أزمة السد الأثيوبي. جعلتنا نستدير للخلف. رغما عنا. كي ننظر تجاه القارة الأم. وهي القارة الأفريقية.. بعد أن كنا علي مدي عشرات السنين لا ننظر إلا شمالا تجاه أوروبا وأمريكا وندير ظهرنا لأفريقيا!! ولا جدال في أن عيون العالم كله كانت متجهة لأفريقيا إلا نحن. فقد أصابنا العمي والصمم والخرس فيما يتعلق بكل ما هو افريقي. حتي جاءت صدمة السد الأثيوبي فعالجتنا من هذه الأمراض كما يعالج بعض المرضي بالصدمات الكهربائية.. وان كان هذا العلاج قد جاء بعد فوات الأوان!! افريقيا.. قارة بكر وفيها مجالات غير محدودة للاستثمار والتعاون مع دولها.. وهي مطمع لكل القوي العالمية التي تسعي للحصول علي ثرواتها الهائلة وإمكاناتها غير المحدودة. سواء في مجالات التعدين أو البترول أو الزراعة أو الطاقة أو المياه.. أو القوي العاملة الرخيصة والوفيرة فيها! الصراع علي أشده بين القوي الكبري وغير الكبري للفوز بمشروعات البنية الأساسية والمشروعات الصناعية القائمة علي التعدين والزراعة والثروة الحيوانية وترويض الأنهار وإقامة السدود! والسدود الأثيوبية ليست هي الوحيدة التي يجري إنشاؤها علي منابع النيل!! فكل من أوغندا أو تنزانيا - وهما من دول المنبع - قررتا إقامة سدود لإنتاج الكهرباء.. وهناك منافسة شرسة بين الشركات الصينية والأمريكية وغيرها للفوز بإقامة هذه السدود والاستثمار في مجال المياه والكهرباء. حيث أصبح العطش العالمي للكهرباء والطاقة لا يقل حدة عن العطش المائي! وحتي شركات دولة جنوب افريقيا أصبحت تزاحم شركات الدول الكبري علي منابع النيل. حيث تشير التقارير إلي فوز إحدي مؤسسات جنوب افريقيا بامتياز عمل مدته 20 عاما لإنشاء محطات لتوليد الكهرباء في شرق أوغندا أعلي أحد روافد نهر النيل! وهناك صراع صيني - أمريكي علي البترول الأفريقي بعد تزايد الاكتشافات البترولية في وسط وغرب افريقيا.. وهو صراع اقتصادي يعتمد علي تقديم الاغراءات والتسهيلات والمنح والمساعدات للحكومات الأفريقية. بل وتأجيج الصراعات بين العرقيات المختلفة في الدولة الواحدة مثلما حدث في السودان وتقسيمها إلي دولتين بعد اكتشاف البترول في منطقة أبيي! ولا شك في أن المنح والمساعدات ومشروعات البنية التحتية لا تقدمها القوي الكبري إلي الدول الافريقية لوجه الله.. وإنما لخدمة الشركات والمشروعات الاستثمارية الأجنبية التي تجني الخير الوفير من القارة الافريقية. كما أن هناك صراعا صينيا - يابانيا علي خيرات أفريقيا!.. إضافة إلي دخول كل من اسرائيل و ايران وتركيا وغيرها حلبة السباق! ومنذ أيام شهدت اليابان مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في افريقيا "التيكاد" بحضور 40 دولة افريقية. ولعل ما قاله رئيس الوزراء الياباني "شينزو أبي" يجسد الصراع بين بلاده والصين والسباق المحموم نحو الاستحواذ علي خيرات القارة. حيث أكد "أبي" ان افريقيا سوف تصبح القوة المحركة لاقتصاد العالم خلال العقود القادمة. ووعد بتقديم مساعدات ضخمة للقارة فيما وصفه المراقبون بأنه محاولة من اليابان لمجاراة التغلغل الصيني في أفريقيا.. وركز "أبي" في المؤتمر الصحفي علي ان اليابان لن تجلب الموارد الطبيعية من أفريقيا إلي بلاده قائلا: "نحن نريد تحقيق نهضة صناعية في افريقيا لتحقيق التنمية وتوفير فرص العمل". وتشير التقارير إلي أنه رغم الروابط الطويلة نسبيا بين اليابان وافريقيا فإن أهمية اليابان بالنسبة للقارة السمراء توارت خلف توغل الصين التي ارتفع حجم تجارتها مع الدول الأفريقية إلي خمسة أضعاف حجم التجارة اليابانية.. كما بلغ حجم الاستثمارات المباشرة للصين في افريقيا ثمانية أضعاف نظيرتها اليابانية! وفي ظل الصراع علي موارد افريقيا يشير الغرب بأصابع الاتهام إلي الصين بأنها تسعي للهيمنة علي موارد القارة دون أن تعير اهتماما لقضايا حقوق الإنسان أو شفافية نظم الحكم في الدول التي تحظي بالاستثمارات الصينية! وإذا كانت القارة السمراء قد أصبحت مرتعا للشركات الكبري ومغنما للدول الساعية إلي ترسيخ اقدامها داخل القارة في صورة استعمارية جديدة.. فلا جدال في ان الشعوب الافريقية لن تنظر بعين الارتياب لأية دولة من القارة تسعي للاستثمار في أراضي هذه الشعوب. ولا جدال ايضا في ان استثمارات دولة جنوب افريقيا تحظي بترحاب أكبر علي المستوي الشعبي مقارنة بالاستثمارات القادمة من وراء البحار ومن أقاصي اليابسة.. وان كان للحكام والساسة حسابات أخري!! وخيبتنا القوية في الشأن الأفريقي لا يعادلها شيء سوي ما تعاني منه البلاد من خيبات واخفاقات داخلية وخارجية علي مدي عقود حيث أعطي الساسة والمسئولون ظهورهم لكل شيء والتفتوا للتمحور حول تحقيق مطامعهم الذاتية التي قضت عليهم وادخلت البلاد في دوامة. لا ملاذ منها ولا مخرج إلا بمعجزة. بعد أن انتهت أزمان المعجزات!! ** أفكار مضغوطة: الصدق عز حتي لو كان فيه ما تكره.. والكذب ذل حتي لو كان فيه ما تحب! "فيس بوك"