انتهت عمليات الاقتراض الرهيبة التي قام بها الخديو إسماعيل ببيع أسهم مصر في قناة السويس في نوفمبر 1875 حين اشترت انجلترا هذه الأسهم.. وكان شراء انجلترا لها كارثة علي مصر حيث كانت أول خطوة خطتها انجلترا نحو الاحتلال وكان سبب البيع قد رجع إلي ان مصر كانت علي شفا الإفلاس بعد ان كبلتها الديون وتراكمت عليها الفوائد فقد كان علي الحكومة ان تؤدي في ديسمبر من تلك السنة مبالغ ضخمة بقيمة السندات "بونات" علي الخزانة التي تستحق في هذا الموعد واما الوفاء واما إعلان الإفلاس!! عندما فشل الخديو إسماعيل في ايجاد أي مورد من الموارد المالية لم تُرهن بعد.. فلجأ إلي بيع أسهم مصر في القناة وكانت تساوي سبعة علي 16 من رأس المال - وبدلاً من رهنها مقابل قرض - اشترت بريطانيا حق مصر بمبلغ أربعة ملايين جنيه. في أبريل سنة 1876 توقفت مصر عن دفع التزاماتها المالية وأصدر الخديو مرسوماً بتأجيل سداد قيمة السندات والأقساط لمدة ثلاثة أشهر. مع زيادة الأزمات وتعيين مراقب بريطاني هو السيد ريفرسي ولسن صاحب النفوذ الفعال في كل الأمور المالية المصرية. وتعيين الفرنسي مسيو جوبير.. وذلك لتكوين لجنة مراقبة ثنائية علي موارد ومصروفات مصر.. ثم قرر الخديو أن يدخل الاثنان الانجليزي والفرنسي في وزارة الأرمني نوبار باشا!! حيث تولي الإنجليزي وزارة المالية والفرنسي وزارة الأشغال وكان أول ما فعلته هذه الوزارة ان حصلت علي قرض جديد من بنك روتشيلد الإنجليزي بمبلغ 8.5 مليون جنيه ورهنت في مقابله أملاك بعض أفراد الأسرة الخديوية وكانت تقدر بنحو نصف مليون فدان وعهد بادارتها إلي لجنة دولية تسمي قومسيون الأملاك "الميرية" "الدومية" ومؤلفة من مصري وانجليزي وفرنسي. داخل مجلس الوزراء كانت الكلمة العليا للوزيرين الأوروبيين وكان لهما حق الاعتراض علي أي قرار لا يوفقان عليه.. وهكذا ضاعت مصر.. وضاع معها استقلالها.. ويكفي انهما عمدا إلي انقاص عدد الجيش بسبب سوء الحالة الاقتصادية وإحالة نحو 2500 من ضباط الجيش إلي الاستيداع.. ولم تسدد الحكومة ما كان متأخراً للموظفين من رواتب ولم تخصص شيئاً لمرافق البلاد العامة.. فقد اتجهت نية الوزيرين الانجليزي والفرنسي إلي سداد أقساط بعض الديون دون النظر إلي ما دون ذلك من مصالح البلاد. ومضت سنوات الحكم بعد عزل إسماعيل باشا الا ان أي مشروعات مالية كانت تقابل بالفشل حتي أقدمت حكومة مصطفي رياض باشا علي إجراء خطير إذ قررت بيع حصة مصر من أرباح قناة السويس وكان مقدارها 15% من هذه الأرباح - ويقول أحمد حسين في موسوعة تاريخ مصر ان هذه الأرباح بيعت في مقابل مبلغ بخس جداً قدره 700 ألف جنيه. وكان سبب هذه الصفقة الخاسرة ان مصر كانت مضطرة إليها اضطراراً فقد كانت هذه الحصة مرهونة لنقابة من الماليين بباريس ولم يكن بوسع الحكومة تسديد الدين المستحق عليها. هكذا كانت القروض السبب الرئيسي في وقوع مصر فريسة للدائنين الأجانب واعطاء الانجليز مفتاح احتلالهم لمصر.. وبعد ثورة 25 يناير عندما احتاجت مصر إلي قروض مالية لتنفيذ بعض المشروعات أو لتعديل "الحال المايل" للميزانية فقد قام الخبراء بفحص ودراسة الشروط التي تم تقديمها سواء من صندوق النقد الدولي أو من بعض الدول المانحة.. وعندما قررت اصدار صكوك.. والتي تعتبر أحد أنواع السندات ثار جدل عنيف حولها.. ولم يعد سهلاً الحصول علي أي أموال بأي طريقة كما كان يفعل الخديو إسماعيل.. بل أصبحت هناك دراسات لكن تتجنب مصر أي مشاكل متوقعة قد لاتكون في الحسبان!!