لا أستطيع النزول إلي قريتي دون أن أدق بابها لأطمئن عليها وأُقبل يدها عسي أن تغمرني بالدعاء وتهون عليَّ هموم الدنيا وعذاباتها. إنها خالتي الحبيبة التي منذ أن وعيت للحياة وأنا ألحظ ذاك الرباط الروحي الذي كان يجمعها بأمي الغالية رحمها الله وكيف لا وهي إنسانة تملك نفساً سوية وقلباً عطوفاً أعرف عنها قربها الشديد من الله فهي صوامة قوامة تحب الخير للناس.. أما زوجها فلا يقل عنها آدباً وخلقاً وفي هذا الجو الأسري المتدين المحافظ نشأ أولاد خالتي التسعة وتربوا علي حب العلم والعمل حتي فتح الله عليهم من أبواب الرزق الوفير. ولأن البلاء ينزل علي قدر الأيمان ففي السنوات الثلاث الأخيرة أصاب خالتي وهي علي مشارف الستين - أصابها مالا يمكن لغيرها أن يحتفظ بعقله واتزانه.. كانت أولي الصدمات وفاة ابنتها الشابة بشكل مفاجئ تاركة في عنقها - بصفتها الجدة الحاضنة - ولداً وبنتاً.. و.... ولم يمض العام قبل أن تتلقي الصدمة الثانية بوفاة أوسط ابنائها "26 سنة" اثر أزمة قلبية مفاجئة تاكاً لها ابنتين أعقبها رحيل الزوج تحت وطأة المرض والشيخوخة. وفي العام الثاني كانت علي موعد جديد من الأحزن فقد توفي ابن ثالث لها وهو لايزال في العشرينيات من العمر أثناء وجود ه في الحقل.. ثم... ثم تلقت بقلب صابر نبأ وفاة ولدها الأكبر إثر تعرضه لهبوط حاد في الدورة الدموية وهو أيضاً في العمل رحل تاركاً رعاية أربعة من الأبناء. لقد اختص الله خالتي بابتلاء عظيم قابلته بكل الرضا والتسليم في حين لم يحتمل أحد أبنائها ما نزل بعائلتهم فترك القرية بأسرها عسي أن يبرأ مما أصابه بفقده لأغلي الأحباب. لقد تعايشت خالتي مع مصابها الأليم فاحتضنت أحفادها الثمانية ومضت في زواج بناتها الثلاث اللائي وجدت من الظلم أن ترجئ أمر زواجهن فالحياة لابد أن تستمر وما أريد أن أقول في نهاية حديثي إليكم أن خالتي رغم كل ما نزل بها لم تخرج يوماً عن النص ولم تقل ما يغضب الله وهي تتلقي أقسي خبر يمكن أن تسمعه أم علي ابن من أبنائها فما بالكم بأربعة وفي أقل من ثلاثة أعوام؟!. فقط كل ما ألمحه هي دموعها التي تنساب في هدوء حين يأتي الكلام عن أحبائها الغائبين.. هون الله عليها وأثابها قدر صبرها.. وثباتها أعدوا لها. أ. ع - الجيزة المحررة: حقاً يبتلي المرء علي قدر دينه.. وما كان لخالتك الصوّامة القوّامة أن تمضي بها سفينة الحياة دون أن يعصف بها من الأنواء والبلايا ما يعصف لتزكيها وتطهرها وتضاعف من حسناتها لترتقي في الدرجات وتحظي بالقبول عند الله.. فطوبي لخالتك التي أحسبها تسير علي خُطي "الخنساء" "بنت عمرو" تلك الصابرة المحتسبة التي فقدت أبناءها الأربعة في سبيل الله ونصرة دينه. طوبي لخالتك المؤمنة التي تعي تماماً أن ما أصابها ما كان ليطئها.. وأعان الله ولدها علي تجاوز تلك المحنة التي هزته بعنف وهو يري إخوته يتساقطون تباعا بلا سابق شكوي أو مرض.. ما دفعه لترك القرية بأسرها عسي أن تهدأ أحزانه ويعتاد غياب الأحباب. أما أنت صاحب الرسالة فهنيئاً لك بحسن صنيعك مع خالتك وسؤالك الدائم عنها عسي أن تؤدي حق أمك الراحلة عليك بزيارة من كانت تحبهم في حياتها. .. ولا يبقي في النهاية سوي الدعاء لهذه الأم الثكلي بأن يثبتها الله ويعينها علي ما أصابها حتي تقر عينها بأحفادها الأحباء. وفي انتظار مشاركات الأصدقاء عبر البريد أو الأميل أو الهاتف.