تحت رعاية الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، رئيس "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية"، انطلقت صباح اليوم فاعليات المؤتمر السنوي السابع عشر ل"مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية" تحت عنوان "أمن الماء والغذاء في الخليج العربي". وذلك في "قاعة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان" في مقر المركز في أبوظبي، بحضور الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية"، وعبدالله الشبلي، الأمين العام المساعد للشئون الاقتصادية في الأمانة العامة ل "مجلس التعاون لدول الخليج العربية"، وعدد من كبار الشخصيات، إضافة إلى نخبة كبيرة من المسئولين والمتخصصين والخبراء والمفكرين والباحثين والمهتمين من داخل الدولة وخارجها. وقال الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية"، في الكلمة الترحيبية للمؤتمر، إن مفهوم الأمن المائي والغذائي برز كأحد التحديات الإستراتيجية التي تواجه حكومات دول "مجلس التعاون لدول الخليج العربية"، حيث تقع هذه الدول ضمن أكثر مناطق العالم جفافاً وفقراً في الموارد المائية الطبيعية، وإنه بالرغم من اعتمادها بشكل رئيسي على المياه المحلاة -وهو الحل الأكثر تكلفة- بالإضافة إلى المياه الجوفية، فهي لا تزال تواجه تحديات عدة من استنزاف لتلك الموارد، بسبب تزايد عدد السكان ونقص الوعي بضرورة الحفاظ على تلك الثروة. وأضاف السويدي أن الأمن الغذائي أيضاً يواجه مستقبلاً غامضاً في دول الخليج العربي، حيث تواجه إمداداتها الغذائية تهديداً متزايداً بسبب ندرة الموارد الطبيعية وتدهورها، علاوة على اعتمادها على استيراد معظم احتياجاتها الغذائية من الخارج، ما يجعلها عرضة لعدم الاستقرار اقتصادياً واجتماعياً، نظراً إلى تقلبات الإنتاج العالمي للأغذية، وتغيرات السياسات التجارية، وتذبذب أسعار السلع الأساسية. مؤكداً أنه انطلاقاً من اهتمام "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية" بالموضوعات الحيوية على المستويين الإقليمي والعالمي، ورؤيته لضرورة المساهمة في إيجاد حلول واستراتيجيات لقضية الأمن المائي والغذائي، فإنه يعقد مؤتمره السنوي السابع عشر تحت عنوان: "أمن الماء والغذاء في الخليج العربي". وأشار السويدي إلى أن المؤتمر يناقش الأبعاد الإستراتيجية المتعلقة بأمن المياه في منطقة الخليج العربي، من خلال تسليط الضوء على حالة الموارد المائية، والأبعاد الجيوسياسية لندرة المياه، وتأثير الزيادة السكانية، ومستقبل إمدادات المياه والطلب عليها، وسياسات الأمن المائي الوطنية والإقليمية. كما أشار إلى أن المؤتمر يتناول موضوع الأمن الغذائي والتحديات التي تواجه إمدادات الغذاء على المستوى العالمي، والإستراتيجيات الغذائية المتبعة في دول الخليج العربي، كما يتطرّق إلى تطورات سوق المواد الغذائية وآثارها في دول المنطقة، مع التركيز على استراتيجيات الأمن المائي والغذائي في دولة الإمارات العربية المتحدة، وجهود الدولة لضمان استمرار التنمية المستدامة. وأوضح السويدي أن المشاركين في المؤتمر يمثلون نخبة من صناع القرار والخبراء والمتخصصين والأكاديميين والباحثين المهتمين بالقضايا المثارة، الذين يشكلون طيفاً واسعاً من الآراء والخبرات رفيعة المستوى. وأضاف في الكلمة، التي ألقتها نيابة عنه الدكتورة مريم حسن الشناصي، وكيل وزارة البيئة والمياة في الدولة، أن الطلب على المياه ازداد من ستة مليارات متر مكعب عام 1980 إلى 26 مليار متر مكعب عام 1995، وأن معدل نصيب الفرد من المياه انخفض من 700 متر مكعب عام 1970 إلى 170 متراً مكعباً عام 2000. وأدى العجز في المياه الجوفية إلى الطلب المتزايد على المياه العذبة. لافتاً النظر إلى أن القطاع الزراعي يستهلك نحو 70% من المياه العذبة، وأن الطلب على المياه قد نما في القطاع الحضري أكثر من الضعف، وأصبح استهلاك المياه في القطاع المنزلي استهلاكاً غير رشيد، الأمر الذي يزيد من صعوبة المشكلة. وأوضح ابن فهد أن دول الخليج قد أدركت الآثار السلبية للإفراط في استهلاك المياه، إذ اتخذت دولة الإمارات سلسلة من التدابير لاستدامة الأمن المائي والغذائي، في إطار استراتيجية شاملة، من خلال وضع أطر تشريعية وإجراء مراجعة شاملة للسياسات المائية والزراعية. وأنه مع توقعات ارتفاع الطلب على المياه المحلاة التي توفر 40% من المياه في الوقت الحالي، تم رفع قدرات تحلية المياه، إلى جانب التوسع في الاعتماد على المياه المعالجة، ومعالجة الإفراط في استهلاك المياه في القطاع الحضري. وقال ابن فهد "نحن على ثقة بأن المؤتمر وتوصياته ستسهم في وضع الاستراتيجيات الناجحة لمواجهة المشكلة". في الكلمة الرئيسية للمؤتمر قال معالي الدكتور عبداللطيف بن راشد الزياني، الأمين العام ل "مجلس التعاون لدول الخليج العربية"، في كلمته التي ألقاها نيابة عنه عبدالله الشبلي، الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية في الأمانة العامة ل "مجلس التعاون لدول الخليج العربية"، إن الغذاء والماء من أهم القضايا الاستراتيجية التي اهتم بها جميع قادة دول المجلس منذ تأسيسه، لما لهما من أهمية لحياة المواطن الخليجي وتعزيز حياته وتنميته المستدامة. كما أن تحديات المياه كثيرة، منها التلوث، كما أن متوسط استهلاك الفرد الخليجي يومياً نحو 350 لتراً، لكننا بقادتنا ورؤيتهم الرشيدة قادرون على مواجهة التحديات كافة. وأوضح الزياني أنه صدر عن "مجلس التعاون لدول الخليج العربية" الكثير من التوصيات والإجراءات المتصلة بترشيد استغلال المياه وتحسينه، حيث أقرت كل مؤتمرات المجلس بأن يكون موضوع المياه بنداً قائماً في جلسات "مجلس التعاون" كلها، وأن تكون قضية التحلية بدورها بنداً حاضراً. مبيناً أنه في قمة عام 2003 أصدرت "الأمانة العامة" المذكرة المتصلة بالإدارة المائية المتكاملة للمياه، وتم التشديد على مراجعتها دورياً، وإعداد خطة متكاملة للتعامل مع القضايا المستجدة المتعلقة بالمياه كافة. وأفاد الزياني بأن الدورة ال (31) لاجتماع قادة "مجلس التعاون"، التي عقدت في أبوظبي في عام 2010، قد حددت معالم السياسة المائية لدول المجلس ومستقبلها، والعلاقة بين الماء والزراعة والغذاء، وعلاقة ذلك كله بالمياه وبأمن المواطن الخليجي. مبيناً أن على دول "مجلس التعاون لدول الخليج العربية" تبنّي استراتيجية متكاملة حول أمن الماء والغذاء لمواجهة التحديات المستقبلية. وفي كلمته قدم عبدو قاسم العسيري، منسق المكتب شبه الإقليمي لدول الخليج العربي واليمن ل "منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة" (الفاو)، ممثل المنظمة في دولة الإمارات الشكر والتقدير إلى الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية" على حسن تنظيم المؤتمر وطرح مثل هذه المواضيع المهمّة، التي تمس حياة المواطن في جميع دول المنطقة، موضحاً أن القطاع الزراعي فيها يشهد تطوراً مهماً، فبالإضافة إلى كونه نشاطاً اقتصادياً مهماً، فهو أسلوب حياة يعتمد عليه السكان العاملون في هذا القطاع في توفير مصدر للدخل، وتلبية متطلباتهم المعيشية. وأضاف العسيري أن الأمن الغذائي العالمي يواجه تحديات كبيرة، فمن المتوقع أن يرتفع عدد سكان العالم من سبعة مليارات إلى تسعة مليارات عام 2050. كما أن التقدم الاقتصادي في البلدان الصاعدة ستنتج عنه زيادة الدخل للطبقات الفقيرة، ومن ثم سيشهد الطلب العالمي على الغذاء زيادة كبيرة، تتطلب زيادة الإنتاج بنحو 70% عالمياً، و100% في البلدان النامية، ولكن ذلك يُواجه بنقص الاستثمارات في القطاع الزراعي. مشيراً إلى أن هناك تحديات عدّة على مستوى الأمن الغذائي والمائي الإقليمي، من أهمها محدودية الموارد المائية والأراضي الصالحة للزراعة، إلى جانب تحديات "الأزمة المالية العالمية"، وتوقعات التغيرات المناخية الحادة. وذكر أن دول المنطقة مستورد حقيقي للغذاء، وقد أسفرت زيادة السكان، وارتفاع مستويات الدخول، عن ارتفاعات كبيرة في واردات المنتجات الغذائية. كما ارتفعت قيمة واردات الأغذية في البلدان التي يغطيها "المكتب شبه الإقليمي" من 6.5 مليار دولار عام 1990 إلى 28 مليار دولار عام 2008. لافتاً النظر إلى أنه من الضروري تقويم الأنماط المتغيّرة في استهلاك الغذاء، ومعرفة أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والصحية والغذائية. وأوضح العسيري أن "المكتب شبه الإقليمي" اقترح إطاراً يمكن من خلاله التصدي للقضايا الأساسية التي تواجه الأمن المائي والغذائي في المنطقة، حيث تشمل خدمات المكتب تعزيز قدرات الدول الأعضاء في مجال الأمن المائي والغذائي بتقديم تحليلات علمية، والمساعدة على وضع السياسات والبرامج الملائمة، وتبنّي نظم الري الحديثة وتقنيات توفير المياه، مع ترشيد الاستهلاك وتحسين جودة الغذاء وسلامته. وقد ناقشت الجلسة الأولى، التي رأسها الدكتور محمد الملا، مدير إدارة الموارد المائية في وزارة البيئة والمياه في دولة الإمارات، قضية "أمن المياه"، وتحدث في الجلسة البروفيسور بيتر روجرز، أستاذ كرسي "جوردونماكاي" في الهندسة البيئية-قطاع الهندسة والعلوم التطبيقية في الولاياتالمتحدةالأمريكية في "جامعة هارفارد" عن "حالة الموارد المائية إقليمياً وعالمياً"، وأضاف روجرز أن الموارد المائية تعني، ضمناً، إدارة الإنسان لإمدادات المياه لتلبية احتياجاته واحتياجات النظام البيئي في الحاضر والمستقبل. موضحاً التمييز بين "إمدادات المياه" المتاحة، و"الموارد المائية" الخاضعة لإشراف الإنسان. وأن لهذا التمييز أهمية خاصة، ولا سيما في البلدان والمناطق المصنّفة عادة بأنها "شحيحة المياه"،وأشار الى أنه بالنسبة إلى البلدان القاحلة، مثل الدول الست في "مجلس التعاون لدول الخليج العربية"، فقد تم إيلاء اهتمام أكبر لإدارة إمدادات المياه باعتبارها مورداً مهماً إجمالاً، وأن سوء إدارة موارد المياه يمكن أن يؤدي إلى أزمات في المياه، في أي بلد أو منطقة. إدارة الموارد المائية في الجلسة نفسها تحدث البروفيسور سيثار إم ك. إسواران، مدير "معهد السياسات المائية" في "كلية ليكوانيو للسياسات العامة"، مدير "معهد آسيا العالمي" في "جامعة سنغافورة الوطنية" في جمهورية سنغافورة عن "التحديات التي تواجه إدارة الموارد المائية"، مشيراً إلى أن المياه ليست ضرورية للحفاظ على حياة الإنسان فحسب، بل ضمان الصحة العامة والغذاء وإنتاج الطاقة أيضاً، ومن ثم لازدهار مجتمعاتنا. وأفاد بأن كثرة استخدامات المياه توضح مدى تعقيد التحديات التي تواجه إدارة الموارد المائية، وأن الدول تواجه نقصاً في المياه لأسباب مختلفة، منها النقص المادي في المياه العذبة، وانعدام البنية التحتية، والنمو السكاني السريع، والتنمية الاقتصادية، وعدم كفاءة استخدام المياه، والتنافس بين مختلف القطاعات. لافتاً النظر إلى أن التغيرات المناخية قد زادت من الغموض حول مدى توافر المياه، كما زادت من صعوبة التخطيط للتزويد بها. ورأى إسواران أن كل هذه التحديات تستدعي اتباع نهج متكامل لتخطيط المياه وإدارتها. وأن الإدارة المتكاملة للموارد المائية (IWRM)حسب تعريفها من قبل "اللجنة الفنية للشراكة العالمية للمياه" هي عملية تعزيز للتنمية والإدارة المنسقة للمياه، والأراضي والموارد ذات الصلة، من أجل تحقيق أقصى قدر من الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية الناتجة بطريقة عادلة، من دون التفريط في استدامة النظم الإيكولوجية الحيوية، لأنها إطار عام لأي بلد أو منطقة. وركّز إسواران في ورقته على الكيفية التي يمكن بها تطبيق إدارة موارد المياه المتكاملة بصورة أفضل في ظل ظروف مختلفة، والتحديات الاجتماعية والمؤسسية المختلفة التي تواجه تنفيذها بنجاح. وتحت عنوان الأبعاد الجيوسياسية لندرة المياه في دول الخليج العربي قدم الدكتور حسين عميري، أستاذ مشارك في قسم الفنون الحرة والدراسات الدولية في "كلية كولورادو للمناجم" في الولاياتالمتحدةالأمريكية، تحليلاً للعواقب الجيوسياسية للحلول الممكنة لندرة المياه في دول "مجلس التعاون لدول الخليج العربية". مبيناً أن دول الخليج العربي قد اختارت أصلاً الاعتماد على المياه المحلاة بدلاً من المياه المستوردة؛ لأن هذا قد أوجد ظروفاً مشابهة لكونها "دولة المنبع"، مع المرونة الجيوسياسية التي يوفرها مثل هذا "الموقع". وأشار عميري إلى أن الأبعاد الجيوسياسية والأمنية لحلول ندرة المياه تتأثر بالعديد من القضايا، وأن رفع وعي السكان بضرورة الحفاظ على المياه ليس له تداعيات جيوسياسية، بينما استيراد المياه من أحد الجيران الإقليميين مثل تركيا أو باكستان أو إيران يوجد تبعية تشكل نقطة ضعف. موضحاً أنه في ظل ظروف معينة يمكن أن تؤدي ندرة المياه إلى عدم الاستقرار السياسي الداخلي، الذي يمكن أن يخلّف آثاراً واسعة الانتشار على الدول المجاورة (في حال الإلقاء باللائمة على دولة ما من دول المنبع بسبب الحدّ من تدفق المياه مثلاً). وأوضح أنه من الممكن أيضاً أن تؤدي الضغوط البيئية والهيدرولوجية إلى الحركة عبر الحدود. وعلى سبيل المثال، فاليمنيون الذين يجدون صعوبة في إطعام أنفسهم قد يدفعهم ذلك إلى طلب مساعدات من المملكة العربية السعودية، الأمر الذي ستكون له تداعيات سياسية وأمنية. مبيناً أن هذا النوع من الانتشار للتوترات الوطنية عبر الحدود يشمل أيضاً إمكانية وقوع مواجهة عسكرية غربية مع إيران، الأمر الذي يمكن أن تكون له انعكاسات على الأمن المائي لدول الخليج العربي. وفي الجلسة الثانية، التي رأسها الدكتور أحمد علي مراد، أستاذ مشارك في جيولوجيا المياه في قسم الجيولوجيا في "كلية العلوم" في "جامعة الإمارات" في دولة الإمارات، دار النقاش حول الأبعاد الاستراتيجية المتعلقة بالمياه في منطقة الخليج العربي، حيث أشار الدكتور وليد خليل الزباري، عميد "كلية الدراسات العليا"، أستاذ الموارد المائية في "جامعة الخليج العربي" في مملكة البحرين، في ورقته التي حملت عنوان "تأثير الزيادة السكانية والتنمية على مصادر المياه"، إلى أن دول "مجلس التعاون لدول الخليج العربية" تقع في واحدة من أكثر مناطق العالم جفافاً وفقراً بالموارد المائية الطبيعية، وهي من الدول الأكثر ندرة وفقراً على مستوى العالم من حيث حصة الفرد من الماء. موضحاً أن دول المجلس تواجه تحديات عدّة في إدارة قطاع المياه لضمان استدامتها، مثل محدودية مواردها المائية، ووجود فجوة كبيرة بين الطلب والعرض، وتسارع الطلب بسبب النمو السكاني، ونقص حصة الفرد من المياه. وما يزيد من هذه التحديات تدنّي كفاءة استخدام المياه، واستنزاف الموارد المائية الطبيعية. وقال خليل إنه في وجه هذه التحديات، تركزت جهود المسؤولين على إدارة العرض، وزيادة المتاح من الموارد المائية، والعمل على زيادة الموارد المائية غير التقليدية من خلال بناء محطات تحلية المياه، وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي، لتقليل السحب من المياه الجوفية. مبيناً أن الاعتماد على توفير الإمدادات اللازمة، من دون إيلاء إدارة الطلب والترشيد الاهتمام الكافي، له آثار اقتصادية واجتماعية وبيئية سلبية، ويتعارض مع مبدأ استدامة الموارد المائية القائم على "توفير المياه بالكمية الكافية والنوعية المطلوبة لمختلف القطاعات التنموية بأقل التكاليف المالية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، لتحقيق أقصى منفعة وقيمة مضافة من استخدام المياه". ولفت خليل النظر إلى أن مفهوم الأمن المائي مدخل رئيسي لتحقيق مبدأ استدامة المياه، الذي يتطلب تبني نهج الإدارة المتكاملة للموارد المائية، والتعامل مع قضايا المياه وتحدياتها والقوى الدافعة لها، ووضع حلول لها. وأن هناك ثلاثة عوامل تسهم في تحديد مستوى الأمن المائي، وهي البيئة المائية، والبيئة الاجتماعية والاقتصادية، والبيئة المستقبلية، وجميع هذه البيئات غير مواتية لتحقيق الأمن المائي في دول المجلس. وذكر أن ضغط النمو السكاني ومتطلباته المائية، ولا سيما في التنميتين الحضرية والزراعية، يمثل أساس المشكلة في استدامة الموارد المائية والقوى الدافعة الرئيسية لها في هذه الدول. كما تتطلب مواجهة التحديات المائية التي تعيشها دول المجلس إرادة سياسية، وتدخلاً جذرياً في البيئة الاجتماعية والاقتصادية السائدة في دول المجلس، وجهوداً علمية وتقنية كبيرة. موضحاً أن الأهم من ذلك هو تحسين مستوى الحوكمة في مجال مشاركة المجتمع لينتقل سلوك المجتمع من كونه جزءاً أساسياً من المشكلة إلى جزء رئيسي في حلها. وفي الجلسة نفسها أكد د. محمد سالمان طايع، أستاذ مساعد في قسم العلوم السياسية في "جامعة القاهرة" في ورقته "سياسات الأمن المائي الوطنية والإقليمية في دول الخليج العربي"، أن المياه تعتبر من أهم مدخلات عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأحد العوامل الرئيسية التي باتت تهدد "الأمن القومي" للدول والمجتمعات، وأشار إلى الدور المتزايد لمتغير المياه في منظومة الأمن القومي لأي دولة، وذلك في ضوء مجموعة من الاعتبارات. وتطرق "طايع" أولاً إلى ظاهرة الجفاف التي اجتاحت العديد من الدول خلال ربع القرن الماضي، بسبب انخفاض الموارد المائية لديها إلى الحدّ الذي دفع بعض المراقبين والمحللين إلى القول إن بعض مناطق العالم توشك أن تشهد مجاعة مائية حقيقية. كما تحدث عن الاعتبار المتمثل في تفاقم مشكلة الغذاء في عديد من الدول الواقعة في نصف الكرة الجنوبي. ومن ناحية ثالثة تناول "طايع" التزايد المطّرد في استخدام المياه للأغراض التنموية (الزراعية والصناعية وتوليد الكهرباء)، واختتم هذه الاعتبارات في ظاهرة الانفجار السكاني، خصوصا في العالم النامي. وحول خصوصية الحالة المائية لدول الخليج العربي، قال طايع إن هذه الدول تعتمد على تحلية مياه البحر في تأمين مصادر المياه العذبة التي تلبي أكثر من 70% من مجموع الاحتياجات المائية لسكانها، وأشار إلى أن مفهوم "الأمن المائي في الخليج" تتداخل فيه الأبعاد الأمنية المتعلقة بالمياه العذبة، مع تلك المتعلقة بمياه الخليج المالحة، لأن الأخيرة تمثل الرافد الأساسي والمورد الرئيسي لتوفير النسبة الغالبة من الموارد المائية في تلك المنطقة. كما قدم طايع في ورقته تحليلاً للعلاقات السياسية المرتبطة بالمياه، وقام بتحليل الظواهر السياسية المحلية والدولية في ضوء الثوابت والحقائق المائية، من خلال تطبيق "مؤشرات الأمن المائي" الخمسة على حالة دول الخليج العربي باستعراض حالة الوضع المائي في دول الخليج الست، محدداً أهم التهديدات التي تواجه الأمن المائي في الخليج العربي. واختتم طايع ورقته بتحليل أبرز السياسات والاستراتيجيات التي يمكن اعتمادها لمواجهة تلك التهديدات، عبر تقسيمها إلى استراتيجيات قديمة، واستراتيجيات مستحدثة، أي تلك التي تم الأخذ بها خلال العقدين الأخيرين. وقال إن اللافت للنظر أن بعض أنواع الاستراتيجيات الحديثة لم يطبّق بعد، إذ لاتزال في طور التفكير وإعداد الدراسات الخاصة بها. وفي ختام فعاليات اليوم الأول أشار الدكتور نديم فرج الله، أستاذ مشارك في قسم تصميم المناظر الطبيعية وإدارة النظم البيئية في "الجامعة الأمريكية" في بيروت، في ورقته بعنوان "مستقبل إمدادات المياه والطلب عليها في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية" إلى أن تزايد عدد السكان ونمو الاقتصادات وتغيرات المناخ أدت إلى زيادة في الطلب على المياه، حيث قدرت دراسات حديثة زيادة الطلب العالمي على المياه بحلول عام 2030 بنسبة 40٪ على ما هو عليه اليوم. وأضاف فرج الله أن ذلك سينعكس على دول "مجلس التعاون لدول الخليج العربية"، حيث يبلغ متوسط معدلات النمو السنوي لكل من السكان والناتج المحلي الإجمالي في دول "مجلس التعاون لدول الخليج العربية" نحو 7٪، في حين أن نسبة النمو السنوي للطلب على المياه قاربت 17٪، وأوضح أنه على الرغم من أن إمدادات المياه العذبة ظلت ثابتة، فقد تراجعت حصة الفرد من موارد المياه العذبة الداخلية بنحو 23٪، حيث عانت قطر أكبر انخفاض بنسبة قاربت 60٪، تليها دولة الإمارات العربية المتحدة بنسبة 52٪ ومملكة البحرين بنسبة 50٪. وأكد فرج الله محدودية المياه العذبة في دول "مجلس التعاون لدول الخليج العربية"، حيث يأتي معظمها من مصادر جوفية، بينما تأتي كمية قليلة من المصادر السطحية. وأضاف أن الموارد المتاحة لا تكفي لتلبية احتياجات شعوب هذه الدول، ويجري بالتالي زيادتها بصورة رئيسية عن طريق تحلية مياه البحر. مرجّحاً أن تصبح مصادر المياه العذبة أكثر ندرة في المنطقة نتيجة التغيرات المناخية. وتطرق فرج الله إلى مزاعم بعضهم أن هطول الأمطار على شبه الجزيرة العربية يمكن أن يتدنى بنسبة تصل إلى15%-20٪. وقال فرج الله: إن العرض والطلب على المياه وجهان لعملة واحدة، فلا يمكن لأحدهما أن يكون أكبر من الآخر. وإن الاتجاه الحالي للطلب المتزايد والعرض الثابت في المنطقة غير مستدام، حيث تتم تلبية معظم الاحتياجات لهذه الدول عن طريق تحلية مياه البحر، لكنه أوضح أن هذا ينطوي على تكاليف مالية كبيرة؛ إذ تستخدم السعودية 1.5 مليون برميل من النفط لتحلية 24 مليون متر مكعب من المياه يومياً. وإذا لم يحدث تحول كبير في الطلب، فسوف تمثل ندرة المياه عقبة رئيسية أمام التنمية الإقليمية. كما تناول فرج الله في ختام ورقته إمدادات المياه والطلب عليها بمزيد من التفصيل، عبر رسم الخطوط العريضة لأثر التغيرات المناخية في الموارد، واقترح بعض التدابير للتكيف مع الزيادات السكانية ونمو الاقتصادات وتغير المناخ.