في عام 1989 أصدر الشيخ محمد الغزالي رحمه الله كتابه الشهير "السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث" فأحدث ضجة كبري بسبب ما تضمنه هذا الكتاب من آراء مستنيرة وجريئة لإنصاف المرأة في مواجهة تيار التعصب والتخلف الذي يضطهد المرأة للأسف باسم الإسلام. في ذلك الوقت كان هناك جدل واسع حول حق المرأة في قيادة السيارة.. وهو جدل يخبو ثم يتجدد.. وخرجت مظاهرات نسائية تطالب بهذا الحق بينما خرجت في المقابل فتاوي جديدة تؤكد عدم جواز قيادة المرأة للسيارات لمنع ابتذال النساء وتعريضهن للفتن.. وتطالب هذه الفتاوي بوجوب معاقبة كل من تقوم بذلك بالعقوبة المناسبة التي يتحقق بها الزجر ومنع بوادر الشر. وخرج كتاب الشيخ الغزالي مصادقة ليقول بالحجج والبراهين العلمية والشرعية الصحيحة إن الذين يبررون إلغاء دور المرأة في المجتمع ومصادرة حقوقها ليسوا إلا امتداداً للذين كانوا يبررون وأد البنات ودفنهن أحياء في بطن الأرض في الجاهلية.. الفرق بين هؤلاء وهؤلاء أن الجاهلين كانوا يقومون بوأدهن مادياً والمتشددون المتخلفون يسعون لوأدهن أدبياً ومعنوياً. وبسبب هذا الكتاب تعرض الشيخ الجليل لحملة ضارية وصلت إلي أن دعا البعض إلي تكفيره.. ومولت جهات معروفة مقالات قامت بتجريحه في الصحف.. كما مولت سبعة كتب نشرت ضده في مصر وفي أماكن أخري وآلافاً من أشرطة الكاسيت التي وزعت للنيل منه. كنا في هذا الوقت نتعجب من الحملة ضد العالم الفاضل الذي شاهدت بعيني كيف يقبل عليه شيخ الأزهر في ذلك الوقت الشيخ الجليل جاد الحق علي جاد الحق ويقبل يده أمام الجموع في المؤتمرات العامة اعترافاً بعلمه وفضله.. ولم ندرك أن المعركة خطيرة.. وأن الشيخ في الواقع يهدم المشروع الفكري الكبير الذي يروج له هؤلاء المتعصبون المتخلفون والذي يقوم بين ما يقوم علي الاستبداد والجمود وتحقير المرأة وإلغاء دورها في الحياة باعتبارها عورة.. لا يصح أن يخرج صوتها.. ولا تخرج هي إلي الشارع إلا مرتين في الحياة.. مرة من بيت أبيها إلي بيت زوجها.. ومرة من بيت زوجها إلي القبر. انتقد الشيخ الغزالي النقاب.. وأيد اشتغال المرأة بالوظائف العامة.. بما في ذلك توليها الوزارة والحكم.. ودعا إلي قبول شهادة المرأة أمام المحاكم.. وأن تزوج المرأة نفسها إذا بلغت مبلغ الرشد والعقل والعلم.. واستنكر قول القائلين بأن صوت المرأة عورة. وبعبارات قوية يؤكد الشيخ الغزالي أن المرأة ليست مشكلة في الإسلام.. النساء شقائق الرجال بنص الحديث النبوي.. وخطاب الإسلام في القرآن موجه إلي "المؤمنين والمؤمنات".. وثابت فيه بالنص الصريح أن مقام الناس عند الله يتحدد لا بالعرق ولا باللون ولا بالذكورة والأنوثة.. ولكن بالصلاح والتقوي والاستقامة في الدنيا.. النساء تحولن إلي مشكلة في عصور الانحطاط والتخلف فقط عندما شاع الاستبداد وتدهور الفكر وتراجعت التعاليم أمام زحف التقاليد الجاهلية.. تقاليد وأد المرأة وازدرائها. لذلك فإن قضية المرأة في مجتمعاتنا يجب أن تناقش باعتبارها قضية اجتماعية وحضارية وليس باعتبارها قضية دينية وإسلامية.. ولا يتم التركيز فيها علي الأدلة الشرعية.. وإنما علي الظروف الاجتماعية والتاريخية للمسلمين. المرأة عند الشيخ الغزالي يجب ألا تقف عند حدود قيادة السيارة.. وإنما ترتفع إلي قيادة الدولة.. وهذا هو الإسلام العظيم.