لا يحتاج الحديث عن صلاح جاهين إلى مناسبة، سواء موعد ميلاد أو ذكرى غياب، فهو من الشخصيات الاستثنائية التي ولدت أو وجدت لتظل حاضرة مع شعوبها طول الوقت. ومع ذلك فإنه إلى جانب ذكراه التي حلت، مناسبة أخرى تستحق التحية والالتفات بشدة، هي صدور الأعمال الكاملة لإبداعات جاهين لأول مرة، بجهد فذ قام به الابن الشاعر الصحفي بهاء جاهين عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في سبعة مجلدات، تحوي كل شئ كتبه (من دواوين شعر مسرحيات مؤلفة أو مترجمة للكبار أو للأطفال منوعات غنائية منها أغاني الأفلام فوازير مقالات.. )، لم تترك المجلدات شيئاً إلا وأحصته واحتوته قدر الطاقة. ويبقى من المطلوب الضروري، جهد مماثل في فن رسم جاهين الكاريكاتيري، فهو رائد مجدد فيه، مثلما هو رائد مجدد في كل ما كتب، في حقول ودروب متنوعة. هكذا فجاهين حاضر دائماً معنا، في الأسلوب حينما نهفو إلى السهل الممتنع الممتع بحق، وإلى روح وإيقاع الحياة والإنسان، ومصر والمصريين، وحاضر في "الرباعيات" حينما نحتاج إلى الحكمة المصفاة، وحاضر في مجمل أشعاره وأغانيه ورسومه حينما ننشد لحظات التنوير والنشوة بجمال الإبداع في ذراه. حاضر معنا في مسرحيات وأوبريتات للكبار (مثل القاهرة في ألف عام) وللأطفال (مثل صحصح لما ينجح)، وللكبار والأطفال معاً (مثل الليلة الكبيرة)، حاضر في السينما كاتباً لأفلام بعمق (عودة الابن الضال) مع شاهين، وبأحزان (شفيقة ومتولي)، وبشقاوة (خلي بالك من زوزو)، حاضر مع سعاد حسني في الربيع، وحاضر في أغاني الوطن والسياسة والملحمة العظيمة "على اسم مصر"، وحاضر في أشجان ديوان "أغاني سبتمبرية"، أكد فيه حبه وانتماءه الذي لم يتغير لمبادئ ثورة يوليو ونهجها، وقد أصدر قصائد "أغاني سبتمبرية" عن محبته لعبد الناصر بعد رحيله، فجاهين زلزلته أزمة وصدمة يونيو ككل المصريين والعرب لكنه ليس كما يقول البعض لغرض بالطبع! قد انكسر وكفر بالثورة ومشروعها، أبداً، كان يلتفت إليها بنظرة نقدية لكن بنفس المحبة. وقد عاش جاهين بعد أزمة وصدمة يونيو قرابة العشرين عاماً أبدع فيها الكثير المدهش، رسمت ريشته خلالها بالحب والتقدير والحنين قائد الثورة، وخط قلمه قصائد رائعة فريدة أثناء ملحمة حرب الاستنزاف المجيدة، عن "أطفال مدرسة بحر البقر"، وعن "عمال مصنع أبو زعبل"، وغنت له سعاد حسني مع حرب العبور والاقتحام الكبير بلحن كمال الطويل (ما أخذ بالقوة). ثم كان جاهين معنا مؤخراً، في ميدان التحرير، طيلة الثمانية عشر يوماً لثورة يناير الشعبية كاملة الأوصاف، لا يجد الشباب والشعب أجمل ولا أصدق من أشعاره، ينشدون معه ما غناه عبد الحليم ولحنه الطويل في لحظات صدق مؤكد، ولذلك فإن الصدق يعيش ويتجدد: (صورة صورة صورة كلنا كدة عايزين صورة صورة للشعب الفرحان تحت الراية المنصورة. واللي حايبعد م الميدان عمره ما هيبان في الصورة).