الأزمات تحاصر المصريين بشدة هذه الأيام وتزيد من معاناتهم اليومية.. فهناك أزمة انقطاع الكهرباء والمياه وأزمة الارتفاع في أسعار السلع والنقص المستمر في الوقود.. وأصبح السؤال الذي يتردد في الشارع: هل تنتهي هذه الأزمات ومتي؟! المسئولون يعترفون بالأزمات ويؤكدون أنهم يبذلون كل جهودهم لانهائها في أسرع وقت.. إلا أن الأزمات مازالت مستمرة وتخرج لسانها للجميع.. الخبراء أكدوا أن مشكلتنا ليست في نقص الموارد بقدر ما تعود إلي عشوائية إدارتنا للمشاكل والأزمات وعدم الاستعداد لها بشكل كاف بل الانتظار حتي تتفاقم ثم نبدأ في التعامل معها مع عدم الاستفادة مما سبق من تجارب. قالوا إن الحكومة انشغلت بالأمور والمشاكل السياسية وتركت المواطن يئن من الغلاء الشديد وعدم توافر الخدمات والمرافق الأساسية.. وأن هناك اهداراً متعمداً للعديد من مواردنا ويأتي علي رأسها المياه رغم محدودية هذه الموارد. حذروا من أن استمرار التردي في مواجهة هذه المشاكل الحياتية يمكن أن يؤدي لاندلاع ثورة جديدة من الفقراء الذين لا تكون حركتهم موجه أو واعية ومن ثم الخطورة الشديدة خاصة إذا ارتبط الأمر بالحصول علي لقمة العيش. أما حزب الحرية والعدالة فأكد أن النظام السابق يتحمل المسئولية الأولي فيما نعانيه من مشاكل حيث لجأ للحلول المؤقتة دون أن يستأصل المشكلة من جذورها وبالتالي ورثنا تركة ثقيلة. تركة ثقيلة * عزب مصطفي القيادي الإخواني وعضو الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة قال: لا يستطيع أحد أن ينكر وجود مشاكل وأزمات يعاني منها المواطن زادت حدتها بعد ثورة 25 يناير ويشارك في تحمل مسئوليتها اطراف عديدة وليس حزب الحرية والعدالة وحده. أضاف: يأتي علي رأس هذه الأطراف النظام السابق الذي لم يواجه المشكلات بشكل حاسم وعملي بل لجأ إلي المسكنات والحلول المؤقتة من خلال اللجوء إلي الاقتراض من الخارج وهو أحد الأسباب الرئيسية فيما تعانيه الميزانية من أعباء خدمة الدين التي تلتهم جزء كبير منها وبالتالي التأثير علي اقامة المرافق والخدمات التي يحتاجها المواطن. أضاف أن المسئولية يتحملها أيضاً فلول النظام السابق التي تحاول اعاقة المسيرة ووضع العراقيل أمام الحكومة والرئاسة في التصدي للمشاكل وشاركهم في ذلك عن قصد أو غير قصد بعض الرموز السياسية علي الساحة التي ترفض التحاور في الخطوط العامة وتشد الوطن إلي فرعيات تستنزف جهوده. أوضح أن النظام الحالي ورث تركة ثقيلة للغاية يحاول التعامل معها من خلال الحلول العلمية ولكن التنفيذ يواجه بصعوبات عديدة أهمها الاضرابات التي تشل حركة الحياة والانتاج في مصر والاعتداءات التي تتعرض لها المنشآت الحيوية. تحركات محدودة * محمود عسقلاني رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء.. قال ما يحدث من ارتفاع شديد في أسعار جميع السلع بلا استثناء تقريباً يمثل ثورة عبثية تخنق المواطنين في ظل غياب تام للحكومة باستثناء تحركات محدودة لوزير التموين لتوفير بعض السلع بأسعار مخفضة وإن كانت هذه التحركات تستغل من الناحية السياسية من جانب حزب الحرية والعدالة كما يحدث في موضوع الخبز ونحن هنا لسنا ضد أن تشارك الأحزاب في التخفيف عن المواطنين فهذا دور رئيسي لها ولكن بشرط ألا يكون الأمر حكراً علي حزب بعينه ولكن تتاح الفرصة لجميع الأحزاب علي قدم المساواة. أضاف أن هناك عوامل عديدة أدت إلي هذا الخلل في الأسواق الذي أدي بدوره إلي ارتفاع الأسعار منها الضعف الشديد للرقابة الحكومية وعدم تفعيل القوانين الموجودة بالفعل مثل قانون التسعيرة الجبرية الذي لم يلغ حتي الآن ويمكن تنفيذه خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يعاني منها المواطن وكذلك المادة 10 من قانون حماية المنافسة التي تجيز لمجلس الوزراء تحديد سعر السلع لضبط أسعار بعض المنتجات. أوضح أن منظومة التشريعات والقوانين التي تحكم السوق جري اعدادها في عهد النظام السابق وفي ظل تغول رجال الأعمال ولكن بعد قيام ثورة 25 يناير يجب أن نسعي جاهدين لتحقيق العدالة الاجتماعية التي يندرج تحتها العدالة التجارية بمعني تحقيق التوازن في العلاقة بين جميع الأطراف فلا يظلم التاجر أو الموزع أو صاحب المصنع ومن باب أولي المستهلك. أضاف أن الحكومة لا تهتم بهذا الأمر وتهتم بفرعيات لا تهم المواطن وكذلك مجلس الشوري صاحب سلطة التشريع الآن الذي انغمس في المشاكل السياسية وترك القوانين التي لا تقل أهمية عنها مثل تعديل قانوني حماية المنافسة وحماية المستهلك لأنه لو جري تعديلهما سيحققان انضباط الأسواق. حذر من أن استمرار الانحياز لرجال الأعمال والمنتجين علي حساب المواطن البسيط سوف يؤدي إلي كوارث اجتماعية ويعيد صورة 25 يناير إلي الأذهان التي خرجت فيها الطبقة المتوسطة للدفاع عن مصالحها ولكن هذه المرة سوف يخرج الفقراء وهؤلاء حركتهم غير موجهة وغير واعية خاصة إذا ارتبطت بلقمة العيش. غياب التخطيط * د. محمد وفيق خبير الطاقة بالأمم المتحدة أكد أن معاناة المواطن اليومية مع الكهرباء والانقطاع المستمر لها والذي يمتد إلي ساعات طويلة ويصيب مصالح الأغلبية بالتوقف يؤكد أننا نتعامل مع هذا الملف بعشوائية شديدة وعدم التخطيط للمستقبل. أضاف أن القدرة الانتاجية لشبكة الكهرباء في مصر تصل في أقصي درجاتها إلي 30 ألف ميجاوات ويمكن أن تنخفض في أحيان كثيرة بسبب الأعطال التي تتعرض لها والضغوط عليها وهذه الكمية لن تكفي قريباً لسد الاحتياجات المتزايدة من الطاقة التي تصل نسبتها إلي 43% من الاستهلاك الحالي مع ثبوت الموارد التقليدية لانتاجها بل أننا في حاجة ملحة إلي اضافة ما يقرب من 30 ألف ميجا جديدة وهي تحتاج إلي 30 مليار جنيه علي الأقل. أكد أن الاستمرار في الحصول علي الطاقة من خلال حرق المواد البترولية لن يفيد خاصة أن دعم المواد البترولية وصل الآن إلي 144 مليار جنيه وهو رقم مخيف وزيادته تعني زيادة معاناة الموازنة العامة وم ثم لا بديل أمامنا سوي الاتجاه إلي المصادر الأخري للحصول علي الكهرباء مثل المحطات النووية التي تأخرنا فيها سنوات طويلة وتعاملنا مع الأمر باستهانة إلي تم احتلال منطقة الضبعة بواسطة بعض الأفراد بحجة أنهم يمتلكون الأرض ومازال المشروع متعثراً رغم أن كل يوم تأخير يزيد من تكلفة الانشاء ملايين الجنيهات. وهناك مصادر أخري بديلة من الطاقة الجديدة والمتجددة وأبرزها الطاقة الشمسية التي نتمتع فيها بمميزات نسبية ليس لها مثيل في العالم طبقاً لدراسات دولية معتمد حيث يمكن أن نتوسع فيها بشكل كبير يؤدي إلي توفير احتياجاتنا من الكهرباء بل التصدير إلي أوروبا خاصة إذا علمنا أن الطاقة الناتجة من مساحة كيلو متر مربع من الشمس تعادل الطاقة الناتجة من احتراق مليون برميل بترول وهذه الطاقة مضمونة ويمكن تخرينها للاستخدام ليلاً بجانب امتلاكنا لمميزات كبيرة في مجال طاقة الرياح ولكنها غير مستخدمة. أشار إلي أهمية تشجيع المصانع علي انتاج الأجهزة الموفرة للطاقة وتحمل الدولة لفارق السعر بين تكلفة الانتاج وسعر البيع للمستهلك واعفاء مكونات الانتاج من الضرائب والرسوم وبدون هذه الخطوات مجتمعة لن تحل مشكلة الكهرباء بل ستزداد تعقيداً. أين البرامج ؟ * وعن الأسباب وراء تفاقم هذه المشاكل ومعاناة المواطن اليومية يقول د. محمد هاني مباشر مدير مركز الحد من المخاطر بجامعة القاهرة سابقاً أن هذا راجع إلي اختفاء التخطيط من حياتنا فنحن لا نعد البرامج لمواجهة المشاكل ولكننا دائماً نتحرك عندما تتفاقم المشكلة ويتم التعامل معها بعشوائية وعندما تنتهي مشكلة ما لا نستفيد منها في التعامل مع مشاكل أخري في مجالات وأوقات أخري. أضاف صحيح أن لدينا إدارة لمواجهة الأزمات والمخطر تابعة لمجلس الوزراء ولكنها للأسف تتعامل مع الأمور بطريقة روتينية والأصح أن يكون هناك سياسات عامة وشاملة للتعامل مع الأزمات ويكون هناك قاعدة بيانات حقيقية وشاملة تتيح لنا التعامل مع الأزمة فور وقوعها وليس بعد استفحالها كما يحدث في قضايا عديدة في حياتنا. أوضح أننا رغم معاناتنا من محدودية الموارد إلا أن ذلك ليس السبب الرئيسي وراء العديد من مشاكلنا ولكن السبب الرئيسي هو اختفاء الإدارة السليمة للأمور والقضايا فقضية مثل الكهرباء علي سبيل المثال معروف أن هناك تزايداً في الاحتياجات لها بسبب ظروف وعوامل عديدة فلماذا لم يتم الاستعداد لذلك سواء من خلال الطرق التقليدية أو الجديدة والأمر ينطبق علي كل المجالات الأخري. * د. مغاوري شحاتة خبير المياه ورئيس جامعة المنوفية الأسبق يري أننا نواجه مشكلة خطيرة بل ومدمرة في مجال المياه حيث أن الكميات المتوافرة لتكفي لسد الاحتياجات المتزايدة فمصادر المياه في مصر هي 55 مليار متر مكعب من نهر النيل وهي معرضة للنقصان بعد انشاء اثيوبيا لسد النهضة و4 مليار متر مياه جوفية بالصحراء الغربية و10 مليارات متر أقصي ما نستطيع الوصول إليه من تدوير مياه الصرف الزراعي والصناعي.. ومليار واحد من الأمطار أي أن الكمية المتوافرة تصل تقريباً إلي 70 مليار متر مكعب. استطرد قائلاً: وهذه الكمية غير كافية لمواجهة الاحتياجات المتزايدة كما تؤكد الدراساتت فمع حلول عام 2015 سوف ينخفض نصيب الفرد إلي 625 متراً مكعباً رغم أن الحد الأدني علي مستوي العالم هو 1000 متر مكعب أي أننا سنصل قريباً إلي مرحلة الفقر المائي. أضاف: ورغم هذا الفقر المائي المفزع هناك اهدار يصل إلي حد الجريمة في التعامل مع المياه من خلال عدة صور يأتي علي رأسها عدم وجود مقننات مائية للزراعات المختلفة والغاء الدورة الزراعية وسوء حالة الترع والمصارف بجانب سوء محطات المعالجة ونقل المياه من خلال شبكات متهالكة مما يؤدي إلي فقدان مايتراوح نسبته من 30 إلي 35% من مياه الشرب أي ما يقرب من 3 مليارات متر مكعب في هذه المجال فقط.. والخطورة هنا ليست في كميات المياه المهدرة ولكن في التكلفة التي تنفق سواء لتنقية هذه المياه من البداية أو لمعالجة الآثار المترتبة علي حدوث هذا التسرب وما يؤدي إليه من تلوث. أوضح أن معاناة الناس الحالية من الانقطاع المستمر للمياه سوف تزداد وتستفحل حيث يمكن أن نصل قريباً إلي الشح المائي بسبب عدة عوامل منها نقص الموارد المائية من الأساس والزيادة السكانية الكبيرة والاهدار المتعمد للكميات المتاحة. أوضح أن العلاج يجب أن يكون حازماً وسريعاً من خلال مواجهة الاهدار بسبب الشبكات المتهالكة واعادة الاحترام إلي نهر النيل الذي يعج بالعائمات والقاذورات والصرف الزراعي حيث أن محافظات الصعيد بدون استثناء تقوم بالصرف في النيل والقضاء علي ذلك يحافظ علي جزء لا يستهان به من مواردنا المائية والأهم الاهتمام بإعادة تدوير مياه الصرف حيث أنه يتم حالياً تدويرها مرة أو مرتين علي أقصي تقدير ويمكن من خلال التكنولوجيا الحديثة اعادة تدويرها 4 أو 5 مرات وهذا الأمر لا مفر منه بسبب تناقص مواردنا المائية.