عرفت محمود سالم في أول يوم لاشتغالي بالصحافة في عام ..1958 كنا في صالة التحرير في مجلة "التحرير" التي كانت تصدر عن دار الجمهورية. مجموعة من الشبان نخطو خطواتنا الأولي في بلاط صاحبة الجلالة. كلنا أسماء جديدة يفتح لنا "عبدالعزيز صادق" رئيس التحرير الباب واسعاً. وعلي كل منا أن يثبت جدارته واستحقاقه لأن يعبر من هذا الباب: حمدي قنديل ومحمد العزبي وصبري موسي ومفيد فوزي وعبدالقادر حميدة وجمال سليم وفايزة رمضان وعلي شلش ومحمد صدقي وصلاح عزام وضياء الدين بيبرس والسيد الطاهري والرسامون فايز فريد وسونيا حسين وسامية حمام وحسين قدري.. وكان محمود سالم أكبرنا مركزاً. كان سكرتير التحرير. وأكبرنا سناً بسنوات قليلة. لكنه كان بالنسبة إلينا جميعاً هادياً ومرشداً وموجههاً يصحح أخطاءنا ويقوم أساليبنا.. وحين توقفت مجلة "التحرير" عن الصدور في عام 1959 تفرقت مجموعة الصحفيين الشبان. فذهب حمدي قنديل إلي التليفزيون ليصبح واحداً من أبرز نجومه. وذهب محمد العزبي إلي الجريدة الإنجليزية "إيجيبشيان جازيت" ليصل إلي رئاسة تحريرها. وذهب مفيد فوزي وصبري موسي وجمال سليم إلي "روزاليوسف" و"صباح الخير" ليصبحوا من أبرز كتابها. ويصل مفيد فوزي إلي رئاسة تحرير "صباح الخير" ثم إلي التليفزيون ليصبح "المحاور" الأشهر. ويرأس صبري موسي مجلة "المصريون" التي أصدرها في أمريكا في سنوات إقامته فيها قبل أن يعود إلي مصر ليحصد كل جوائز الأدب من التشجيعية إلي التقديرية وما بينهما. والسيد الطاهري إلي مجلة "العمل" ليصبح رئيس تحريرها لأكثر من 25 سنة. وعبدالقادر حميدة ليكون واحداً من أبرز شعراء مصر. ويتزوج جمال سليم وفايزة رمضان وينجبان واحداً من أهم رسامي الكاريكاتير في الوطن العربي: عمرو سليم.. لكنني والزميلة سامية حمام رافقنا محمود سالم بعد ذلك في كل مشواره الصحفي. فقد ذهبنا معاً إلي "دار الهلال" ثم إلي مجلة "بناء الوطن" ثم إلي مجلة "الإذاعة والتليفزيون" في 1966 رئيساً لتحريرها وسامية حمام نائباً لرئيس التحرير حتي أطاح بنا الرئيس السادات محمود سالم وأنا عقاباً علي "ناصريتنا"!!.. فتفرغ محمود سالم لأدب الأطفال وأصدر سلسلتيه الشهيرتين "المغامرون الخمسة" عن دار المعارف و"الشياطين ال13" عن دار الهلال وأبعدت أنا إلي واشنطن ثم إلي لندن مراساً لإذاعات القاهرة حيث مازالت حتي الآن.. وكان محمود سالم كثير التردد علي لندن فكنا نلتقي دائماً.. وكان دائماً ينتظر مكالمتي التليفونية له من أي مكان في العالم يوم 20 مارس كل عام لأهنئه بعيد ميلاده.. حتي كانت مكالمتي له في عيد ميلاده الماضي 2012 حين قال لي إنه يكتب الآن مقالاً أسبوعياً في جريدة سالتحرير" وضحك وهو يقول: "علشان أبقي ابتديت حياتي الصحفية في مجلة "التحرير" وأنهيتها في جريدة "التحرير"!!".. لكنه أيضاً قال لي إنه مريض جداً الآن ويكاد لا يغادر بيته.. ولم أكن أعرف أنها ستكون آخر مرة أسمع صوته فيها.. رحم الله رفيق مشواري الصحفي كله علي امتداد 55 سنة.. محمود سالم..