أكدت د. سحر الطويلة.. مدير مركز العقد الاجتماعي ان العدالة بين أفراد المجتمع لا تتحقق فقط من خلال التناسب بين الأجور والأسعار ولكن يجب أن ينضم لهذه المعادلة مفهوم الانتاجية حتي يتحقق التكامل بين العناصر الثلاثة. قالت في حوار ل ¢المساء¢ ان التفاوت الصارخ في المرتبات في مصر لا يوجد في أي دولة من دول العالم حيث لا تتجاوز النسبة 1 الي 14 داخل أي مؤسسة بينما في مصر تتراوح من 1 الي 1000 في بعض الأحيان. أوضحت ان العقد الاجتماعي الجديد يجب أن يحقق مفاهيم أساسية هي العلاقة الأفقية المتوازنة بين الدولة والمواطن والتحديد الدقيق لسلطات الدولة الثلاث وتعزيز مبدأ المواطنة علي أرض الواقع. أشارت إلي اننا لسنا في حاجة الي ديوان المظالم بشرط تفعيل دور الجهات الرقابية القائمة والتحديد الدقيق لنظام العمل بالجهات والمؤسسات المختلفة حتي لا نترك فرصة للتلاعب من جانب أي جهة من الجهات. * قلنا للدكتورة سحر الطويلة تعيش مصر فترة فاصلة في تاريخها فما هي من وجهة نظرك الأسباب التي جعلت الشعب يثور ويرفض العلاقة التي كانت قائمة بين الدولة والمواطن؟ ** شئنا أم أبينا نحن في حاجة ماسة الي عقد اجتماعي جديد تعاد صياغته فبمجرد أن نجح الشعب في اسقاط النظام كان ذلك بمثابة اعلان عن رفضه التام لكل ما هو قائم وقت انطلاق الثورة ونحن هنا نعيش حالة يجب ان نحددها بدقة فالفترة السابقة لم تكن تتسم بوجود عقد اجتماعي بين الدولة والمواطن بقدر ما كانت تتسم بوجود عقد اجتماعي غير واضح المعالم فالعقد الاجتماعي ببساطة شديدة له ثلاثة أركان رئيسية الأول حقوق واضحة للمواطن وواجبات ملزمة والثاني أدوار محددة لسلطات الدولة المختلفة من قضائية وتشريعية وتنفيذية والثالث شكل العلاقة بين هذه السلطات الثلاث وإذا تحدثنا بشيء من التفصيل عن هذه الأركان الثلاثة نجد انه فيما يخص الركن الأول وهو حقوق المواطن نجد ان المواطن لا يعرف ما هي حقوقه وحتي عندما يطالب بجزء منها يقال انه لا حق له فيها وأصبح هناك ضباب في تحديد الحقوق وحتي عندما يتم تحديد ما هو الحق لم يكن هناك آليات واضحة للحصول علي هذا الحق أو حتي الشكوي من عدم الحصول عليه.. وفيما يخص أدوار سلطات الدولة الثلاث كان هناك لبس وتداخل بين أدوارها وعدم قيامها به فعلي سبيل المثال الدور الأساسي للسلطة التنفيذية هو إدارة الحياة اليومية وتقديم الخدمات الجماهيرية ولكن ما حدث علي أرض الواقع هو ترد في هذه الخدمات وعدم التمكن من الحصول عليها ومثال آخر دور المؤسسة الأمنية فبدلا من أن يكون دورها الأساسي حماية أمن المواطن بمعناه الشامل تفرغت للأمن السياسي وحماية النظام كذلك السلطة القضائية فإن دورها الحقيقي تنفيذ القانون علي جميع المواطنين ولكننا طلبنا منها أدوارا أخري حيث كنا ننتظر منها التعامل مع مشكلات اجتماعية كالطائفية بانتظار احكامها في بعض القضايا في هذا المجال وكأنها ستحل المشكلة رغم ان الدور الأساسي في حل هذه القضية للأسرة والمدرسة والمؤسسة الدينية والاعلام وبعد ذلك يأتي دور القضاء في اصدار احكام ضد من يخترق المنظومة التي تم تحديدها . * إذا كان هذا هو الوضع في الماضي فما هي رؤيتك لصياغة عقد اجتماعي جديد يصلح لأن يكون منهاجا للمستقبل؟ ** يجب أن نعترف أولا اننا نعيش فترة في منتهي الصعوبة وهناك اهتمام شديد من جانب جميع فئات المجتمع بإجراء تعديلات دستورية وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية خلال 6 أشهر تمهيدا لإعداد دستور جديد باعتباره الحاكم لكيان الدولة لكن يجب في نفس الوقت أن نستغل هذه الفترة في اجراء حوار وطني جاد يضم كل الأطراف والأطياف لتحديد المباديء المتعلقة بالعقد الاجتماعي الجديد والذي يجب أن يراعي فيها كما يحدث في كل دول العالم وجود علاقات أفقية متوازنة بين الدولة والمواطن وسلطات الدولة بعضها البعض وبين القوي الموجودة في الدولة كالحكومة والقطاع الخاص والمواطن ومؤسسات المجتمع المدني حيث كانت في الماضي علاقات رأسية وسلطة تنفيذية تجبرت علي حساب السلطات الأخري القضائية والتشريعية ومجتمع مدني مستضعف وغياب أي شكل من أشكال التواصل بين المواطن والمجتمع المدني من جانب والدولة من جانب آخر وهذه النقاط يجب أن تترجم في الدستور بتحديد دقيق لسلطات رئيس الجمهورية الذي يختاره الشعب لتسيير أمور الدولة.. والأمر الثاني هو مفهوم المواطنة بحيث نكون كمصريين بصرف النظر عن النوع أو الدين أو الخلفية الاجتماعية أو المستوي التعليمي متساوين أمام القانون وفي الحصول علي الفرص المؤهلة لحياة كريمة وهذه الحياة الكريمة لها مقومات أساسية تبدأ بتحقيق الأمن للمواطن في بيته وفي الشارع وفي عمله وان يعامل باحترام من مؤسسات الدولة المختلفة ويأتي بعد ذلك جودة الحياة فمن حقه الحصول علي مسكن ملائم مزود بالمرافق الأساسية وتمكين المواطن من خلال التعليم والتدريب ليحصل علي فرصة عمل حقيقية والحماية الاجتماعية التي تشمل التأمين الصحي الشامل والتأمينات الاجتماعية بما تتضمنه من إعانات للبطالة والعجز والأمان للفئات شديدة الفقر.. والأمر الثالث في العقد الاجتماعي الجديد هو المسئولية المجتمعية التي تعني امتلاكنا مجموعة من القيم والمفاهيم مثل فكرة الصالح العام وتغليب المصلحة العامة علي المصلحة الشخصية التي لا يجب ان نسعي الي تحقيقها بنسبة 100% خاصة اذا كانت تتعلق بمصالح الآخرين. * حديثك عن المسئولية المجتمعية يجرنا الي نقطة مهمة وهي موجة التظاهرات والاحتجاجات التي تنطلق باستمرار تطالب بمطالب فئوية وضرورية تحقيقها فورا.. فما رأيك؟ ** يجب هنا أن نفرق بين وضعين الأول ما كنا نعيشه أثناء الثورة حيث حدد الثوار مطالبهم مؤكدين انهم لن يتنازلوا عن تنحي الرئيس وأصروا علي مطالبهم وتحققت لهم بالفعل وهذا في رأيي وضع طبيعي في أيام الثورة ومقبول وليس له بديل أما الآن فيجب أن نصل الي وضع جديد ولغة مختلفة حيث من المهم ان نضع جدولا زمنيا لتحقيق المطالب وفقا لظروفنا وامكانياتنا ومع اعترافنا بضرورة تنفيذ المطالب التي رفعتها الجماهير يجب ان يكون اهتمامنا بعدة نقاط في المستقبل هي تحقيق التوازن بين الأجور والأسعار بشرط أن نضيف اليهما عنصرا ثالثا وهو الانتاجية فوجود تناسب بين هذه العناصر الثلاثة مهم وأساسي كذلك يجب أن يكون هناك مواجهة حقيقية للتفاوت الصارخ بين الأجور فلا يكفي ان يكون هناك تحديد للحد الأدني للأجور أو سقف أعلي لها ولكن الأهم ان يكون هناك كما يحدث في كل دول العالم نسبة وتناسب بين الحد الأدني والحد الأعلي وهذه النسبة تتفاوت من دولة الي أخري تبعا للظروف سواء في المنشآت العامة أو حتي في المؤسسات الخاصة وهي تتراوح من 1 الي 10 أو من 1 الي 14 وفي حالات نادرة يمكن أن تصل من 1 الي 40 ولكن أن تتراوح النسبة في مصر من واحد الي ألف بمعني ان هناك موظفا في مؤسسة ما يحصل علي 1000 جنيه ورئيسه يحصل علي 100000 جنيه فهذا غير مقبول ويجب ان ينتهي هذا الوضع تماما. * ونحن نتحدث عن عقد اجتماعي جديد هناك من يطالب بعودة قيمة التسامح بين افراد المجتمع فكيف يتحقق ذلك؟ ** قبل ثورة 25 يناير كانت قيمة التسامح موجودة ولكنها بمفهوم مغلوط فقد كنا نتسامح مع الفساد بكل مستوياته ويغيب التسامح بين فئات المجتمع المختلفة وهو ما يجب أن نتخلص منه في العهد الجديد وتتبدل الصورة تماما وإذا كنا نبحث عن عقد اجتماعي جديد فيجب ان نحرص علي هذه القيمة وهي لها اشكال عديدة كالتسامح بين المسلمين والأقباط دون التدخل في تفاصيل العقيدة وفي نفس الوقت نرفض التسامح مع أي صورة من صور الفساد.