الدولة لا تريد أحزاباً.. والدليل قانون الانتخابات بشكله الحالي.. وإلا جاء القانون بشكل مختلف.. كما أن الصحافة لا تريد أحزاباً والدليل أنها دائماً ما تنتقد الأحزاب وتتهمها بالضعف.. وهذا جزء من الحقيقة وأنا لا أنكره.. الدولة والصحافة لا يشجعان الأحزاب ليس لأنهما يكرهونها بل لأنهما غير معتادين علي التعامل معها وفكرتهما عن الأحزاب أنها كرتونية وللديكور فقط وهذا ما اعتادا عليه لسنوات طويلة.. الأحزاب السياسية تحتاج أن تتركها الدولة في حالها.. بمعني أنه عندما تصدر قانوناً تضع في اعتبارها أن هذه الأحزاب لابد وأن تكبر وليس أن تقزم. هذا جزء مما قاله الدكتور محمد أبوالغار رئيس الحزب المصري الديمقراطي في الحوار الذي أجرته معه الزميلة مني الحداد ونشرته جريدة "الأخبار" الخميس الماضي.. وقد تطرق في هذا الحوار إلي العديد من القضايا التي تمس الحياة السياسية في مصر.. نتفق معه في بعض وجهات نظره حيالها ونختلف معه في البعض الآخر.. وأهم ما نختلف فيه ميله الدائم إلي تبرئة الأحزاب من مسئولية الضعف والتفكك وإلقاء المسئولية كاملة علي الدولة قبل الثورة وبعدها.. وقد اتهمها صراحة ب "عدم الرغبة في وجود نظام سياسي في مصر". وعندما سألته الزميلة "ولكن عدد الأحزاب تجاوز ال 80 حزباً".. قال : "أنا لا أتكلم عن هذه الأحزاب بل ال 7 أو 8 أحزاب المعروفة للجميع وهذا عدد كاف لكن لا توجد فرصة لكي تندمج هذه الأحزاب مع بعضها البعض مكونة حزباً كبيراً يكون له ظهير شعبي.. النظام السياسي في مصر قائم علي لو أن الداخلية رأت حزبين مجتمعين تحول دون اجتماعهما". ولو سلمنا بأن الدولة مسئولة عن ضعف الأحزاب وكرتونيتها إلا أنها تظل مسئولية جزئية.. والحقيقة أن رجال الأحزاب والنخبة السياسية كافة هي التي تتحمل الجانب الأكبر من مسئولية ضعف الأحزاب وتفكيكها.. بل وعدم جديتها.. بسبب ما تفشي فيهم جميعاً من انتهازية ونرجسية وعدم وعي بطبيعة العمل السياسي إلا من رحم ربي.. وقد كان بإمكان هؤلاء أن يفرضوا وجودهم علي الدولة وعلي المجتمع لو أنهم جادون ومؤهلون. رجال الأحزاب قدموا نماذج عديدة علي مدي السنوات الماضية تؤكد استعدادهم وقابليتهم لضرب أية تجربة حزبية ناجحة أو ناشئة وقابليتهم للتنصل من مبادئهم والتزاماتهم.. ولذلك يفقدون قواعدهم الشعبية بسرعة. وليس صحيحاً أن الدولة تقف الآن ضد اندماج الأحزاب وتحالفاتها.. فحوارات التحالف تجري علي قدم وساق.. نبيت علي تحالف ثم نصحو علي تحالف آخر يفسخ التحالف الأول.. وهكذا. ربما كان د. أبوالغار محقاً في انتقاده لقانون الانتخابات الذي أعطي القوائم الحزبية 20% فقط من مقاعد البرلمان وأعطي ال 80% للفردي.. بمعني أن الأغلبية المؤثرة في البرلمان ستكون للأفراد وهذا يقلل من شأن الأحزاب وتأثيرها.. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا : ألم توافق الأحزاب علي ذلك.. وهي التي هللت فرحاً عندما ألغت المحكمة الدستورية القانون الذي جعل للأحزاب ثلثي المقاعد وجعل للفردي الثلث فقط؟! أتفق تماماً مع د. أبوالغار في أن قانون الانتخابات الحالي الذي جعل للفردي 80% من المقاعد سيفتح الباب علي مصراعيه أمام المال السياسي ليلعب الدور الأكبر في العملية الانتخابية.. وسيفتح الباب أيضاً للعناصر المرفوضة شعبياً كي تمارس نوعاً من غسيل السمعة وتحصل علي "نيولوك" سياسي يناسب المرحلة وشعاراتها بما يسهل لها الدخول إلي البرلمان لتبدأ مرحلة جديدة من الفساد والافساد. وأتفق معه مرة أخري في اعتراضه علي نظام القائمة المطلقة التي لا يفوز منها أحد من المرشحين إلا إذا فازت القائمة بالكامل.. هذه القائمة أيضاً تجعل مهمة الأحزاب صعبة جداً.. وهي كما قال د. أبوالغار مخالفة لجميع القواعد الانتخابية في كل دول العالم وآخر من أخذ بها هو موسوليني ديكتاتور إيطاليا الشهير عام ..1938 وبالتالي غير مقبول أن يتم عمل قانون انتخابات بهذا الشكل في القرن .21