للزعيم البريطاني الاستعماري القديم ونستون تشرشل عبارة يصف فيها علاقة مصر والسودان بأن الجسد المصري لا يستطيع الحياة بدون الأوكسجين الذي يمثله النيل الواصل بين القطرين. ولعل تسمية وادي النيل التي تطلق علي امتداد القطرين تعكس هذا المعني بصورة صحيحة. والمعني يشمل - بالطبع - صلة مصر والسودان باعتبارهما بلدي المصب. ببلدان المنبع في اعالي النيل. الحقيقة التي تؤكدها كل الدراسات ان غياب الاسلوب العلمي عن وسائل الحفاظ علي مياه النيل من المنبع الي المصب يؤدي إلي تبدد معظمها بالبخر. وبعوامل أخري يسهل علاجها. أذكر ان خبراء الري المصريين قدموا الكثير من الأبحاث التي تعني بالحفاظ علي الثروة المائية في حوض النيل. لكن الأصابع الغربية كانت تجذب خيط الحل الذي لم يكن وحيداً. وهو إنقاص حصة مصر والسودان. بحيث تضاف النسبة المتقطعة إلي دول المنبع. الحجة التي تعلنها دول المنبع في هذا الأمر وجيهة. أو هذا تبدو.. لكن الحل الذي تردد فيه أنفاس غريبة عن القارة قد يعود بالخسارة علي كل دول حوض النيل. في غياب الإهمال غير المبرر لنسبة الفاقد المهدر بين ضفتي النهر. تعالت التحذيرات منذ بدأت أصابع إسرائيل في التسلل إلي الشأن الافريقي. تشير إلي خطورة التحركات الإسرائيلية في منابع النيل.. لكن السادة وزراء الري في حكومتنا المتعاقبة. كانوا يرون ان كل شيء تحت السيطرة. وان مشروعات السدود التي تشيدها أثيوبيا وغيرها من دول الحوض لا تمثل خطورة علي استحقاقات مصر من مياه النيل. لك ان تتصور - بعد تلاشي التصريحات الملونة - مدي الوهم الذي عشنا في اسره. حين صرح أحد هؤلاء الذين اكتفوا بطمأنتنا أثناء توليهم مسئولية مواردنا المائية. ان الخطر قادم. وأن المعالجة واجبة. كان الرجل الطيب يعبث في وقت الجد. ما أرجوه ألا يتواصل هذا العبث في اقتراحات لا ترقي إلي مستوي الأخطار التي تواجهنا. إنها أخطار تمس صميم وجود هذا الوطن. أصابع الاتهام تتجه إلي كثيرين. لكنني الح بالسؤال: متي نفيق إلي المشكلات الأهم في حياتنا: أمن سيناء. ونحر البحر في الدلتا. وتفاقم مشكلة الأمية. وتدني مستويات العيش لغالبية شعبنا.. والأخطر من ذلك كله شريان الحياة الذي تمثله مياه النيل؟