مصر ليست فقيرة.. لكن الفساد أفقرها.. والفاسدون نهبوها فلم يبقوا لفقرائها شيئاً.. ومشكلة مصر ليست في قلة الموارد وإنما في سوء الإدارة.. وتفشي المحسوبية والرشوة وفساد الذمم.. وبصفة عامة نحن شعب صبور يستطيع أن يعيش بأقل القليل ولكن بشرط أن نحتمل المصاعب معاً.. لا أن تثري فئة علي حساب الأغلبية المطحونة. قد مرت بنا فترة كان فيها الرئيس يعايرنا بكثرة الانجاب.. ويمن علينا بالملايين التي يخصصها للدعم في الميزانية.. وبين آن وآخر كان يهددنا بإلغاء الدعم بحجة أنه لا يصل إلي مستحقيه.. رغم أن الدعم تقلص في النهاية واختصر في بطاقة التموين.. زجاجة زيت وكيلو سكر. رسمياً كان هناك تأكيد يومي علي دعم محدودي الدخل.. وشعبياً كانت الناس تنظر حولها وتتعجب.. فالأسعار ترتفع بمعدلات فلكية.. والمواصلات والرسوم والضرائب والكهرباء والغاز والمساكن والدواء.. ولا ميزانية في المدارس والجامعات ومراكز البحوث.. ولا مخصصات للكتب والمعامل والوسائل التعليمية. أين كان يذهب الدعم إذن؟ صحيفة "الأهرام" في عددها الصادر يوم الخميس الماضي أعطتنا نموذجا فيه الاجابة البليغة علي هذا السؤال حيث أوردت القصة التالية: في مارس 2009 طلب الفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء السابق بصفته رئيساً لمجلس أمناء مركز مارينا العلمين السياحي بالساحل الشمالي الغربي مبلغ 5 ملايين جنيه من المهندس أحمد المغربي وزير الإسكان السابق لدعم شركة التعمير للتنمية والإدارة السياحية التي يرأسها المهندس إبراهيم صبري أمين صندوق مجلس الأمناء بحجة تمكين الشركة من مجابهة المصروفات التي تحتاجها أعمال الصيانة للمرافق والخدمات بمارينا بدون وجه حق لأن الشركة تحقق مكاسب باهظة من تأجير الشواطئ العامة والوحدات السكنية بمارينا وقريتي مراقيا ومرابيلا التابعة لوزارة الإسكان وتأجير فنادق الوزارة بمارينا.. وبالفعل وافق المغربي علي صرف ال 5 ملايين جنيه من فائض بيع الوحدات السكنية بمارينا مما أثار سخط واستنكار المسئولين بهيئة المجتمعات العمرانية وقام نائب الوزير للهيئة بارسال مذكرة في 20/3/2011 للمستشار القانوني للوزير مؤكداً فيها تداخل اختصاصات اتحاد الشاغلين الذي يرأسه الفريق شفيق مع اختصاصات شركة التعمير التي اخلت بشروط تعاقدها مع هيئة المجتمعات العمرانية ورفضت اعطاءها مستحقات مالية بلغت 16 مليون جنيه نصيب الهيئة من الانشطة التي تمت بمعرفة الشركة عن عامي 2008/ 2009 وقيام الشركة بتأجير قطعة أرض بمدخل المنطقة 22 لسان الوزراء علي البحيرة بمارينا لشركة مارينا للرياضيات البحرية دون موافقة الهيئة. انتهت القصة وبقيت العبرة: فالفريق شفيق رئيس اتحاد الشاغلين في مارينا يطلب من المغربي خمسة ملايين جنيه دعما لشركة الصيانة حتي لا يثقل كاهل فقراء مارينا بزيادات في الرسوم التي يدفعونها.. والمغربي يمنح الدعم علي الفور مجاملة لصديقه شفيق رغم أن الشركة ليست في حاجة إلي هذا الدعم وتحقق مكاسب باهظة وأرباحاً طائلة.. ليس هذا فحسب وانما تمتنع عن سداد مستحقات الحكومة ممثلة في هيئة المجتمعات العمرانية.. وتأكل عليها 16 مليون جنيه. أضف إلي ذلك أن مسئولي المجتمعات العمرانية لم يتحركوا ولم يرفضوا هذا الفساد الا بعد قيام الثورة.. وكانت مذكرة نائب الوزير لهيئة المجتمعات العمرانية في 20/3/2011 هي بداية مسلسل الاعتراض وكشف الفساد. الآن.. هل أدركنا كيف كانت تدار البلد.. وأين كان يذهب الدعم؟! فقراء مارينا كانوا أولي بخمسة ملايين جنيه دعماً لمجابهة المصروفات التي تحتاجها أعمال الصيانة للمرافق والخدمات.. بينما فقراء منشية ناصر والدويقة وعزبة الهجانة لهم الكلام المعسول الذي يتغني بمحدودي الدخل. متي يتغير هذا الوضع الأليم؟!.. متي يأكل أهل مارينا ويعيشون من أموالهم وليس من "السحت" المتمثل في دعم الغلابة؟!