هل يمكن أن نمنع استخدام السيارات بسبب حوادث الطرق والضحايا التي تخلفهم؟ هذا السؤال طرحه أحد المحسوبين علي القطاع الخاص وهو أمين اتحاد الغرف التجارية "علاء عز" مبرراً استخدام الفحم في صناعة الأسمنت رغم مضاره ومخاطره الجسيمة علي صحة المصريين بل وآثاره السلبية علي الاقتصاد المصري خاصة قطاعي السياحة والصادرات وفقاً لما كشفت عنه بوضوح دراسة أعدتها وزارة البيئة وقدمتها إلي من يهمه الرأي وفي المقدمة مجلس الوزراء. مثال حوادث السيارات التي قالها عز باستهانة شديدة أمام مؤتمر جمعية شباب الأعمال الذي طغت قضية الفحم علي جلساته - يعكس بوضوح فلسفة القطاع الخاص وتوجهاته التي تنحاز إلي مصالحه واستثماراته وأرباحها بالمقام الأول حتي لو كان ذلك علي حساب شعب بأكمله - فيما عدا القلة التي تسكن المنتجعات والقصور المحاطة بالحدائق التي قد تقلل من آثار انبعاثات كربون الفحم. الدراسة التي عرضتها وزيرة البيئة الشجاعة ليلي إسكندر في لقاء موسع ببيت القاهرة بعين الصيرة تكشف بوضوح عن أضرار مدمرة للفحم علي المخ والأعصاب والرئتين فضلاً عن تزايد خطر الإصابة بسرطان الرئة وهو نفس ما أكدته دراسة علمية أخري أجراها فريق متخصص من أكاديمية العلوم الأوكرانية حول مضار الفحم الذي اعتبرته مسئولاً عن أمراض السرطان ولوكيميا الدم وعطل جهاز المناعة. ولأن صحة المصريين لا تهم شركات الأسمنت ومن يتبنون وجهات نظرها - بقدر ما يهمهم عدم المساس بالأرباح فقد تضمنت دراسة وزارة البيئة الآثار السلبية لاستخدام الفحم علي الاقتصاد والتنمية الاقتصادية فهناك آثار سلبية قد تقع علي الصادرات حيث يتجه العالم إلي اعتماد ما يسمي بالبصمة الكربونية للصادرات وهناك آثار علي صناعة السياحة نتيجة لاحتمال تصنيف مصر علي أنها دولة كربونية في حالة استخدامها للفحم كما أن الفحم غير متوافر في مصر ولا توجد بنية أساسية لمنظومة استيراده فضلا عن الاستثمارات الضخمة التي يتطلبها استخدامه والنتيجة الطبيعية لذلك هي زيادة تكلفة إنتاج الأسمنت وبالتالي زيادة الأسعار أي أن المستهلك لن يستفيد من ذلك فضلاً عن الأضرار الصحية التي تقع عليه. شركات الأسمنت وشعبتها واتحاد الصناعات المصرية بل ووزير الصناعة ايضا يبررون استخدام الفحم بأن هناك دولاً متقدمة تستخدمه حالياً مثل الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي. ورغم الفارق الكبير بين مصر وهذه الدول في مستوي الرعاية الطبية وفي مدي الالتزام بالقوانين والتشريعات وايضا في آليات الرقابة المختلفة. إلا أن الدراسات تشير إلي أن تكلفة المخاطر الصحية في أمريكا بسبب استخدام الفحم في توليد الكهرباء تقدر بعدة أضعاف قيمته السوقية رغم الضوابط والمعايير الصارمة وبلغة الأرقام تصل القيمة المتوسطة للتكلفة المجتمعية لاستخدام الفحم إلي نحو 345 مليار دولار سنوياً فيما تقدر تكلفة التأثيرات الصحية للفحم في أوروبا إلي 8.42 مليار يورو. فهل يمكن لمصر دفع هذه التكلفة. وهل من المنطق أن تبدأ مصر الآن استخدام الفحم في الوقت الذي تقوم الدول المستخدمة له بالتخلص منه وتقليل الاعتماد عليه والتحول إلي مصادر الطاقة الأكثر آمناً وتوافقاً مع البيئة والحفاظ علي الصحة ومثل هذه المصادر متوافرة في مصر مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والمخلفات التي يمكن أن تستخدم كوقود بديل في صناعة الأسمنت. وإذا كان ذلك سوف يستغرق بعض الوقت فقد سمحت الحكومة للشركات باستيراد الغاز وليس من المنطق أن تعلل الشركات بارتفاع أسعار الغاز المستورد وتطالب بالفحم بديلاً لأن هذه الشركات ببساطة تبيع الأسمنت في السوق المصري بالأسعار العالمية رغم أنها تحصل علي الوقود المحلي المدعم وهو ما يحقق لها أرباحاً كبيرة تعكسها ميزانيات الشركات المعلنة. يقول الدستور المصري الجديد إن لكل شخص الحق في بيئة صحية سليمة وأن حمايتها واجب وطني وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ عليها. ونحن نطالب الحكومة بتطبيق الدستور. ونطالبها بأن تنحاز للشعب وليس لشركات الأسمنت.