكتاتوريته لم يحاكم خصومة السياسيين أمام محاكم عسكرية وانما انشأ ما عرف بمحكمة الشعب أو محكمة الثورة لهذا الأمر ولم يحمل المؤسسة العسكرية عبء المحاكمات السياسية ولا يجب ان ننسي أن نادي القضاه تصدي في عام 1986 في مؤتمر العدالة الأول برئاسة المستشار يحيي الرفاعي للقانون 25 لسنة 1966 الخاص بالمحاكم العسكرية وطالبوا ان يقتصر القانون علي العسكريين وعلي الجرائم العسكرية فقط. * وما هي رؤيتكم للجدل الثائر حالياً حول ايهما يسبق الآخر إعداد دستور جديد أم اجراء الانتخابات؟ ** ما يهمني ليس ايهما يسبق الاخر ولكن الأولوية لدي هي ان ننتهي من هذه الفترة الانتقالية أو الاستثنائية في اسرع وقت ممكن حتي نخفف من الأعباء والضغوط الملقاه علي كاهل المجلس العسكري فهو له مهام جسام أخري ليس من بينها بالتأكيد ادارة شئون البلاد المدنية وأعتقد أن من يثيرون مثل هذه القضايا يريد شغل المواطن في جزئيات وفرعيات لا طائل من ورائها سوي احداث البلبله وعدم الاستقرار. * وما رأيكم فيما دعت إليه منظمات حقوقيه مؤخراً من ضرورة ترتيب أولويات المرحلة الانتقالية محذرة من اجراء انتخابات برلمانية وفقاً للدستور الحالي؟ ** هذه الاراء تزيد الأمور تعقيداً فهي لا تقدم حلولاً ومن جانبي فانني اقترح اجراء الانتخابات البرلمانية ويشكل البرلمان المنتخب بارادة شعبية حقيقية لجنة تأسيسة لوضع الدستور الجديد يتضمن تحقيق المساواه بين المواطنين بشرط ان يطرح للنقاش العام حتي تدلو كل فئه بدلوها في هذه المسألة وتبدي رايها في صراحة ووضوح واقترح ان يتم تشكيل اللجنة التأسيسة من مائه شخص من اساتذة الجامعات والنقابات المهنية والمحكمة الدستورية العليا ومحكمة النقض هذا اذا كنا نريد ان نصل إلي حل واتفاق وليس مجرد اثارة جدل لا طائل منه. * وكيف يمكن حسم الخلاف حول الدستور بصفة نهائية؟ ** علينا الاستفادة من تجارب الدول الأخري فهناك دول مثل انجلترا واسرائيل وهي ذات ديمقراطية حقيقية ورغم ذلك لا يوجد بها دستور وهو ما يؤكد أن مقوله ان الدستور يجب ان يسبق قيام الدولة مقوله غير حقيقية وهدفها المراوغة فقط واتمني ان نتلاقي جمعياً علي هدف واحد يسير نحو صياغه أهداف وخطط لقيام دولة ديمقراطية قوية ونكمل مسيرة العمل المشترك بدلاً من إضاعة الوقت وتشتيت الأفكار مؤكداً ان النصوص تستمد شرعيتها من رضا وقناعه الناس. * وما رأيكم في وجود اشراف ورقابة دولية علي الانتخابات وهل تؤثر علي عمل القضاء؟ ** اذا كان المقصود بها الرؤية والملاحظة وتقديم النصح فنحن جميعاً نرحب بها فأنا منذ انتخابات 2005 أعلنت رأيي بصراحة وقلت من يريد من المنظمات الدولية الحضور والمشاركة في الانتخابات فنحن نساعده لكن ادارة العملية الانتخابية فهو أمر مرفوض تماماً فنحن لا نخاف وليس لدينا ما نخفيه. * معظم الجرائم التي ارتكبت في العصر الماضي كانت تحت مسمي الفساد السياسي فهل نحن في حاجه إلي نص تشريعي لتجريم الفساد السياسي؟ ** مصر لم تعرف الفساد السياسي إلا بعد عام 1952 وتم إصدار قانون يعاقب علي جرائم الغدر والخيانة ضد رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان والوزراء وكذلك التعدي علي حقوق الشعب ومنذ عام 1964 تم الغاء هذا القانون ثم عاد الرئيس الراحل أنور السادات وأتي بقانون العيب والجريمة السياسية التي وضع لها عقوبات مثل فرض الحراسة والعزل السياسي ونحن في الوقت الحالي معظم الجرائم جرائم جنائية ويوجد لها عقوبات في القانون وفي رأيي أن الجريمة السياسية لا تنفي الجرائم الجنائية لكن وجود عقاب للجريمة السياسية مطلوب ايضاً بحيث يكون هناك مساءله تتبعها توقيع عقوبات مثل الترشح أو تقلد وظائف معينة . * وهل حجم الفساد الذي تم اكتشافه يدل علي عدم كفاءة الأجهزة الرقابية الموجودة لدينا؟ ** اذا كنا نتحدث عن أن القضاء لم يكن مستقلاً فهل نتوقع ان تكون الأجهزة الرقابية التابعة للسلطة التنفيذية ان تكون مستقلة وتؤدي عملها بالصورة المطلوبة الطبيعي لا بل في بعض الأحيان كانت تعاقب من يبلغ عن جريمه فساد أما فيما يتعلق بقوانينها فنحن نمتلك بنيه قانونيه سليمه ومكتمله يمكن البناء عليها ويكفي ازالة التشوهات الموجودة في بعض القوانين. * وهل تشعرون بوجود حالة من البطء في المحاكمات الجاريه لرموز النظام السابق مما يؤدي إلي احساس المواطنين بالاحتقان والغضب؟ ** حجم الاتهامات ليس هيناً والمحاكمة العادلة تقتضي أن يحصل المتهم علي فرصته الكاملة وأن تتم الاجراءات بصوره سليمة خاصة أن العالم كله يتابع ويراقب ما يجري من محاكمات مؤكداً أن اختلال ميزان العدل في هذه القضايا لن يمكنا من الحصول أو استرداد أموالنا المنهوبة. * وهل معني ذلك أنه يمكن ان تستمر المحاكمات عدة سنوات؟ **بكل تأكيد فاستمرارها لسنوات يعني وجود خلل في النظام ولكن ما اتوقعه ان تستمر عدة أشهر معدوده حتي تأتي الاجراءات سليمة وغير معيبة. * من أهم أسباب اندلاع الثورة سياسة التوريث التي اتبعها النظام السابق فما قولكم فيما يقال من توريث في القضاء؟ ** هذه مشكله قديمه ومنذ عام 1986 تقدمت باقتراح للقضاء علي هذه الاشكاليه بوضع قواعد محددة علي اساسها يتم التعيين في القضاء ليست فقط خاصه بالتقدير ولكن ايضا عدم وجود سوابق جنائيه لدي المتقدم أو اسرته من الدرجة الأولي مع وجود معهد علمي متخصص يلتحق به كل خريجي الحقوق الراغبين في العمل بالسلك القضائي للحصول علي دبلومة موحدة سواء كانوا ابناء مستشارين أو غير ذلك بحيث يكون الفيصل في الاختيار الحصول علي الدبلومه.