تمر مصر بمرحلة فارقة في تاريخها فبعد عدة أشهر ستجري انتخابات رئاسة الجمهورية وكلنا يتطلع لحكم رشيد يأخذ فيه الضعيف حقه وينال أهل العلم والكفاءة مكانتهم, ويتطلع الناس لحاكم عادل أمين يأخذ بالشوري ولاينفرد برأيه, يختارمعاونيه بعناية, ليس عنده محاباة أو مجاملة وكلنا يسلم بأن الحاكم لايستطيع تدبير شئون الحكم إلا من خلال معاونين, ولذلك نري أن الإسلام قسم المسئولية إلي كبيرة وصغيرة والهدف هو الحفظ الشامل للأمانة والقدرة علي التنفيذ.. وفي هذا التحقيق يضع العلماء والمتخصصون الخطوط العريضة لاختيار الرئيس, كما حددها الإسلام. بداية يقول الدكتور عطا السنباطي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر: لاتوجد طريقة محددة في الشريعة الإسلامية لاختيار الحاكم فرسول الله مات ولم يختر خليفة له وأبو بكر الصديق عهد بالخلافة لعمر فبايعه الصحابة علي ذلك وعمر اختار للمسلمين ستة من خيرة الصحابة مات رسول الله وهو عنهم راض ودعا الصحابة إلي أن يختاروا واحدا منهم إذن فليس هناك طريقة محددة ولكن هناك شروطا وضعها الفقهاء فيمن يكون حاكما ومن أهم هذه الشروط العدالة ويكون اختياره مثلا من خلال مجلس شوري أو مجلس حكماء أو من خلال شخصيات عامة معروفة قدمت خدمات جليلة ولها تاريخ معروف, ومن هنا يجب أن نشير إلي الدور الذي يجب أن يقوم به أهل العلم والمثقفون في تبصير العامة بمدي صلاحية هذا أو ذلك لمنصب الرئاسة. ويشاركه الرأي الدكتور حسين عبد الحميد بودي مدرس العقيدة بجامعة الأزهر قائلا: لابد أن يفطن الشعب إلي ما قاله أبو بكر الصديق عند توليه الخلافة فإن أحسنت فأعينوني, وإن أسأت فقوموني, أطيعوني ما أطعت الله ورسوله, فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم ويأتي اختيار الحاكم عن طريق إرساء مبدأ الشوري وأمرهم شوري بينهم في حين يري الدكتور حامد أبو طالب عميد كلية الشريعة الأسبق أنه يجب فرز وفحص المرشحين لمنصب الرئيس جيدا وإذا كان كل من ترشح لايصلح للرئاسة وجب علينا أن نبحث عن آخرين, ويجب علي كل واحد منا لو رأي شخصا يصلح لهذا الأمر أن يشجعه ويعينه ولكن وفق معايير لاتعتريها الميول والأهواء. رؤية الإسلام لمواصفات الحاكم الدكتور محمد أمين أبو بكر أستاذ التفسير وعلوم القرآن بكلية أصول الدين جامعة الأزهر يري أنه كما أن هناك طرقا لاختيار الحاكم فهناك شروط يجب توافرها فيه ومنها: أن يكون عالما بالأمور التي يسوس ويسير بها الدولة ولذلك نجد الله سبحانه وتعالي اختار طالوت ملكا علي قومه لما يملكه من العلم وقوة الجسد, فالعلم يخطط ويدبر, ويعرف به كيف يدير الجيش, وكيف يدير المعارك, وكيف يسوس الأمة, والجسم بقوته ينفذ. فالجندي يعرف السلاح والقوة, ولكن الملك يعرف السياسة وبعد النظر والتدبير فقال الله سبحانه وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أني يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم سورة البقرة.. فعلمه بالأمور يرفع به شأن بلده حتي لايضيع البلاد والعباد. ويكمل الدكتور أبو بكر قائلا: وأن يكون رفيقا برعيته ناصحا لهم شفوقا عليهم غير غاش ولا غافل عنهم ولا مهمل لمصالحهم ولا يشق عليهم, فعن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به رواه مسلم, ويجب علي الحاكم أن ينصف المظلوم ويضرب علي يد الظالم ويعمل العمل الذي يرضي رعيته حتي ينال محبتهم ويكون من خيار الأمة الذين قال عنهم النبي صلي الله عليه وسلم خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم والصلاة معناها الدعاء وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم.. وعلي الحاكم ألا يميز نفسه وأهله عن رعيته. ويبين د. أبو بكر أن من شروط الحاكم القوة والصرامة في الحق وأن يأخذ علي يد المخطيء حتي يهابه المجرمون ولذلك لما رأي أبو ذر الغفاري النبي صلي الله عليه وسلم يعين أمراء وولاة فقال له أبو ذر ألا تستعملني فضرب النبي بيده علي منكب أبي ذر ثم قال يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدي الذي عليه فيها.. فتلك الولاية خزي وندامة لمن لم يكن أهلا لها أو كان أهلا ولم يعدل فيها فيخزيه الله تعالي يوم القيامة ويندم علي مافرط, وأما من كان أهلا للولاية وعدل فيها فله فضل عظيم.. وإن كان يجب علي الإنسان ألا يسعي في طلبها عملا بقول النبي صلي الله عليه وسلم إنكم ستحرصون علي الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة ويشاركه الرأي الدكتور عبد الله النجار أستاذ القانون بكلية الشريعة والقانون حيث فيقول: إن الحاكم لابد أن تكون لديه القوة والقدرة علي الموازنة بين المصالح والمفاسد فليست هناك مصالح خالصة خصوصا في أمور الدنيا فالجراح مثلا ليعالج علة معينة لابد من إحداث آلام للمريض, ومن هنا فلابد من سرعة الفصل في الأمور فالعدل البطيء ظلم والقرار البطيء فيه تقويض لآمال وطموحات الناس ويؤدي إلي إصابتهم بالإحباط والحاكم ليس إلها وإنما يتحرك من خلال واقع يعيشه فعليه في القرارات المصيرية ومعظم قرارات الحاكم مصيرية أن يستطلع الآراء بموضوعية ثم يسارع بالفصل فيها حتي لايستغل ذلك أصحاب المصالح وضعاف النفوس فيحدثوا فتنة.. وحتي لايأخذ قرارا ويرجع فيه لأن رجوعه يفقده بعض هيبته. دور الحاكم ومهامه ويقول الدكتور حامد أبو طالب عميد كلية الشريعة الأسبق أما عن دور الحاكم فهو مسئول عن كل ما يجري في رعيته من أخطاء كبيرة أو صغيرة فهو يسعي بكل ما يملك لتوفير ما يحتاجه الملايين من مواد أساسية وإسكان ووظائف وفوق كل ذلك توفير الأمن والأمان وكل هذه الأمور الخطيرة لاشك أنه يسأل عنها, والحاكم المخلص مسئول مسئولية تامة عن كل ما ينغص حياة رعيته ومن هنا فإنني أعتقد أن أي حاكم يحيط بمسئولياته أمام الله وماهو مطلوب منه فإنه سيهرب حتما من هذه الوظيفة وتلك المسئولية الضخمة التي تنوء بحملها الجبال, ولكن يسعني أن اقول إن علي الحاكم والمسئول أن يبذل كل ما في وسعه وأن يواصل الليل بالنهار من أجل إزالة الشكاوي وتحقيق مطالب شعبه مطلبا مطلبا ولايعتمد علي مايصل إليه من أخبار من الملاصقين له بل عليه أن يتحري بمختلف الوسائل المتاحة له سرا وعلانية حتي لايعبث الشيطان بأحد أعوانه لأن فعله في رقبة رئيس الدولة أيضا. وينبه الدكتور محمد أمين أبو بكر إلي أمر يجب علي كل مسئول ألا يهمله وهو أنه مسئول عن كل فرد من أفراد رعيته كما جاء في الحديث كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته الإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته وعمر بن الخطاب. عندما كان أميرا قال:لو عثرت بغلة بالعراق لكان عمر مسئولا عنها.ويقول الرسول صلي الله عليه وسلم ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة رواه مسلم وروي أيضاومن هنا وجب علي ولي الأمر أن يسعي لما ينفع رعيته ويكف عنهم أذي من يؤذيهم. ويضيف الدكتور مختار مرزوق عميد كلية أصول الدين بأسيوط:أنه من المفترض في الشريعة الإسلامية أن الحاكم مسئول عن صيانة مال الدولة ويسمي في المفهوم الإسلامي مال الله تعالي ولكل حاكم ومسئول في سيدنا عمر بن الخطاب أسوة في ذلك حيث قالإني أنزلت نفسي من مال الله منزلة مال اليتيم إن استغنيت منه استعففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف وقد توعد الله علي لسان رسوله أن من يأكلون أموال الدولة بالباطل لهم نار جهنم فقال إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامرواه البخاري.وما ينطبق علي رئيس الدولة ينطبق علي كل من يقع تحت إمرته فمن أخذ شيئا من مال الدولة بغير حق كان حاملا له علي رقبته يوم القيامة. البطانة الصالحة الحاكم لا يستطيع تدبير شئون الحكم إلا من خلال معاونين له علي ذلك ومن هنا وجب عليه أن يتخذ وزراء صالحين إذ إن البطانة هي أخطر شيء في حياة الحاكم لأنهم في الغالب يكونون علي هواه ويحاولون أن يوازنوا بين مصالحهم الخاصة والبقاء بجوار الحاكم وبين كلمة الحق والابتعاد عنه, لذا فقد يصبحون أبواقا لهواه حتي أن بعضهم يكاد يقول: إن أحلام الحاكم أوامر هذا ما قاله الدكتور عبد الله النجار أستاذ القانون بجامعة الأزهر وأضاف لذا فيجب أن يكون اختيار بطانة الحاكم مرجعه الكفاءة والخبرة,وللأسف الشديد من مساوئ ثقافتنا في الشرق أن المسئولين يرون الحكم مغنما وأن وصولهم إليه كان مكافأة لهم لتفوقهم عن الآخرين ولذا لابد هنا من أن يستشعر الناس مسئوليتهم في اختيار الحاكم وأتباعه وان يعتبروا الأمر قضية حياة أو موت حتي يغلقوا الباب أمام المزورين عندها سيري كل من هو في المسئولية نفسه مراقبا ولو أخطأ لوجد من يطالب بعزله.. ويشاركه الرأي الدكتور حامد أبو طالب الذي يقول:إن من نعم الله سبحانه علي الحاكم أن يمن عليه ببطانة صالحة تدله علي الخير وتعينه عليه وترشده إلي كل عمل يحقق مصلحة شعبه بإخلاص وأمانه ولا شك أن الحاكم عندما يرزق بهذه النعمة فسيكون دائما سائرا في الطريق الصحيح فضلا عن ذلك فلابد أن يتوافر في هذه البطانة الإخلاص والزهد في مال الدولة ومن ثم يصبح كل ما يقوله المستشار أو المعين في مصلحة العامة بخلاف ما إذا تطلع إلي أموال الدولة أو ما في يد غيره; هنا تصبح قراراته مشوبة بعيب المصلحة التي يسعي إلي تحقيقها لنفسه من خلال نهب أموال الدولة وهي أموال محرمة ستعود عليه وعلي أسرته وعلي ورثته بالوبال كما يجب عليه أن يكون قدوه لغيره في النزاهة والأمانة. ويري الدكتور مختار مرزوق أن من واجبات الحاكم في الإسلام أن يتخذ البطانة الصالحة التي تمتلك الخبرة كل في مجاله لأنه إن فعل ذلك فقد أرضي الله وإن خالف ذلك كان الوبال كما هو حال المجتمعات الكبري في هذا الزمان..فقد قال صلي الله عليه وسلم ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة, إلا كانت له بطانتان, بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه, وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه, فالمعصوم من عصم الله تعالي. مسئولية الحاكم عن مساعديه الدكتور حامد أبوطالب يبين أن محاسبة الحاكم لعماله ووزرائه أمر واجب شرعا بعد أن يتحري عن هؤلاء فإذا أحس خيانة أو تجاوزا من أحد منهم عاقبه عقابا شديدا بل أشد من العقاب الذي يعاقبه الإنسان العادي ولذلك ما إن علم عمر بن الخطاب بما فعله ابن عمرو بن العاص مع ابن المصري إلا واقتص منه وقال للمصري اضرب ابن الأكرمين ثم أمره أن يقتص من أبيه لأنه ما فعل ذلك إلا لأنه ابن عمرو ومع أن عمرو بن العاص قال لعمر بن الخطاب إنه أي المصري لم يأتني ولو ذهب لعمرو لأعطاه حقه وهكذا الحاكم والقائد مسئول عن كل أخطاء بطانته ويحاسب عليهم لأنه من اختارهم وولاهم. ويشاركه د.أبوبكر الرأي قائلا: فلا يترك الحاكم أتباعه يسرقون وينهبون دون حسيب أو رقيب وفي ذلك يقول النبي صلي الله عليه وسلممن استعملناه منكم علي عمل فكتمنا مخيطا فما فوقه كان غلولا يأتي به يوم القيامة فقام إليه رجل من الأنصار فقال يا رسول الله اقبل عني عملك أي يعتذر عن المنصب الذي كلفه به رسول الله خوفا من الله وبعدا عن المسئولية أمام الله يوم القيامة فقال له النبي:ومالك؟ قال سمعتك تقول كذا وكذا قال أي النبي وأنا أقوله الآن من استعملناه منكم علي عمل فليجيء بقليله وكثيره فما أوتي منه أخذ وما نهي عنه انتهي ويري الدكتور مختار مرزوق أن من محاسن الإسلام أن جعل الحاكم مسئولا أمام الله عن عماله الذين يتولون المراكز القيادية كالوزراء والمحافظين مسئولية مباشرة ولننظر إلي قوله تعالي حكاية عن نبيه سليمان وتفقد الطير فقال ما لي لا أري الهدهد أم كان من الغائبين وانظر إلي العقاب الذي أراد أن يوقعهسليمان بالهدهد علي مخالفته عندما لم يجدهلأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين فهذه رقابة مباشرة من الرئيس لأتباعه. إرساء مبدأ الشوري يقول الدكتور حامد أبو طالب: الشوري أمر واجب علي ولي الأمر وعلي كل مسئول ذلك أن الآية جاءت بصيغة الأمر والأمر يدل علي الوجوب وشاورهم في الأمر فمن واجب ولي الأمر أن يستشير أهل الخبرة وأهل الصلاح وأهل العلم وكذلك أعضاء مجلس الشعب والشوري وهؤلاء يشترط فيهم ما يشترط في الحاكم وإذا ما ترشح لمنصب الرئيس علي سبيل المثال طوائف مختلفة فإنه يقدم أهل الخبرة علي غيرهم بقد الإمكان فإذا كان الإنسان صالحا وليس لديه خبرة فإن صلاحه لنفسه لأنه يتعلق بشئون الآخرة أما الخبر فتتعلق بشئون الدنيا وصلاحه فيها صلاح للرعية كلها. ويشاركه الرأي الدكتور عبد الله النجار مبينا أن الحاكم لكي يصل إلي قرارات صائبة لابد أن يكون واعيا ذا بصيرة في أخذ ومشاورة واستطلاع رأي أهل الكفاءات وأن يقربهم منه فالشوري من أهم القواعد التي يبني عليها الحاكم دولته. [email protected]