منذ عشرات السنين انطلقت التحذيرات المبنية علي الدراسات العلمية لتؤكد أن القرن الحادي والعشرين هو قرن الصراع علي المياه. خصوصاً في القارة الأفريقية! ومنذ عشرات السنين ونحن ندرك أننا في مصر مقبلون علي ندرة في الغذاء نتيجة للزيادة السكانية الرهيبة.. والعالم أيضاً معنا سوف يواجه هذه المجاعة نتيجة للانفجار السكاني! مع ذلك لم تتحرك الدولة طوال السنين الماضية لوضع الحلول العلمية والتصورات المستقبلية لمواجهة هذه الأزمة! كذلك أشارت دراسات عديدة إلي أن نماذج المحاكاة لتوزيع مياه الأمطار علي الكرة الأرضية تشير إلي حدوث تغييرات كبيرة مستقبلية في أماكن سقوط الأمطار وكمياتها.. وذلك نتيجة للتغيرات المناخية التي يشهدها كوكب الأرض بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري.. الأمر الذي قد يترتب عليه شح الأمطار عند منابع النيل وانخفاض ايرادات النهر.. ومع ذلك لم يفكر أحد في البحث عن بدائل واقعية للمشكلة. سواء علي المدي القريب أو البعيد! وبغض النظر عن المواقف السياسية ما بين متشددة ولينة.. فقد كانت الخطة الأثيوبية لإقامة السدود معروفة بالنسبة لنا وللسودان وللعالم بأسره.. ومع ذلك بقينا "محلك سر"! وكما نحن حريصون علي التمسك بحصتنا في مياه النيل وعدم التنازل عن أي كمية منها.. فلا شك في أن الحكومة الأثيوبية حريصة علي مصالح شعبها وتحقيق آماله وطموحاته! ومن نافلة القول.. إن الماء هو الحياة.. وهو الاقتصاد.. فلا حياة ولا زراعة ولا صناعة بدون مياه.. ولولا المياه لما وجدت الحياة علي سطح الأرض ولأصبح كوكبنا قاحلاً أجرد لا نبات فيه ولا حيوان! واقتصاديات المياه مردوداتها عالية جداً.. خصوصاً إذا تمت الاستفادة منها بشكل جيد.. فالسدود تولد الكهرباء.. وتوفر المياه لزراعة المحاصيل.. وكل من الكهرباء والمحاصيل تساوي أموالاً.. وأموالاً كثيرة. والقاصي والداني يعرف كم عانت أثيوبيا وغيرها من الدول في منطقة القرن الأفريقي ومنابع النيل من دورات الجفاف وعدم هطول الأمطار. مما كان يقضي علي الحرث والنسل.. وكنا نشاهد علي شاشات التليفزيون وفي صفحات الجرائد صور الحيوانات النافقة بسبب العطش والجفاف والأراضي التي ماتت بها المحاصيل قبل نضجها والأطفال الذين يتضورون جوعاً وهم أشبه بالهياكل العظمية تنهشهم الأمراض.. وقوافل النازحين عبر التلال والسهول بحثاً عن نقطة ماء! كل هذا ربما يكون مبرراً لأثيوبيا كي تقيم السدود لتخزين المياه من أجل الحفاظ علي شعبها واستغلال ما في أرضها من ثروات..! لكن هذا بالطبع لا يكون علي حساب كل من مصر والسودان. دولتي المصب. أو لا يعني تأمين المياه والكهرباء لأثيوبيا. خصماً من حق الشعبين المصري والسوداني في مياه النيل! وفي ظل المعطيات الجديدة.. لابد أن نتصرف بعقل وحكمة.. ودون التورط في حروب أو عداوات قد تكلفنا الكثير وقد يترتب عليها مشكلات نحن في غني عنها.. وأن يظل خيار المواجهات العسكرية هو آخر الخيارات إن كان مطروحاً. وفي عالم السياسة لا يمكن لطرف أن يأخذ كل ما يريد.. فالواقع يؤكد أن هناك حلولاً وسطاً. حتي وإن بدا أن كل طرف متشبث بموقفه.. المهم أن نصل إلي حلول ترضي أطراف النزاع! في الوقت نفسه.. وبدلاً من المزايدات وتبادل الاتهامات.. والمهاترات التي انخرط فيها كثير من أقطاب السياسة وخبراء المياه في مصر حيال اقامة السدود الأثيوبية.. علينا أن نبدأ في طرح البدائل العملية للتغلب علي مشكلة المياه. إن حصتنا الحالية من مياه النيل حتي لو استطعنا الحفاظ عليها ولم تتأثر بالسدود الأثيوبية لن تكفينا مع الزيادة السكانية المطردة.. كما أن مصر مصنفة ضمن الدول التي تعاني من الفقر المائي! لذلك.. علينا أن ننفق المزيد والمزيد من الأموال علي الأبحاث الخاصة بتحلية مياه البحر واستنباط طرق جديدة وتقنيات حديثة لخفض تكاليف التحلية. حتي يمكن أن نلبي احتياجاتنا المتزايدة من المياه! علينا.. أن ننفق المزيد والمزيد من الأموال وبذل الجهود وتشجيع العلماء علي الابتكار والعمل من أجل توفير المياه العذبة لكل مواطن سواء في المدي المنظور أو غير المنظور! علينا.. أن نلتفت إلي العلم والعلماء.. هؤلاء العلماء الذين طالما أهملناهم ووضعناهم في آخر الصفوف رغم انهم الأجدر بأن يكونوا في طليعة المجتمع.. وأن نوفر لهم الحياة الكريمة والحافز السخي من أجل البحث عن علاج لأمراضنا المزمنة ومشاكلنا المستعصية والتي لن نتغلب عليها بغير العلم والتكنولوجيا! أفيقوا.. فالقضية لا يمكن اختزالها في السدود الأثيوبية.. وإنما سوف تصدمنا التغيرات المناخية ومظاهر الجفاف والتصحر.. ولا عذر للنيام في عالم لا يعرف النوم! ** أفكار مضغوطة : المعرفة ليست المعلومات.. مصدر المعرفة هو التجربة والخبرة. "البرت آينشتاين"