نحن نعيش عصر الاستهلاك أو الإهلاك!! استهلاك السلع والخدمات أو إهلاكها.. واستهلاك أنفسنا وصحتنا أيضا من أجل الحصول علي ما نستهلكه!! وإنسان العصر الحديث خرج من الرق بمعناه التقليدي ليدخل في حالة جديدة من الرق أو العبودية. ألا وهي عبودية الانتماء للسلعة التي يهلكها أو يستهلكها!! الانتماء إلي الأوطان المحلية تراجع لصالح الوقوع في هوي الماركات العالمية.. أو في الهوس بالماركات الشهيرة. فأصبح الإنسان يباهي بما يمتلك ويستهلك من سلع وخدمات أكثر من مباهاته بالانتماء لوطن بعينه!! معظم الهجرات ومغادرة الأوطان لم تعد كما كانت سابقا -من أجل الدين أو من أجل الحرية أو الفرار من الاضطهاد أو الهروب من المجاعات والأوبئة- وإنما أصبحت من أجل جني المزيد من الأموال التي تتيح لصاحبها المزيد من الاستهلاك والحصول علي المزيد من السلع والخدمات!! أنت وأنا.. أصبحنا تحت سيطرة الاعلانات التي تغرينا بالسعي للحصول علي سلعة معينة وتعدنا بالمتعة والسعادة والتميز عند اقتنائها.. وهنا يتحول كل منا إلي مجرد آلة ل"إنتاج المال" اللازم لامتلاك هذه السلعة. التي ربما لا نكون في حاجة ماسة لها .. وإنما نشتريها لمجرد حب التملك. لا غير.. ولمجرد التباهي بها أمام الآخرين ممن لا يستطيعون امتلاكها!! وفي ظل التهافت علي الاستهلاك تراجع مسمي "المواطن" ليحل مكانه لفظ "المستهلك" وأصبحنا نجد تنظيمات ومنظمات حكومية وأهلية لحماية حقوق المستهلك. علي غرار منظمات حماية حقوق الإنسان.. ولكن حماية المستهلك ممن؟؟ هل هي حماية المستهلك من نفسه التي لا تشبع والتي تدفعه للهاث وراء كل جديد. وبعد أن أصبح فريسة للآلة الإعلانية الرهيبة المسخرة لخدمة الشركات العملاقة المنتجة للسلع؟؟ أم حمايته من هذه الشركات التي تمكنت من الاستحواذ علي عقله ومشاعره ولعبت علي أوتار غرائزه لإقناعه بشراء واستهلاك سلع قد يكون في غني عنها؟؟ أم أن أجهزة ومنظمات حماية المستهلك هي خدعة أخري لطمأنته وإغرائه بالشراء اعتمادا علي أن هناك من يحميه ويقف وراءه في حال تعرضه للخداع أو في حال وقوعه فريسة لسلعة مغشوشة.. بينما هو مخدوع في كل الحالات..!! آباؤنا وأجدادنا لم يروا ولم يستخدموا ما بأيدينا من سلع وخدمات ومع ذلك ربما كانوا أسعد حالا منا وكانوا أهدأ أعصابا وأقل قلقا.. وكانت الضحكة تخرج من صدورهم صافية مجلجلة. بينما إنسان العصر الحديث بات أكثر اكتئابا وأشد توترا ويعاني أمراضاً لم يعرفها الأولون رغم كل ما ينعم به!! ما معني ذلك؟؟ المعني أن ما نسميه حياة الرفاهية وعصر الاستهلاك لم يجلب للإنسان غير التعاسة والشقاء وتدمير البيئة والجري وراء الأوهام التي تسوقها له الشركات ووسائل الدعاية والإعلان. بعد أن تمكنت من السيطرة عليه. بل وتمكنت من حكمه حتي وصل الأمر إلي حد وصف العصر الذي نعيشه بأنه عصر حكم الشركات وقد تحول المواطن إلي مستهلك!!