أدعو الله أن تمر هذه الجمعة علي خير.. وأن تنتهي مظاهرة ميدان التحرير اليوم ونحن أكثر تلاحماً وتماسكاً وارتباطاً مع بعضنا البعض.. وأن يحمي الله الكنانة من كل شر وسوء.. ويمن عليها بنعمة الأمن والاستقرار حتي تجد من الوقت ومن العافية ما يعينها علي العمل والانتاج.. ويشد من عزمها إلي الغد المشرق. إن الهواجس التي مرت بنا خلال الأسابيع القليلة الماضية جعلتنا نضع أيادينا علي قلوبنا خوفاً علي بلدنا.. واشفاقاً علي أنفسنا وعلي مستقبل أبنائنا.. وخشية من الفوضي والانقسام.. فقد فشلت كل محاولات الحوار في التقريب بين الأحزاب والتيارات السياسية وائتلافات شباب الثورة.. حتي صار التناقض والاختلاف هو الأساس.. وصار ما يفرقنا أكثر مما يجمعنا. والسبب في ذلك يرجع حسبما أري إلي ثورة الطموحات التي اشتعلت دفعة واحدة لدي الجميع.. ومما يؤسف له أن كل فريق لم يعد قادراً علي التواضع في مطالبه وطموحاته.. كل فريق يريد أن تكون له الكلمة العليا.. وأن تنفذ مشيئته دون النظر إلي إرادة ومشيئة الآخرين. وقد كان أحد أكبر عيوبنا قبل الثورة أن كل حزب أو تيار يستقوي علي الآخر ويرفضه ويسعي إلي اقصائه.. وفي ميدان التحرير اكتسبنا فضيلة التوافق والتعاون واتساع الأفق.. لكننا اليوم نفقد روح ميدان التحرير ونعود إلي فرقتنا وتناقضاتنا.. ويتصور كل فريق أنه الأقدر علي أن يقضم التورتة أولاً ويفوز منها بنصيب الأسد. تغادرنا روح التسامح فتفسد حواراتنا.. ويتحكم فينا الطمع والرغبة في الانفراد والاستبداد فننسي الديمقراطية التي قامت الثورة من أجلها. أليس غريباً أننا لم نتفق علي خريطة طريق لحياتنا الديمقراطية حتي الآن؟!.. وأليس غريباً أننا كلما اقتربنا من اتفاق علي نقطة تفرقنا علي نقاط أخري كثيرة؟!.. وأليس غريباً أن الشعارات التي رفعها البعض خلال الأيام القليلة الماضية أثارت أسئلة كثيرة بلا إجابات؟! الذين قالوا إننا سنذهب إلي ثورة ثانية في ميدان التحرير لم يقولوا لنا ثورة ضد من؟!.. كانت ثورة 25 يناير ضد سلطة غاشمة وسلطان فاسد وحاشية ظالمة مستبدة.. أكلت خيرات البلد ولم تترك للناس إلا الفتات.. لذلك كانت الثورة الأولي محل اجماع وطني.. التقي فيها اليميني واليساري.. والمسلم والقبطي والغني والفقير.. فلمن توجه الثورة الثانية؟! هل توجه ضد الجيش الذي ساند الثورة ووفر لها الحماية وحافظ علي أن تظل سلمية وآمن بمطالبها المشروعة وساعدها علي أن تنفذ إرادتها وتحصل علي مطالبها أم ضد الحكومة التي جاء رئيسها من ميدان التحرير وتبذل قصاري جهدها لتسيير عجلة الحياة والإنتاج رغم المصاعب الجمة التي تخنق البلاد والعباد وتكاد تمنع عنا الأوكسجين. والذين قالوا: "موش حاسس بالتغيير ونازل تاني التحرير" لم يسألوا أنفسهم: أي تغيير يريدون وفي أي اتجاه؟!.. لقد أصدر المجلس العسكري عدة قرارات بقوانين بهدف وضع البلاد علي طريق التغيير الحقيقي.. التغيير الجذري الذي يبني الديمقراطية علي أسس سليمة.. كما اتخذ إجراءات حاسمة لمحاربة الفساد الذي كان.. وتأكيد سيادة القانون بمحاكمة الرئيس السابق وأنجاله وحاشيته وكل من اعتدي علي أموال الشعب. والذين يتطلعون إلي حياة سياسية صحيحة ودستور ديمقراطي جديد لم يسألوا أنفسهم أليست الخطوات التي اتخذت حتي الآن تقودنا إلي تحقيق هذا الهدف من خلال قانون جديد لمباشرة الحياة السياسية وانجاز انتخابات حرة نزيهة؟! ولو استمر بنا الحال علي عدم التوافق علي أي شيء فلن نتقدم خطوة واحدة إلي الأمام.. وكل من لا يحصل علي ما يريد سوف يذهب باسم الشعب وباسم الثورة إلي ميدان التحرير.. فهل هذا هو الحل؟! لا نريد التفافاً علي الديمقراطية.. ولا تضييعاً للوقت والجهد.. ولا يمكن أن نسمح لجمعية أو جماعة غير منتخبة أن تضع دستورنا الجديد أو أن تحكمنا.. ولا يمكن أن نسمح لمن يعمل علي إطالة أمد الفترة الانتقالية خوفاً من الديمقراطية أن يشتت جهودنا ويفرق صفوفنا. إن الباب مفتوح علي مصراعيه لمن يريد أن يعمل بالسياسة.. ولمن يريد أن يتواصل مع الشعب ويبني لنفسه شعبية.. فلا تضيعوا الوقت واعملوا واجتهدوا وتنافسوا.. وفي هذا فليتنافس المتنافسون.. حتي تأتي الانتخابات.