ثلاث محاولات للحوار الوطني فشلت حتي الآن في إدارة حوار جاد وحقيقي بين الأحزاب والتيارات والشخصيات ذات التأثير في المجتمع.. وبسبب هذا الفشل لم نصل بعد إلي تفاهم معقول علي مستوي الوطني.. ومازلنا نشعر بحالة من الفوضي السياسية لا تقل خطورة عن الفوضي الأمنية. المحاولة الأولي للحوار الوطني جاءت من جماعة الإخوان وأحبطت من قبل أن تبدأ.. والثانية جاءت من حكومة د. عصام شرف وكان من المفترض أن يتولي إدارة الحوار فيها د. يحيي الجمل نائب رئيس الوزراء لكنها ما كادت تخطو خطوة أو خطوتين حتي باءت بالفشل. أما المحاولة الثالثة التي لم تبدأ بعد فقد تم تكليف د. عبدالعزيز حجازي رئيس الوزراء الأسبق بتنظيمها وإدارة الحوار فيها.. ومع ذلك يتم تأجيلها يوما بعد يوم لأسباب غير مفهومة. وقد كان بودنا أن يبدأ الحوار الوطني في مرحلة النقاء الثوري وأن يسير في خط المرسوم.. ويتسع للجميع بلا استثناء ولا إقصاء.. لكي يصل بنا إلي توافق عام حول الملفات التي لم تحسم بعد.. ومازال الجدل يدور بشأنها بين مؤيد ومعارض.. ومازال صاحب القرار في حاجة إلي رأي عام يستند إليه وينير له الطريق قبل أن يصدر قراره فيها. وتشتد حاجتنا إلي التوافق الوطني مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية القادمة في سبتمبر.. واستعداد أطراف كثيرة للتحرك وسط الجماهير.. بينما هناك خمسة ملفات علي الأقل مازالت مفتوحة رغم ما يثار حولها من جدل واسع.. وتتعلق هذه الملفات بالانتخابات.. وتحتاج إلي حسم حتي تتضح الصورة تماما.. وهذه الملفات هي: * إلغاء مجلس الشوري. * إلغاء نسبة ال 50% للعمال والفلاحين. * إلغاء كوتة المرأة. * إجراء الانتخابات البرلمانية بالقائمة النسبية بدلاً من النظام الفردي. * مشاركة فلول الحزب الوطني وعناصره كمستقلين أو أعضاء في أحزاب أخري. هناك ما يشبه الاجماع علي ضرورة إلغاء مجلس الشوري بعد أن أثبتت التجربة علي مدي حكم السادات ومبارك أنه بلا دور.. وأنه مجرد ديكور للديمقراطية حتي نقول للدول الكبري إننا مثلهم.. وأن البرلمان عندنا يتكون من مجلسين مثلما هو الحال عندهم. لم يقدم مجلس الشوي شيئا نافعاً لمصر.. كان تجمعاً للمحاسيب الذين يراد منحهم الحصانة.. أو ترضيتهم سياسياً ليدخلوا في حظيرة الحكم ويمتثلوا للخطوط الحمراء في المعارضة المستأنسة.. وقد بلغت فاتورة هذا المجلس 400 مليون جنيه سنوياً ناهيك عن تكلفة إزالة آثار الحريق وإعادة تأثيث المكاتب. في مصر الجديدة لم تعد بنا حاجة إلي ديكورات الديمقراطية.. ويكفينا جدا بناء مجلس واحد للبرلمان علي أسس صحيحة.. ليمارس دوره بشكل صحيح.. وتوفير تكلفة المجلس المزيف لدعم المواد الغذائية وتشغيل المصانع المتوقفة.. وعندما تنضج التجربة ويتوفر لدينا الامكانيات يمكن أن نفكر في بناء المجلس الثاني.. مجلس الشوري لاستكمال الشكل الديمقراطي. وفي مصر لجديدة أيضا لم يعد مناسباً أن يقوم بدور الرقابة والتشريع أميون أو منتفعون.. وقد أثبتت التجربة أن الذين دخلوا مجلس الشعب تحت لافتة العمال والفلاحين لم يدافعوا عن حقوق العمال والفلاحين.. بل كانوا يصفقون ويزغردون للرئيس وحكومته وهم يبيعون المصانع الرابحة.. ويخربون الأراضي الزراعية.. ويرفعون أسعار المبيدات والتقاوي والمواد الخام.. ويستولون علي أموال التأمينات. أما كوتة المرأة فهي من مخلفات عصر الهوانم.. عصر التشريع الملاكي لارضاء السيدة الأولي وحاشيتها.. وقد كانت انتخابات الكوتة مثيرة للسخرية.. لذلك يجب أن نغلق هذا الملف ونفتح الانتخابات لكل المصريين علي قدم المساواة.. ونعمل علي توعية الأحزاب والتيارات المشاركة في الانتخابات لكي تضع المرأة في مكانها المناسب وتعطيها حقها المتساوي مع حق الرجل. وكل ما ينشر الآن ويذاع علي ألسنة السياسيين الحزبيين يطالب بإجراء الانتخابات بالقائمة النسبية المفتوحة.. علي أساس أن القائمة تدعم الانتماء الحزبي وتجعل نكهة الانتخابات سياسية خالصة.. وتقلص دور الرشاوي التي ظهرت بكثرة في الانتخابات الفردية. ويمكن أن يجتمع في القائمة الواحدة أكثر من حزب أو تيار إذا قررت الأحزاب دخول الانتخابات بقوائم توافقية بدلاً من التنافس.. نظراً للظروف الخاصة جدا التي تجري في ظلها الانتخابات القادمة. أما فيما يتعلق بالسماح لفلول الحزب الوطني وعناصره للترشح في الانتخابات القادمة كمستقلين أو أعضاء في أحزاب أخري بعد أن تم حل حزبهم سييء السمعة فإنني أتصور أن كل مرشح من هذا الحزب لابد أن يحصل علي شهادة براءة للذمة من الفساد السياسي والمالي.. ويجب أن يكون هناك اتفاق علي الجهة التي تمنح هذه الشهادة بنزاهة وصدق وعدالة. هذه بعض الأفكار التي يمكن أن تساهم في فتح باب الحوار حول ملفاتنا العالقة.. وهذا الحوار الذي يجب أن يبدأ بأقصي سرعة.. الآن وليس غداً.