تحل غدا الذكري الثانية والثمانين لميلاد شاعر مصر الأكبر صلاح جاهين الذي ولد في 25 ديسمبر .1930 ليس حظ هذا الشاعر الكبير أن تمر الذكري في أجواء سياسية مشحونة ومضطربة. الأمر الذي يؤدي إلي تجاهلها تماما سواء من قبل المؤسسات الثقافية الرسمية أو من قبل المؤسسات الخاصة. فمثل هذا الشاعر لابد أن يستعاد في مثل هذه اللحظة. فما أحوجنا إلي استعادته والاحتفاء به والاحتفاء بمنجزه الشعري وقامته العالية التي لم يصل إليها أحد. مصر التي طالما أعطاها وتغني بها صلاح جاهين تحتفي بمعدومي المواهب ومدعي الشعر. وإعلامها الجاهل يتحفنا يوميا بشعراء لا يساوي الواحد منهم شيئا ولا يساوي كل ما كتبه وكل ما سيكتبه سطرا واحدا من ابداعات جاهين. أنا كل يوم أسمع.. فلان عذبوه أسرح في بغداد والجزائر واتوه ما أعجبش م اللي يطيق بجسمه العذاب وأعجب م اللي يطيق يعذب أخوه لقد نسي جاهين أن يسرح في مصر أيضا. أو لعله قرر أن ينسي. فماذا كان سيقول لو أنه حاضر بيننا الآن؟ فالأخ يعذب أخاه فعلاً.. بل ويقتله.. ما أحوجنا إليك أيها الشاعر الذي تمر ذكري ميلادك دون أن يشعر بها أحد.. أنت الذي ملأتنا شعراً وبهجة لا تنمحي أبداً. أنت الذي لا تموت لأن شعرك باق يدل عليك. نوح راح لحالة والطوفان استمر مركبنا تايهه لسه مش لاقيه بر آه م الطوفان وآهين يابر الأمان إزاي تبان والدنيا غرقانة شر هكذا علمنا جاهين طالما بقي الشر. أيا كان مصدره. فلن يظهر بر الأمان.. هكذا تنبأ الرجل وربما ذلك سر تجاهل ذكراه بما نعيشه اليوم من "شرور" ربما أدت إلي إحراق الأخضر واليابس. وحتي نذكر الأجيال الجديدة التي يراد لها أن تنسي. نقول إن صلاح جاهين ولد في حي شبرا هذا الحي الذي أنجب عشرات العمالقة في كل المجالات. نشأ في بيئة وطنية مثقفة فكان جده لأبيه المجاهد الوطني والصحفي الرائد أحمد حلمي. وكانت أمه من أوليات المتعلمات. وكانت قارئة فهمة. وبدأت تعليمه القراءة وهو في الثانية من عمره. بدأ ينظم الشعر وهو في الحادية عشرة. وكانت بدايته بالفصحي وكان متأثرا بعلي محمود طه. ثم اكتشف بيرم وهو في السابعة عشرة فافتتن به وبدأت محاولاته في العامية مقلداً لبيرم. ولكنه مع مطلع الخمسينيات بدأ يختمر في ذهنه مشروع كتابة الشعر بكل معاني الكلمة بدلا من الزجل الاجتماعي الساخر وقرأ بالصدفة في إحدي الجرائد أبياتا لفؤاد حداد فوجده يفعل نفس الشيء: يكتب شعراً وجدانيا مثقفا بالعامية نبحث عنه بهمة صادقة وقرآ معا الشعر الفرنسي بلغته حيث كان فؤاد حداد خريجا لمدرسة الليسيه. في الفترة من 1955 و1965 صدر لصلاح جاهين خمسة دواوين شعرية. وبعد 1967 صار صلاح جاهين يفضل الدراما علي الشعر لأن الشعر صار يرهقه عاطفيا.. ورغم ذلك كتب الشعر في المناسبات الوطنية والأحداث المهمة كموت عبدالناصر أو ذكراه.. معركة شدوان. ضرب مدرسة بحر البقر. ضرب عمال مصنع أبي زعبل. وقد صدرت هذه القصائد وغيرها في ديوانه "أنغام سبتمبرية" عام 1984 وهو عمله الشعري الأخير ومن بين هذه القصائد قصيدته الشهيرة "مفترق طرق". ساعات أقوم الصبح قلبي حنين أطل بره الباب ياخدني الحنين اللي لقيته ضاع وإللي اشتريته إتباع وإللي قابلته راح وفات الأنين وارجع وأقول لسه الطيور بتفن والنحلايات بتطن والطفل ضحكه يرن مع إن مش كل البشر فرحانين