ليست الميزة الوحيدة في سعد عبد الرحمن رئيس الثقافة الجماهيرية الجديد أنه ابن هذا الجهاز الذي بدأ فيه السلم من أوله حتي وصل إلي قمته. فهو فوق ذلك وقبله شاعر ومثقف انتمي للثقافة الجماهيرية لإيمانه بدورها المهم والحيوي ورغبة منه في ممارسة عمل يحبه وليس مجرد الحصول علي الوظيفة. وفضلاً عن ذلك فان لسعد عبد الرحمن مواقف وانتماءات سياسية محترمة في حد ذاتها. ومحترمة أكثر لأنها كانت في زمن القابض فيه عليها مثل القابض علي الجمر. وعلي الرغم من ذلك لم يتاجر سعد عبد الرحمن بهذه المواقف علي عكس ما يفعله الأن نهازو الفرص من المدعين والمتنطعين والآكلين علي كل الموائد وركاب الموجة من الأفاقين.. حتي إن الرجل الذي كنت أشاهده كل يوم في ميدان التحرير . كان وقتها وكيلاً للوزارة - لم يتحدث إطلاقاً عن هذه المشاركة ولم يتاجر بها مثلما يفعل الآن من مروا علي الميدان لمجرد النزهة أو التقاط الصور التذكارية أو تزجية الوقت مع الخليلات!! * قلت للشاعر سعد عبد الرحمن : بما أنك واحد من أبناء الهيئة العالمين بأدق تفاصيلها ما هي استراتيجيتك للعمل خلال المرحلة الحالية؟ - قال : الهيئة عليها عبء كبير خلال هذه الفترة. خصوصاً بعد ظهور أفق جديد يقتضي بأن يتم تعديل في توجهات الهيئة. بحيث لم يعد مقبولاً الأنشطة التي تهدف إلي الفرقعة الإعلامية والأنشطة المفتعلة التي لم تكن من أهداف الثقافة بقدر ما كانت من أهداف النظام البائد. الثقافة الجماهيرية معنية ببناء وعي ووجدان المواطن بما يتلاءم مع المرحلة الجديدة التي يلوح فيها أفق للديمقراطية نأمل أن تكون ديمقراطية حقيقية. "مصالح ضيقة" * هل ستحكمك انتماءاتك السياسية في عملك وقد كنت عضوا في كفاية مثلاً؟ الأنتماءات السياسية تخصني وحدي ولا علاقة لها بعملي . لقد كنت أحد المؤسسين للحزب الناصري ولم أستمر. اكتشفت أن هناك صراعات ومصالح ضيقة أنا من "منازلهم" أحمل هذا الفكر وهذا المبدأ . ولكن هناك فرقاً بين انتمائي لتيار سياسي معين وبين عملي في مؤسسة موجهة للشعب المصري كله. فإذا كنت لا أحب أن يفرض علي أحد قناعاته وأفكاره فيجب ألا أفرض علي أحد قناعاتي وأفكاري. "هدم لنظام" * أنت واحد ممن شاركوا في الثورة التي طالبت بهدم النظام القديم .. كيف ستطبق ذلك في الهيئة؟ - نحن في حاجة إلي فترة انتقالية. تماماً مثل الفترة الانتقالية التي تعيشها البلاد كلها الأن لابد أولاً أن أزيل أسباب الاحتقانات الموجودة. الموظف حتي يكون حريصا علي أداء عمله بشكل جيد لابد أن يحصل علي حقه . وهذه أهم أولوياتي الآن. * هل هي ترضيات أم إزالة احتقانات موجودة ومبررة فعلاً؟ - هناك مطالب كثيرة مشروعة. وأخري داخلة في إطار الفوضي وهي ليست كثيرة لكنها مزعجة ومعوقة. هذه المؤسسة لديها مشاكل تعوقها وتهدر طاقتها . منها مثلاً البطالة المقنعة فهناك 17 ألف موظف لا يمكن أن أتخلص منهم طبعاً . ولكن التدريب لابد أن يعمل بطريقة صحيحة حتي نستفيد من هذا الكم الهائل من الموظفين. * وهل هناك أفكار محددة في هذا الشأن؟ - هناك أفكار كثيرة أقر بها مثلاً ما أخبرني به د. عماد أبو غازي وزير الثقافة حيث قال إن هناك مشروعاً تقدمت به إحدي الناشطات لمحو الأمية عن طريق الهيئة. وأنا لدي جيش من الموظفين لو استطعت تدريبهم علي هذا العمل سأحقق انجازاً مهماً وأحول هذه الطاقات المهدرة إلي طاقات عاملة ومنتجة "عدالة غائبة" * ولكن الموظفين محبطون علي المستوي الاقتصادي فالرواتب والمكافآت لا تكاد تفي باحتياجاتهم لمدة أسبوع واحد وليس شهراً كاملاً؟ - اعترف بأن هناك غياباً للعدالة في توزيع المزايا النقدية من مكافآت وحوافز. أما الرواتب فهي متعلقة بالدولة ككل وأتمني أن تمضي في تحديد الحد الأدني للأجور الذي طالب الكثيرون بألا يقل عن 1200 جنيه شهرياً. ما أستطيع عمله الان هو تحقيق العدالة في توزيع الجهود والحوافز والمكافآت .. هناك من يحصلون علي نصيب الأسود وهناك من يحصلون علي الفتات . وقد شكلت لجنة تم تمثيل الأقاليم فيها وكذالك الشباب لوضع تصور حول كيفية توزيع هذه المكافأت بشكل عادل بحيث يكون هناك تناسب بين الحد الأقصي والحد الأدني. فليس معقولاً أن يحصل موظف مثلاً علي ألف جنيه في حين يحصل زميل له علي 17 جنيهاً. * الشباب الذين يعملون بعقود مؤقتة . في حاجة إلي الشعور بالاطمئنان علي مستقبلهم .. متي يحدث ذلك؟ - هذه قضية مهمة للغاية فنحن لدينا حوالي 7 آلاف يعملون بعقود مؤقتة . منهم من أكمل 3 سنوات وهؤلاء يبلغ عددهم 4500 وقد أرسلنا ملفاتهم حتي يتم تثبيتهم. وكل من أمضي 3 سنوات حتي يونيو القادم تم إرسال ملفه. "تخوفات" * هناك شائعات وتخوفات من تجاهل بعض مستحقي التعيين.. كيف تطمئن الناس؟ - طلبت من مديرة شئون العاملين إعداد كشوف بأسماء من تم إرسال ملفاتهم إلي التنظيم والادارة وتعليق هذه الكشوف في المواقع الثقافية.. حتي يطمئن الجميع. ومن لا يجد اسمه في الكشوف ويكون مستحقاً للتثبيت يتقدم بطلب إلي وسوف يتم تصحيح الأمر فوراً. * وهل هناك فرصة لمزيد من العقود . خاصة أن شباباً كثيرين لا يجدون فرصة عمل؟ - للأسف الشديد أنا متوقف تماماً عن قبول أي طلبات جديدة. وأعلنها من خلال "المساء" وأرجو ألا يضغط أحد علي لأنني لن أتأخر إذا كانت هناك فرصة فعلاً. لكن البلد في أزمة ولا أريد أن أضيف أعباء جديدة علي الدولة وأرجو أن نتحمل قليلا لأن القادم يكون أفضل بالتأكيد. "أبناء العاملين" * وهل إذا جاءت هذه الفرصة ستكون هناك أولوية لأبناء العاملين الذين أفنوا حياتهم في العمل بالهيئة؟ - هذا ممكن بالتأكيد خاصة ذوي الظروف الخاصة. موظف صغير مثلاً ولدية ثلاثة أبناء لا يعملون ويشكلون عبئا عليه لماذا لا نعين أحدهم ؟ هذا حقهم الذي سأحارب من أجله.. ولكن يجب أن ننتهي من ملف التثبيت أولاً ثم بعد ذلك ننظر للطلبات الجديدة. وطالما كانت هناك فرصة فلماذا نحجبها. فليس من العدل أن تكون هناك ثروات بالمليارات لدي البعض . ومعظم الشباب لا يجدون فرصة عمل. لقد كان الرئيس المخلوع يردد دائما " أجيب لكم منين" ثم اكتشفنا أنه كنز هو وأولاده وعصابته ما لم يستطيع قارون نفسه تحقيقه. * علمت أنك تسعي لتغيير اسم " هيئة قصور الثقافة" الي "الثقافة الجماهيرية" وأساسا هو الاسم القديم "الثقافة الجماهيرية" وأساسا هو الاسم الدال علي طبيعة المؤسسة. ثقافة تضعها الجماهير وتقدمها إلي الجماهير. وفي اول مقابلة لي مع د. عماد أبو غازي وقبل أن أتسلم قرار التعيين قال لي هل من الممكن أن نعيد الاسم القديم. فقلت له إن معظم الناس لديهم هذه الرغبة. ولكن المشكلة أن القرار الجمهوري 63 لسنه 89 الخاص بإنشاء الهيئة جاء فيه "الهيئة العامة لقصور الثقافة" فأخبرني د. أبو غازي أنه من الممكن تغيير الاسم سواء من خلال المجلس الأعلي للقوات المسلحة أوحتي من خلال الرئيس القادم. وقد سارعت بإرسال مذكرة إليه بهذا الشأن. * لديك طموحات كبيرة فيما يخص أنشطة الهيئة.. ولديك 27 مليون جنيه فقط لتنفيذ هذه الانشطة .. كييف تحل هذه المعادلة؟ - أمل فيما هو قادم . فعندما تستقر الأوضاع ويحقق الشعب دولته الديمقراطيه التي كان ينشدها سيكون هناك اهتمام أكبر بالثقافة.وأعتقد أن اكتمال البناء الديمقراطي ستسهم فيه الثقافة بشكل أساسي لأنها تعمل علي بناء وعي الناس وعندما يزدهر هذا الوعي فلن تجد من يعتبر " الديمقراطي" كافرا ولا يعرف ربنا.. وإلي أن يتحقق ذلك سنعمل بهذا المبلغ.. والمهم أن نركز علي الانشطة المهمة والفاعلة ونستبعد الأنشطة الكرنفالية والمفتعلة.. وبشكل عام أنا متفائل بمستقبل الثقافة الجماهيرية ومستقبل مصر عموماً.