بدائع صنع الله في الكون وفي مخلوقاته كثيرة ومتنوعة وكلها تدعو للتأمل وامعان النظر.. قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون" "101 يونس" ويقول سبحانه وتعالي "وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلي ربهم يحشرون" 38 الانعام إلي غير ذلك من الآيات التي تدعو بني البشر إلي ضرورة التأمل في حركة الكون والسماوات والأرض وغير ذلك من المظاهر التي يراها الإنسان ماثلة أمام عينيه تم يتجاهلها ويستمر في حياته باحثاً عن متاع الحياة وسلطانها الزائل وفترة استمرارها القصيرة. وفي لحظات تأمل وامعان لطائر صغير أو بالأحري "يمامة" فوجئت بها يوماً تختار مكاناً ادهشني كيف اهتدي تفكيرها لهذا المكان وهو عبارة عن موقع بين زجاج نافذة حجرة النوم و"شيش" النافذة . موقع يحقق لها الهدوء والاطمئنان علي حياتها بعد ملاحظة دقيقة قامت بها قبل أن تختار المكان لتصنع فيه مكونات عشها الذي جمعت أعشابه من أماكن متفرقة . وصرت في كل صباح أتأمل هذه اليمامة وأتابع تحركاتها وقد رأيت العجب العجاب لقد درست وأمنت بأن أهل البيت لن يمسسها أحد منهم بسوء . وفي لحظات متابعتي كانت ترمقني بعيني رأسها مدركة أنني أبارك خطواتها وكذلك أهل البيت. بعد أيام قلائل وصنعت ثلاث بيضات كانت تنام فوقها وحينما تحتاج أي شيء كانت تنادي رفيق حياتها يأتيها بما تريد . تلك هي لغة الطير التي تمثلت في انبعاث صوت من اليمامة وكأنه نداء يترجم ما يجول في خاطرها . لم تفارق عشها وبيضها خوفا أن ينالها الفساد. وكنت أشفق عليها من طول رقادها . والحفاظ علي عشها والحرص علي تدفئته بحنانها وصبرها الطويل جداً. في صباح كل يوم ومسائه كنت أتأملها وتكاد الدموع تنمهر من عيني والقلب ينفطر شفقة وامعانا في خلق الله سبحانه واتساءل من علمها. من الهمها. من دربها. علي تكوين هذا العش في هذا المكان الهادي. تساؤلات يطارد بعضها البعض وقد ادركت أن تلك هي مهام الأم تقوم بها هذه اليمامة علي أكمل وجه لكن من يدرك؟ ومن يعي؟ ومن يستوعب قول ربنا سبحانه "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" هكذا ظلت تلك اليمامة ترعي بيضاتها حتي فوجئت في يوم بيمامة صغيرة لا تكاد تبصر والأم تنام بحنانها فوقها وفي لحظات خاطفة تطعمها وتسقيها كما تفعل أم من بني الإنسان مع وليدها ورضيعها . وفي كل لحظة تمر ازداد يقينا ومعرفة بأن رب السماوات والأرض يعجز الإنسان عن إدراك حكمته في الخلق وسائر حركة الكون. وكيف أن الطير يسبح بحمد رب العالمين وقدرته وحكمته التي عجز العلماء والمفكرون وأهل الادراك عن سبر اغوارها. حقيقة . إن ربي علي كل شيء قدير. وفي لحظات متابعة تحركات هذه اليمامة كنت اتساءل هذا الطائر يتآلف مع غيره من الطيور أمثاله تناغم في مودة . أنها مملكة الطيور التي حباها الله بالكثير من نعمه ولقد مَنَّ الله علي سيدنا داوود وولده سيدنا سليمان بفهم لغة هذه الطيور "ولقد أتينا داوود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا علي كثير من عباده المؤمنين. وورث سليمان داوود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين". 15. 16 النمل. تلك هي نعمة الله التي أفاد الله بها علي هذين النبيين بنعمة لغة الطير وقد بدا واضحاً في استماع سليمان لكلمات النملة لاخواتها وكذلك حديثه مع "الهدهد" ذلك الطائر الذي كشف مملكة سبأ. أن مكنون قدرة الله تثير في النفس والوجدان الكثير من المشاعر والتأمل في حكمة الله سبحانه وتعالي وكيف أن الإنسان لا يتخذ من الطير ومسيرته حكمه يستلهمها في حياته ويرتبط بالمودة والمحبة مع اقرانه كما تتعامل الطيور مع بعضها البعض ويسعي للتعمير والبناء وتربية الابناء علي أساس من الحنان والاهتمام والآداب التي تكسبه البحث عن المعرفة بكل همة ونشاط دون تقاعس أو إهمال ليت الإنسان يستلهم ذلك في سلوكياته والاهتمام بتربية الابناء علي من الحنان والاخلاق!! دروس كثرة يتعلمها البشر من تحركات الطير في البحث عن طعامه واكتساب المعرفة من كبار الطيور ليتنا نتأمل كيفية انتقال بعض الطيور في الهجرة إلي أماكن غير التي ألفها في أحد فصول السنة بحثا عن مناطق العمل والرزق. وذلك بأسلوب علمي وتحركات محسوبة سبحان الخالق الذي الهمها هذه الاساليب. لا شك أن هذه الحقائق التي نعايشها في مناطق كثيرة من مواقع حياتنا. تري الطيور في مواقع المياه والغذاء. ليت الإنسان يتعلم المدنية من الطيور. وليكن السعي علي الرزق بأساليب تتسم بالجد والاجتهاد بعيداً عن التكاسل والتواكل تري الطير الصغير يكتسب من أبويه لغة البحث عن الرزق في حركة دائبة وقد رأينا في قصة الهدهد مع سيدنا سليمان الكثير من المعلومات التي جمعها هذا الطير الصغير . أنها نماذج خلقها الله لكن نتعلم منها السعي في الأرض للتعمير والبناء وليس للقتل أو التخريب . أن فهم حركة الطير يجعل الإنسان أكثر نشاطاً وعملاً من أجل تحقيق السعادة لنفسه وللآخرين . ليتنا نفهم ذلك خاصة في هذه الأيام الصعبة التي تمر بها بلادنا وحياتنا.. أن في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد.