التجانس والوحدة من أهم ملامح الشخصية المصرية.. فمنذ فجر التاريخ.. وقبل أي بلد آخر بقرون.. بزغت مصر كشعب واحد تجمعه وطنية واحدة في وطن واحد علي شكل دولة أحادية.. تلك أقدم أمة في أول دولة في التاريخ.. هذا ما يؤكد عليه علماء الجغرافيا السياسية الذين وصفوا مصر بأنها أم الأمم. ويقول الدكتور جمال حمدان في موسوعته "شخصية مصر" إن وراء هذه الوحدة السياسية العريقة تكمن عوامل التبلور الجغرافي ووحدة البيئة الطبيعية والوظيفية والتجانس الأرضي والجنسي والبشري.. ومنذ ولدت هذه الوحدة فإنها قلما عرفت الانفراط أو الانحلال.. كما لم تعرف التقسيم لا بالطول ولا بالعرض.. لا بالتنصيف ولا بالتربيع.. لا في ظل الاستقلال ولا حتي تحت الاستعمار.. إن مصر لم تكن قط مجرد تعبير جغرافي وحسب.. بل كانت دائماً تعبيراً سياسياً منذ البداية وإلي النهاية. مصر إذن من التجانس إلي الوحدة.. ثم من الوحدة إلي المركزية خطوة منطقية إلي الأمام.. ولكن من المركزية إلي الطغيان خطوة أخيرة ومؤسفة إلي الوراء.. هكذا يضع د. حمدان تصوراً متتالياً لملامح الشخصية المصرية مؤكداً: لا جدال أن الدولة المركزية والمركزية العارمة ملمح مهم وظاهرة جوهرية في شخصية مصر لا تنفصل ولا تقل خطراً عن ظاهرة الوحدة نفسها ولا تختلف في عواملها وضوابطها الطبيعية.. فبقوة المركزية الجغرافية والوحدة الوظيفية وطبيعة الري في البيئة الفيضية فرضت المركزية السياسية والإدارية ثم الحضارية نفسها فرضاً في شكل حكومة طاغية الدور.. فائقة الخطر.. وبيروقراطية متضخمة متوسعة وعاصمة كبري صاعدة إلي أعلي صاروخياً وشامخة فوق البلد غالباً.. يصدق هذا منذ الفرعونية حتي اليوم وبلا استثناء تقريباً.. ومنذئذ وإلي الآن كقاعدة أيضاً أصبحت المركزية والحكومة والبيروقراطية والعاصمة أطرافاً أربعة لمشكلة واحدة مزمنة ولمرض مستعص. علي أن السمة الأكثر سلبية هي تردي المركزية إلي الاستبداد والطغيان.. ومهما اختلفت المسميات بين الطغيان الفرعوني أو الاقطاعي.. وأياً كانت النظريات المطروحة في تفسير ذلك.. فإن الاستبداد والطغيان الغاشم والباطش هو من أسف حقيقة واقعة في تاريخ مصر من بدايته مهما تبدلت أو تعصرت الواجهات والشكليات.. ولقد تغيرت مصر الحديثة في جميع جوانبها المادية واللا مادية بدرجات متفاوتة لكن المؤكد أنها لن تتغير جذرياً ولن تتطور إلي دولة عصرية وشعب حر إلا حين تدفن الفرعونية السياسية مع آخر بقايا الحضارة الفرعونية الميتة. هناك أيضاً مفاتيح أخري مهمة لشخصية مصر نابعة من موقعها.. فمصر افريقية.. متوسطية.. آسيوية.. انها البلد الوحيد الذي تلتقي فيه القارتان ويقترب في الوقت نفسه من أوروبا.. والبلد الوحيد الذي يلتقي فيه النيل بالمتوسط.. كما أنه الأرض الوحيدة التي يجتمع فيها البحران المتوسط والأحمر.. المحدثون يقولون انها تقع علي ناصية العالم بينما قال عنها المقريزي انها مجمع اليابس ومفرق البحار.. أرض الزاوية وقلب الأرض. وأدي هذا الموقع الفريد إلي أن أصبحت مصر فاتحة كتاب التاريخ.. وانعقد لها السبق الحضاري بلا منازع.. بل صار هذا السبق ملمحاً أساسياً في شخصية مصر.. وكانت الحضارة أهم صادراتها حتي تحولت بعد ذلك من السبق إلي التخلف الحضاري.. لكنها ظلت رغم ذلك منطقة جذب.. منطقة دخول لا خروج.. يكاد يأتي إليها كل شيء: النيل والرياح والتجارة والبحارة والهجرات والغزوات والاستعمار.. وفي المقابل قل أن تذهب هي إلي أحد. وقد أتي تطور مصر السياسي من أول أمة في التاريخ إلي أول دولة إلي أول امبراطورية ثم إلي أطول مستعمرة في التاريخ.. ومثلما كانت ثنائية السبق الحضاري التخلف سمة أساسية في شخصية مصر فكذلك كانت ثنائية الامبراطورية المستعمرة.. وفي كل الأحوال كانت مصر بالضرورة مركزاً حتمياً وأبدياً من مراكز القوة الطبيعية في العالم.. ولها دور مقدور.. ولكن هذا الدور كان دفاعياً في الدرجة الأولي. كانت الامبراطورية الفرعونية امبراطورية دفاعية غالباً.. وفي العصور الإسلامية أصبحت مصر قلعة الدفاع عن المنطقة والعروبة والإسلام.. غير أنها بعد ألفي سنة من السيادة العالمية والاقليمية عاشت ألفي سنة أخري في ظل التبعية الاستعمارية وتحت السيطرة الأجنبية.. وقد ألقي هذا التحول ظلالاً كثيفة علي الشخصية المصرية.. واعتبر أسوأ نقطة سوداء فيها بجانب الطغيان الداخلي. والحقيقة التي يؤكدها د. جمال حمدان أنه لاوسط في تاريخ مصر.. فهي إما قوة عظيمة سائدة رادعة.. وإما خاضعة عاجزة.. هي بجسمها النهري قوة بر.. ولكنها بسواحلها قوة بحر.. وتضع بذلك قدماً في الأرض وقدماً في الماء.. وهي بجسمها النحيل تبدو مخلوقاً أقل من قوي.. ولكنها برسالتها التاريخية الطموح تحمل رأساً أكثر من ضخم.. ومازالت تلك بالدقة مشكلة مصر المعاصرة.. مشكلة سياسية للعالم ولنفسها.. فهي أصغر من أن تفرض نفسها علي العالم كقوة كبيرة.. ولكنها أيضاً أكبر من أن تخضع لضغوط العالم وتنكمش علي نفسها كقوة صغيرة. وأكمل غداً إن شاء الله. إشارات: * هل تعتقد أن العرب والمسلمين مهما تشنجوا وعلت عقيرتهم قادرون علي ايقاف المخطط الصهيوني بمد السيادة الإسرائيلية علي المسجد الأقصي.. أنا لا أعتقد.. فنحن في أحسن الأحوال ظاهرة صوتية.. وأقصي ما نقدر عليه هو عقد اجتماعات واجتماعات.. وأقوي قرار سنصدره سنطالب أو نناشد فيه المجتمع الدولي والأممالمتحدة ومجلس الأمن والولايات المتحدة والدول الكبري بالقيام بواجبها لحماية المؤسسات الإسلامية.. وبذلك نكون قد أدينا ما علينا وأرحنا ضمائرنا. * الذين سيواجهون المخطط الصهيوني ويردعونه هم الأبطال العزل في الأرض المحتلة الذين لا يملكون غير أرواحهم يقدمونها فداء لوطنهم ودينهم ومقدساتهم.. وهم المنصورون بإذن الله. * الذين يجلدون الببلاوي اليوم بألسنة حداد.. وطلعوا فيه "القطط الفاطسة" هم الذين مجدوه وتغنوا بقدراته ومواهبه الخارقة عند تعيينه.. وهكذا نحن.. نصنع الفرعون ثم نشيعه باللعنات. * لا تلوموا الشباب علي عدم اقتناعهم بحكمتكم.. لوموا أنفسكم أولاً علي ادعاء الحكمة وأنتم غير أهل لها. * إذا وجدت نفسك تكرر أخطاء من سبقوك فاعلم أن ذكاءك محدود مهما نافقك المنافقون من حولك.