استنكر علماء الدين ما يحدث من مرشحي رئاسة الجمهورية الذين استبعدتهم اللجنة العليا للانتخابات والذين يهددون بسفك الدماء وإتلاف الممتلكات والقيام بمظاهرات مضادة للثورة. أكد العلماء أن الإسلام يرفض الفوضي ويحض علي الاتحاد والتعاون مشيرين إلي أن هذا المنصب مسئولية سوف يحاسب الله كل من تولي هذا المنصب حساباً عسيراً إذا لم يقم بدوره الذي أمره الله به حيث إن الإمارة حسرة وندامة. السؤال ما هو مفهوم الإمارة في الإسلام.. وما هي الشروط الواجب توافرها في منصب الرئيس وغير ذلك من هذه الأسئلة في هذا التحقيق؟ يقول الدكتور حمدي طه الأستاذ بجامعة الأزهر: إن الإسلام يرفض الفوضي ويحض علي الاتحاد والتعاون "وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان" وطالب الزعامة بين أمرين إما أن يكون طالباً للدنيا وزخرفها وهذا يهيج الناس ويدعو إلي الفوضي والفتنة.. وإما أن يكون طالباً للرئاسة من أجل خدمة الأمة وذلك يجلس ليطلب منه أن يتولاها لا أن يطالب بها هو.. وهذا ما حدث في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم وعهد الصحابة.. فكان النبي إذا أراد أن يولي رجلاً لمهمة ما كان يقول للناس "دلوني علي رجل إذا كان بينكم لا يعرف وإذا غاب عنكم افتقدتموه".. وقد جاء بعض صحابة رسول الله يطلبون منه الإمارة فكان يقول لبعضهم إنك ضعيف عليها.. وكان يقول لبعضهم إنها يوم القيامة حسرة وندامة.. وكان سيدنا عمر بعد أن تولي الخلافة يمسك بلحيته ويبكي ويقول "ثكلتك أمك يا عمر.. ماذا ستقول لله يوم القيامة في حق الجائع والعطشان والمسكين واليتيم".. وكان يقول: "لو أن بغلة في بلاد العراق تعثرت لسئل عنها عمر يوم القيامة لم لم تصلح لها الطريق". أضاف د. طه أن الطالبين للرئاسة المقاتلين عليها أخذهم زخرف الدنيا وزينتها ونسوا أو تناسوا أنها يوم القيامة حسرة وندامة.. وكان الأجدر لمن يرفعوا شعار الإسلام منهجاً لهم أن يبتعدوا عن الدنيا وزينتها وأن يجلسوا علي مائدة مستديرة ليختاروا رجلاً منهم يكون أميناً صادقاً بكاء.. إذ الشرط الوحيد في اعتقادي لمن يتولي هذه المسئولية أن يكون ذا قلب رحيم رءوف كثير العطاء حتي يتألم مما يتألم منه الناس كما فعل الصحابة عمر وعثمان وأبوبكر وعلي وعمر بن عبدالعزيز الذي كان كل منهم يبكي ليس من شدة المسئولية في الدنيا فحسب ولكن من شدة السؤال يوم القيامة. وليتذكر الجميع حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم "من تولي أمرا من أمر أمتي لا تزول قدمه من أعلي الصراط حتي يسأل أأقام أم ضيعّ فإن أقام نجا وإن ضيعَّ قذف به في النار سبعين خريفاً" أبعد ذلك يكون عاقلا من يؤجج الناس ويقوم بالمظاهرات من أجل هذه المظاهر الزائلة. أكد د. طه أنه يجب أن يعلم الجميع أن كرسي المسئولية مثل كرسي الحلاق لا يمكث الجالس عليه طويلا فإذا رفع من أعلي هذا الكرسي يقول "يا ليتني قدمت لحياتي".. والله سبحانه وتعالي يقول: "فيومئذ لا يعذب عذابه أحد.. ولا يوثق وثاقه أحدا" "الفجر 24". لذلك يجب علي الناس أن يضعوا في اعتبارهم أن يكون الرئيس القادم خارجاً من رحم ثورة 25 يناير ليحس بإحساس الناس ويتألم بآلامهم.. ومن العيب الشديد الذي يدل علي استخفاف البعض بعقول الأمة أن يأتي بعض أعوان النظام السابق ليتقدموا لهذا المنصب بعد أن تعاونوا مع الظالم في ظلم هذا الشعب الأبي.. وهذا ينطبق عليهم "إذ لم تستح فافعل ما شئت".. ولكن الإسلام حدد شروطاً للإمارة منها أن يكون الأمير صادقاً. عالماً. عليماً. رحيماً. عنده إحساس بالناس فقد سئل سيدنا عمر بن عبدالعزيز ومن قبله سيدنا يوسف "لم تصوم يوما وتفطر يوما" قال: لأحس بحرمان الجائعين والمحرومين" وهناك قاعدة مشهورة عن رسول الله "إنا لا نولي الإمارة من طلبها" فليتقوا الله في مصر وليحافظوا عليها فليس الوقت وقت مشاكسة ومعارك. يحذر د. طه أن مصر علي وشك الانهيار يتآمر عليها المتآمرون من الخارج حتي من أقرب الدول التي نقول عنهم إنهم اخواتنا في العروبة والإسلام فليرحم أبناء مصر بلدهم فكلنا في سفينة واحدة إذا غرقت غرقت بالجميع وإن نجت نجا الجميع". ديمقراطية ناقصة يري دكتور محمد أبوليلة الأستاذ بكلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر أن ما يجري علي الساحة السياسية ديمقراطية ناقصة وممارسة دينية أكثر نقصا.. ومن هنا تزداد الهوة بين طرف وآخر وفصيل وآخر علي الرغم من أن الكل يرفع شعار "مصر أولاً".. وهذه كلها شعارات زائفة تؤدي إلي الفرقة والشتات حيث ينظر كل منهم لمصلحته الشخصية فقط. يحذر د. أبوليلة من أن تطبق الديمقراطية في بلدنا بهذا المفهوم المشوه أو أن تصير الديمقراطية دينا عند البعض ونفاقا عند البعض الآخر ونظل ندور في حلقة مفرغة لا نهضة ولا بناء ولاتقدم ولا اتفاق. أكد د. أبوليلة أن الإسلام يدعو الجميع بلسان القرآن الكريم إلي الاتحاد ونبذ الفرقة والاختلاف حيث يقول سبحانه "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا". فالفرقة لا تؤدي إلا إلي الضعف السياسي والتبعية وتعميق الخلاف بين أبناء الوطن الواحد المفترض فيهم أنهم فرقاء معركة واحدة. يتساءل د. أبوليلة لماذا هذا التهاتف علي منصب الرئاسة والوضع في غاية السوء وأي رئيس سوف يختاره الشعب سوف يجد نفسه في مواجهة تحديات كثيرة وتراكمات ماض لحكم مستبد عبر عهود ثلاثة وعلي مدي 60 عاماً.. لذلك فإن المهمة ليست سهلة حتي يريد الجميع التكالب عليها. طالب بأن يحاسب كل مرشح نفسه أولاً ولا يستمع للناصحين من أهل الرأي وأن يتجرد كل منهم عن الهوي لأنه إذا كانت الرئاسة بهذا التكالب فإنه لا أمان ولا اطمئنان في ظل رئيس قادم لأنه ربما يستخدم نفس اللغة وينهج نفس النهج وربما أسوأ من ذلك حتي يجذب الشعب كله ضده وبالتالي يضيع الاستقرار. بلاء.. وتمحيص يقول د. أحمد محمود كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر: الرئاسة في واقع أمرها بلاء وتمحيص قال عليه الصلاة والسلام: "يا أبا ذر لا تسألن الإمارة فإنها خزي وندامة" وفي حديث آخر "نعمت المرضعة وبئست الفاطمة" ومن هنا فإن الرئاسة لها مؤهلات نطق بها الكتاب العزيز فمن ذلك قوله تعالي "وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا. قالوا أنّي يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه. ولم يؤت سعة من المال. قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم" "البقرة .247 وفي سورة القصص يقول تعالي "يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين" وقد دلت الآية علي أن القوة الجسدية والنفسية والأمانة الشرعية لأن حفظ الأمانة لا يكون إلا بالقوة". والمثال الثالث في سورة يوسف "اجعلني علي خزائن الأرض إني حفيظ عليم". ومن جموع الآيات تكون مؤهلات الرئاسة القوة الجسدية والصحة النفسية والعلم الحربي والاقتصادي والسياسي. أضاف د. كريمة أن من شروط الرئاسة أن يكون الشخص مطلوبا لا طالبا مرغوباً لا راغباً.. فنقول للاهثين الراكضين هل سعي أبوبكر لأن يكون خليفة أم أن الخلافة سادت إليه.. وهل عمر حرص علي إمارة المؤمنين أم أن أباكر عهد إليه؟.. وهل عثمان وعلي رضي الله عنهما استماتا علي الخلافة؟.. وألم يتنازل الحسن بن علي رض الله عنهما حقنا لدماء المسلمين لمعاوية رضي الله عنه؟ فأين هؤلاء في هذا الزمان ومعظمهم عواجيز ومنهم من يحمل أمراضا مزمنة تم العفو الصحي عنه.. فإن كان صادقاً في مرضه فكيف يتولي أمر الوطن مريض.. وإن كان كاذبا فكيف يؤمن الكاذب علي مستقبل الوطن. ونقول لمن انتهك حرمة بيوت الله وكان من حجاج أمريكا حيث كان يذهب هناك في العام خمس مرات وفضلت أسرته وعائلته الحياة في أمريكا التي يصفها بأنها عدو وجبن أن يذهب إلي السفارة الأمريكية بالقاهرة ليحصل علي تكذيب فيما جعله تزوير في المستندات.. لماذا لم يطلب من السفارة الأمريكية أو الخارجية الأمريكية تكذيباً هل هذا الذي تلاعب في مستندات رسمية ويهدد بحمل السلاح علي بني وطنه وإغراق مصر بالدماء هل هذا يصلح لرئاسة دولة في حجم مصر؟ كما أن غيرهما من أصحاب أجندات ما بين الخليج وما بين أمريكا هل يصلحون لتبؤ عرش مصر.. أين مشروعهم الاقتصادي كمحمد علي باشا حتي ينقذوا البلاد والعباد. نقول لهم والكلام علي لسان د. كريمة- الرئاسة ليست غنيمة "والمصلحة العامة تقدم علي المصلحة الخاصة" إن كنا نفقة مبادئ الإسلام.