تفشت في الآونة الأخيرة ظاهرة النفاق في الكثير من المؤسسات والهيئات وعلي ألسنة العديد من المسئولين.. ولكن الأخطر هو قيام بعض الشيوخ بتملق ونفاق الحكام علي المستويين المحلي والعربي فأصدروا الفتاوي وأطلقوا العنان لآرائهم الشخصية لمسايرة الواقع والظروف الراهنة لدرجة أنه لو تتبعنا فتاواهم وآراءهم منذ شهور قليلة لوجدناها علي النقيض مما يقولونه الآن. السؤال ما هي خطورة شيوخ النفاق علي المجتمع؟.. وكيف حذر القرآن الكريم من المنافقين الذين يتحدثون باسم الدين؟. د.محمد أبوليلة استاذ الدراسات الإسلامية بكلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر يؤكد أن النفاق الديني هو أشد أنواع النفاق لأن الناس يتبعون من يتحدث في الدين ويعتبرونه قدوة لهم.. فعندما يكون منافقاً يضل خلقاً كثيرين من الناس وينحرف بهم إلي عكس الصراط المستقيم وعندما يكتشفون أنه رجل كذاب يؤثر ذلك علي قوة الوازع الديني لديهم وبالتالي لا يثقون في رجال الدين عامة فهذا الصنف يشجع الناس علي أن يكون تدينهم شكلياً وينطبق عليهم قوله تعالي "مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً".. كما ذم سبحانه وتعالي هؤلاء القوم ووصفهم في القرآن بأنهم ظالمون لأنهم تعدوا الحد وتجاوزوا أمر الله فقال "واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين".. أي أن الرجل وسوس له الشيطان وزين له الجاه والمنصب فكان بعيداً عن رحمة الله. يصف د.أبوليلة رجل الدين المنافق بأنه كالشاعر أو المغني يصفق له الناس حين يقول لكن لا تصل دعوته إلي قلوبهم لأنها دعوة مرهونة بما يحصل عليه وفي نفس الوقت دعوة ليست لوجه الله سبحانه وتعالي.. فالعالم الرباني هو التقي النقي الذي يتواري عن الشهرة وعن المناصب ولا يريد من الحياة إلا الكفاف والذي يريد بدعوته وجه الله سبحانه وتعالي وهو ما يعد عملة صعبة في هذا الزمان. هذا بالنسبة لمن ينتسب إلي العلم أما النفاق عموماً فهو الداء العضال الذي إذا تمكن في أمة أطاح بها ولذلك ذمه الله في آيات كثيرة في القرآن وانزل سورة كاملة باسم "المنافقون" وقدم القرآن تحليلاً رائعاً لنفسية المنافق فقال "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله علي ما في قلبه وهو ألد الخصام. وإذا تولي سعي في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد. وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد". صفة مذمومة يقول د.حمدي طه الاستاذ بجامعة الأزهر إن النفاق صفة مذمومة سواء اتصف بها رجل عادي أم رجل يدعي الدعوة إلي الله.. والدعوة إلي الله تنقسم إلي قسمين قسم صادق مصدق وهو الذي يدعو إلي الله علي بصيرة ولا يتوجه بالدعوة إلا ليكسب رضاء الله سبحانه وهذه دعوة تعتبر في العلا. اما الصنف الآخر فهو الذي يقوم بالدعوة إلي الله ويكون اتجاهه فيها إما لكسب مادي أو لشهرة بين الناس أو الوصول لمنصب ما أو لغاية دنيوية وهذه دعوة مبتورة تجعل صاحبها في أسفل سافلين.. وإذا كان النفاق كما قلنا إنه صفة مذمومة في جميع الأديان فإن الإسلام قد حدد علامات النفاق في ثلاث علامات الأولي إذا حدث كذب والثانية إذا اؤتمن خان والثالثة إذا وعد أخلف وإذا خاصم فجر كأن يكون رجل الدين يقصد بدعوته إرضاء شخصية ما أو جمهور ما فلم يجد منهم المقابل لدعوته فينقلب عليهم وهذا هو النفاق في رجال الدين أو يكون رجل الدين يرغب بدعوته منصباً ما وعندما لم يصل إلي هذا المنصب ينقلب علي من بيده القرار وكذلك عندما يكون رجل الدين يريد أن تكون له جماهيرية وشعبية فيقول ما يرضي الناس ويمشي علي هواهم ضارباً بصحيح الدين عرض الحائط ثم لم يجد تلك الجماهيرية ولا الشعبية فعند ذلك ينقلب عليهم ويقول بعكس ما قال لهم فهذا نفاق ظاهر يفهمه العام والخاص ولا يجب أن يستمع إليه الناس عند نفاقه أو عند الحديث عن أمر ليس فيه نفاق لأن هذا يكون مريضا نفسياً وعابدا للدنيا وليس عابداً لله وهذا ما ذكره الله في قوله "منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة" فرجل الدين الذي يريد الآخرة يكون كالشمس ظاهراً لا يخشي في الله لومة لائم ولا يتقرب إلي صاحب مال ولا صاحب قرار حتي ينال منه الزلفي. النفاق العقدي يؤكد د.نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق أن النفاق يؤثر بشكل سلبي علي تماسك الأمة واستقرارها ويهدم وحدتها لأنه ينشر العداوة والبغضاء ويؤصل صفات الحقد والغل بين أفراد المجتمع.. فالمنافق يخدع الناس ويظهر الصلاح بينما الشر مخفي في نفسه.. واذا كان ديننا حذرنا من النفاق عامة إلا أنه حذر بصفة خاصة من النفاق العقدي. واعتبره مذموما شرعاً لأنه أشد من الكفر فهو مرض خطير يفتك بالمجتمع المسلم.. وأنزل الله سبحانه وتعالي سورة "المنافقون" في كتابه الحكيم ليحذر من خطر المنافقين وتكذيباً لعبد الله بن أبي بن سلول كما توعدهم بالعذاب والخلود في النار مع الكافرين. أضاف أنه يجب أن نكشف زيف المنافقين ونتجنبهم حتي لا يؤثروا سلباً علي عقيدتنا عل وعسي أن يعيدهم ذلك إلي صوابهم فيتوبوا إلي الله ويعودوا إلي جادة الصواب. يقول د.أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الأسبق إن الله سبحانه وتعالي فضح المنافقين وكشف أكاذبيهم في اكثر من موضوع في كتابه الكريم.. وأشار إلي أن النفاق مستمر مع الزمن ولم ينقطع كما يعتقد البعض وإذا كان المنافقون يخفون نفاقهم قديماً إلا أنهم في عصرنا الحديث يظهرونه عن طريق شعاراتهم الزائفة ودعواتهم المضللة لذلك يجب أن نحذرهم ونحتاط من مكائدهم ومكرهم كما أوصانا رسول الله صلي الله عليه وسلم عندما قال "إن بين يدي الساعة كذابين فاحذروهم".. وهم أشد خطراً من المجاهرين بالمعصية لأنهم يلبسون الباطل بالحق كي ينشروا الفساد والإفساد.