لعل المثل "سمك. لبن. تمر هندي" ينطبق علي العمارة المصرية الآن.. المدن الكبري مثل القاهرة والاسكندرية تعاني الفوضي الجمالية التي لا تواجه قيودا من أي نوع فالألوان مختلطة والأشكال متنافرة والخليط المرئي يصدم العين بما يحقق تعبير "التلوث البصري". وحتي رفع تمثال الفرعون رمسيس من ميدان محطة العاصمة الذي سمي باسمه فقد كان التمثال يواجه ميدان المحطة بملامحه الاسلامية وبالقرب منه بالملامح نفسها جامع الفتح علي ناصية رمسيس والجمهورية وفي مواجهة التمثال كانت عمارة "افرست" العالية بنموذجها الذي يصعب وضع تسمية له ولآلاف البنايات المتشابهة إلا انه مجرد مكان للمأوي بلا طابع حقيقي يعبر عنه أو ينتمي اليه حتي الطريق الزراعي الذي ظل بعيدا عن اعتداءات الكتل الخرسانية وطوابق الأسمنت دخل دائرة العشوائية تقلصت الخضرة التي ألفناها في أسفارنا وحلت بدلا منها بنايات متفاوتة الحجم والارتفاع. الهوية المعمارية لمدينة ما لابد أن تتصل بانتمائها الحضاري من غير المتصور أن تعبر عن توالي الحضارات الفرعونية والبطلمية والقبطية والعربية الاسلامية هوية معمارية أوروبية أسمنتية! ان للمدن شخصيتها أو هذا هو المفروض تجد التعبير الأبلغ عنها في فن العمارة. نحن نستطيع التعرف إلي هوية المدينة بالتعرف إلي الطابع المعماري.. العمارة انعكاس لثقافة أي شعب لحضارته. لحسه الجمالي. ولن يتحقق ذلك إلا بالانسجام والتناسق وقد لا يعلم الكثيرون ان المواطن الأوروبي يزور جاره في البيت المقابل يخبره باعتزامه طلاء واجهة بيته ويسأله عن اللون المناسب فإذا كان هو صاحب البيت فإن الجار هو الذي سيشاهد واجهة البيت ومن حقه أن تطلي الواجهة باللون الذي يفضله! وأذكر انه قد صدر في 1975 قانون يفرض تخصيص نسبة مئوية من تكاليف المباني والمنشآت العامة للإنفاق علي اضفاء اللمسات الفنية عليها ويبدو ان صفحة هذا القانون طويت بمجرد صدوره فلا لمسات فنية من أي نوع بالإضافة إلي التنافر الذي تطالعنا به بنايات هذا الزمان. الشخصية المعمارية ترفض السكلانس.. لا معني لتداخل الطابع الفرعوني والطابع العربي الاسلامي والطابع الحديث قد يصح إقامة أحياء بكاملها أو مدن بكاملها بطابع معماري معين لكن الطابع العام يجب أن يكون متقاربا أو موحدا يجب أن يتسم بالقسمات التي تهبه شخصيته المتفردة. الطابع الأوروبي أبعد ما يكون عن بيئتنا المشمسة والحارة في معظم أيام السنة. الطابع العربي المشربيات التي تتيح دخول الشمس والظل والهواء والبواكي التي تحمي المارة حتي الشبابيك الخشبية تختلف عن نوافذ الزجاج المصمت الذي يقدمه لنا النسق المعماري الأوروبي. احتياجات البيئة تختلف والأذواق أيضا!