لاشك أن مياه النيل تعتبر قضية حياة أو موت بالنسبة لمصر، ولذا تتطلب الحكمة والتعقل في المعالجة مع دول حوض نهر النيل، لأنها شديدة الحساسية وهناك أصابع خارجية تحاول اللعب من ورائها وبالذات إسرائيل التي تسعي لتنفيذ مشروعات سدود صغيرة في أثيوبيا لحجز جزء من مياه الأمطار الغزيرة التي تسقط علي الهضبة الأثيوبية ويحملها النيل الأزرق إلي المجري حيث يلتقي مع النيل الأبيض القادم من المنابع الإستوائية، وفي مشهد رائع رأيته عند نقطة الملتقي في الخرطوم. ويبدو ظاهرا بعدما توقفت مفاوضات دول حوض النيل في شرم الشيخ أن أثيوبيا تتزعم المعارضة للاتفاقيات القائمة بين دول الحوض وتطالب مصر - وكذا السودان - بالتوقيع علي الاتفاق الإطاري والذي يعيد النظر في حصة مصر من مياه النيل.. ويؤكد الدكتور محمد نصر علام وزير الري والاشغال المائية أن مصر لن توقع علي ذلك الاتفاق إلا في حالة وجود نص صريح يحافظ علي الحقوق والاستخدامات المائية الحالية، وما عداه يضر بالحقوق المصرية في مياه النيل بموجب الاتفاقيات الدولية التي مازالت سارية بين مصر ودول المنبع.. فالقضية تتعلق بالأمن المائي لمصر وهو خط أحمر! ولكن ماذا لو أقدمت دول حوص النيل »المنبع« علي التوقيع منفردة علي مشروع الاتفاق؟ إن ذلك يعتبر مخالفة قانونية للقواعد المتفق عليها في مبادرة حوض النيل وتتقضي بأن يكون الاتفاق بتوافق الدول وليس بالأغلبية وبالتالي يعتبر الاتفاق المطروح خارج إطار المبادرة، ولن يلزم مصر وليس له أي تأثير قانوني علي حقوقها المائية التي تكفلها الاتفاقيات الحالية. والقضية القائمة أن دول المنبع الثماني ترفض الاعتراف بالحقوق التاريخية لكل من مصر والسودان - دولتي المصب - في مياه النهر وبحجة أن الاتفاقيات تم توقيعها في حقبة الاحتلال البريطاني عام 9291، وترفض الإخطار المسبق لدولتي المصب عن المشروعات والإنشاءات التي تقام علي النهر أو فروعه، بما يضمن تدفق مياه النيل دون عوائق باعتبار أنه يخص جميع دول الحوض، وتصر تلك الدول علي قاعدة التصويت بالأغلبية عند نظر البنود الأساسية للاتفاق..! وكما يؤكد الدكتور مفيد شهاب: أن جميع الاتفاقيات التي وقعتها مصر مع دول حوض النيل تنص علي عدم إقامة أي مشروعات علي النيل تؤثر علي حقوق مصر في مياه النهر.. ولكن بعض دول الحوض - المنبع - ترفض الاعتراف بهذه الاتفاقيات بدعوي أنها وقعت في ظل الاحتلال، لكن معاهدة فيينا للتوارث الدولي للمعاهدات تنص علي سريان هذه الاتفاقيات بغض النظر عن تغيير أنظمة الحكم في البلدان الموقعة عليها..! لا جدال في أنها قضية حياة أو موت بالنسبة لمصر لأن نهر النيل هو المصدر الرئيسي والوحيد للمياه، بينما دول أخري - مثل أثيوبيا - تعتمد علي الأمطار.. وما تحصل عليه مصر والسودان من مياه النيل لا يتجاوز 4 في المائة من إيراد النهر وهو الرد علي ما يشاع بالمغالطة بأنهما تحتكران أعلي نسبة في مياه النهر.. فإن نصيب مصر والسودان من مياه النيل حوالي 07 مليار متر مكعب في العام ويخص مصر 55 مليارا ونصف المليار متر مكعب، وبينما حجم الأمطار التي تسقط علي الهضبة الاستوائية والهضبة الأثيوبية »الحبشية« يتجاوز 1661 مليار متر مكعب ويتسرب جزء كبير في باطن الأرض - وبما يزيد مخزونها من المياه الجوفية - أما الباقي فإنه يضيع معظمه فاقدا بالبخر في المناطق الاستوائية أو في البحر. ويعبر الدكتور نصر علام عن الواقع بقوله: إن حصة مصر من مياه النيل محدودة وثابتة مع تزايد السكان إلي 28 مليون نسمة، ونصيب الفرد يقل عن 007 متر مكعب في السنة أي أقل كثيرا من حد الفقر المائي وبينما تصل الفجوة الغذائية إلي 7 مليارات دولار سنويا! وإذن ما هو الحل؟ نحن حريصون علي استمرار التفاوض مع دول حوض النيل للتوصل إلي اتفاق حول تقاسم مياه النهر دون المساس بحقوق مصر التاريخية!