من كتب الله عليه السفر كل يوم مستقلا وسيلة من وسائل النقل العام فإن حظه يكون أوفر في متابعة وصلات "التوك شو" بين الركاب تلك الوصلات التي زادت وتيرتها بعد الثورة فالكل بات يتكلم ويثرثر سواء بالحق أو الباطل. .. وحوارات الركاب لا تختلف عن شقيقتها في الفضائيات بل عليها تتلمذوا وساروا علي دربها فباتوا يرددون كل ما تحمله إليهم وتروج له دون أن يمهلوا انفسهم فرصة للتفكير.. والتمييز بين ما هو موضوعي وما هو مدفوع! * أعود لتوك شو النقل العام الذي يبدأ عادة بسؤال من أحد الركاب: "الأجرة كام يا اسطي" فيأتي الجواب: وهو هنا لسائق الميكروباص صادما للجميع فالأجرة زادت علي الأسبوع "اللي فات" والحالة صعبة أمام محطات البنزين .. ويمضي في سرد تبريراته وراء رفع الأجرة وانه ليس أمامه سوي جيب الراكب ليعوضه عن زمن الوقت المهدر وسمسرة عمال "البنزينة" مقابل التموين له! .. وما أن ينتهي السائق من كلامه حتي يدلو الركاب كل بدلوه معقبا - إلا من رحم ربي والتزم الصمت - فريق يصرخ: و"احنا ذنبا ايه.. معاك قرار رسمي بالزيادة أم هي عافية!!" وفريق يواسي: "كان الله في عونك يا اسطي من سهر الليالي أمام محطات البنزين.. احنا مقدرين" وفريق ثالث تنفلت أعصابه قائلا: حرام عليكم نجيب لكم منين.. قطعتم المسافة تلاتة أجزاء.. مابلاش نفتري علي بعض". .. وصلة تستغرق الربع الأول من زمن الرحلة ثم يتبعها المقطع الشهير "فاصل ونواصل". تأتي الوصلة الثانية مع اختناق المرور فتجد راكباً طاعنا في السن ينبري مقسما بأغلظ الإيمان والمرارة تسكن كلماته: "التيار الإسلامي اللي حيكتسح الانتخابات الجاية" فعاجله جاره في المقعد متسائلا: "وفين شغل باقي التيارات".. رد العجوز: نعمل ايه وهمه اللي شغالين بس" فتدخل ثالث ساخرا "وده عيب مين فيهم؟!" .. ولا بأس أن تنتهي وصلات التوك شو الجماعية بلحظة درامية اعترض فيها الراكب علي تصرف السائق الطماع الذي لم يشغله سوي تحميل سيارته حتي لو علي حساب سيدة مسنة تسير علي عكاز فقد وعدها عند صعود الميكروباص ان المستشفي الذي تريده في طريقه.. لكن ما إن اطمأن ان سيارته كاملة العدد حتي طلب منها النزول في منتصف الطريق.. هنا صرخت الراكبة: حرام عليك ترميني كده ليه! لحظات وما كان من الراكب الشهم الا ان نزل من السيارة وأمسك بيد السيدة العجوز وألزم السائق الجشع أن ينتظره لحين العبور بها إلي الطريق المعاكس وإلحاقها بوسيلة أخري تقلها إلي المستشفي لم يجد صاحبنا سوي الانتظار فنظرات الركاب وتعليقاتهم كادت تقتله.. وشهامة هذا المواطن ألجمته عن الكلام.