أسئلة مشروعة .. عن قيود الصيدليات بعيداً عن التهويل الذي يصف حالنا بأننا نعيش أزمة اقتصادية خانقة تكاد تعصف بالأخضر واليابس في مصر وتجعلنا نشد الأحزمة علي البطون ونضع أيادينا علي قلوبنا خوفاً من الغد. وبعيداً عن التهوين الذي يسطح الأمور ويرسم صورة وردية غير موجودة علي أرض الواقع ويصف حالنا بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان ويجب أن نقبّل أيادينا علي ما نحن فيه. بعيداً عن هذا وذاك.. تعالوا نعترف بأننا نمر بظروف اقتصادية صعبة.. لم تصل بعد ولن تصل بإذن الله إلي حد الأزمة الخانقة طالما ان هناك فكراً وجهداً والتزاماً ونية خالصة لوجه الله. ما يمكن أن نقوله عن السياحة مثلاً نقوله أيضاً عن التصدير والصناعة والتجارة والزراعة والخدمات المختلفة وغيرها من الموارد السيادية والحقوق التي كفلها القانون للمواطن. كل مورد أو حق يحتاج إلي تنشيط ورؤي ومثابرة لكي ينهض من كبوته وينطلق وتجني الدولة والمواطن ثماره. قد يصطدم الفكر مع القانون.. وهنا يجب تغيير القانون أو تعديله.. فالمهم النتائج. وما أكثر القوانين الجامدة التي عفا عليها الزمن.. وحان الوقت لتغييرها أو تعديل بعض موادها. كلنا يعلم أن قوانين العمل ومزاولة المهن المختلفة تحتاج إلي غربلة وإعادة صياغة حتي تتماشي مع الزمن الذي نحياه ومتطلبات حياتنا.. خاصة أننا نعاني وبشدة من نوعين للبطالة: بطالة من لم يعمل أصلاً أو لم يعد يعمل بعد نكبة الخصخصة. وبطالة مقنعة لمن هم مدرجون علي قوائم العاملين ويقبضون مرتبات دون عمل. بالتالي.. لابد أن تكون القوانين أكثر شدة وصرامة بحيث تمنح من يستحق وتمنع عمن لا يستحق.. لا أن يستوي في النهاية الذين يعملون والذين لا يعملون. ولابد أيضاً أن تكون القوانين أكثر يسراً بما يسهل العمل لا أن تضع العراقيل وتسد المنافذ علي الناس. نريد أن نتجاوز الظروف الحياتية الصعبة التي نحياها. إن كل قوانين مزاولة المهن تحتاج للنسف من الأساس.. سواء في مجالات الطب أو الصيدلة أو الهندسة أو المحاسبة أو التجارة أو الصحافة أو غيرها. علي سبيل المثال لا الحصر القانون 127 لسنة 1955 الذي ينظم مهنة الصيدلة. لقد تلقيت خلال اليومين الماضيين العديد من اتصالات الشباب خريجي كلية الصيدلة.. وكلهم يؤكدون بشكل أو بآخر علي أن هذا القانون بصفة عامة والمادة 30 منه بصفة خاصة تقف حائلاً أمامهم وتعوق انطلاقهم وتنسف أحلامهم التي طالما حلموا بها ودفعتهم إلي التفوق بجدارة في الثانوية العامة وطوال سنوات الدراسة الجامعية ليتخرجوا ويصطدموا بالواقع المر وبالقانون الذي يكبل خطاهم. تقول المادة "30": "لا يمنح الترخيص بانشاء صيدلية إلا لصيدلي مرخص له بمزاولة مهنته يكون مضي علي تخرجه سنة علي الأقل قضاها في مزاولة المهنة في مؤسسة حكومية أو أهلية.. ويعفي من شرط قضاء هذه المدة الصيدلي الذي تؤول إليه الملكية بطريقة الميراث أو الوصية". "ولا يجوز للصيدلي أن يكون مالكاً أو شريكاً في أكثر من صيدليتين أو موظفاً حكومياً". "ويراعي ألا تقل المسافة بين الصيدلية المطلوب الترخيص لها وأقرب صيدلية مرخص لها علي 100 متر". ورغم أن المادة كلها عليها انتقادات لن تستوعبها المساحة.. فإنني فقط سأتوقف أمام الفقرة الأخيرة من هذه المادة التي تحدد المسافة بين الصيدليات. أود أن أوجه عدة أسئلة للمشرع: أولاً : ما الضرر الذي سيقع علي الدولة أو علي محافظة من المحافظات أو علي مدينة من المدن أو علي المهنة نفسها إذا أقيمت صيدلية بجوار أخري؟ ثانياً : ما المانع الأخلاقي أو المهني إذا تجاورت صيدليتان أو كانت المسافة بينهما أقل من 100 متر؟ ثالثاً : أين التنافس الحر إذا كنا نكبل المهنة بمواد قانونية جامدة؟ * رابعاً : لماذا هذا التقييد غير المبرر والذي جعل نشاط الصيدلة هو الوحيد المقيد وسط كل الأنشطة؟ * خامساً : ألا يري المشرع أن في عمارة واحدة.. بل وفي طابق واحد منها نجد أكثر من طبيب للعيون أو للقلب أو لأمراض الجهاز الهضمي وغيرها؟.. فلماذا نخنق الصيدلة؟ أرجوكم.. لا تحاربوا الشباب.. اتركوهم يعملون.. فقد تفوقوا ونبغوا ولن يكلفوا الدولة شيئاً ولن يطلبوا وظيفة حكومية.. فهل أنتم راضون عن وضعهم بلا عمل؟ يسروا لهم السبل ولا تعسروها.. انهم الأحق بالمساندة وتمهيد الطريق أمامهم ليبدأوا حياة جديدة.