احتفلت ألمانيا بمرور مائة عام علي سرقة تمثال نفرتيتي بالخديعة وسوء النية واللصوصية.. ومصر لم تتوقف عن المطالبة بإعادة هذا التمثل المعروض حاليا في برلين. هذه الرأس من أجمل وأندر آثار عصر اخناتون الذي حكم مصر لمدة 18عاما منذ 3375 عاماً.. وكانت نفرتيتي هي زوجة أمنحتب الرابع الذي غير اسمه إلي اخناتون ومعناها "حبيب آتون" وكانت نفرتيتي عند زواجها صبية صغيرة وقد أنجبت منه سبع بنات خلال عشر سنوات ولم تنجب ذكوراً. تمثال رأس نفرتيتي هو تمثال فريد فهو ليس تمثالا جنائزيا صنع ليوضع في مقبرة ولا تمثالا دينيا عثر عليه بين أطلال أحد المعابد لكنه صنع ليكون نموذجا "موديل" للفنانين الذين عليهم أن يتعلموا كيف يقومون بتشكيل ملامح رأس الملكة.. فهي لن تقف أمامهم ليرسموها أو ينحتوا ملامحها إنما ينوب عنها هذا التمثال. وهو ملون ويرتفع 48سم وعرض قاعدته 5.19سم قام بتشكيله المثال تحتمس.. لكن خامته هي "الجبس" كما أنه يعين واحدة والأخري مفرغة ليتعلم طلاب الفن كيف يرصعون العين بالأحجار الملونة. هذه هي مواصفات تمثال نفرتيتي الذي سرقته بعثة "الجمعية الألمانية للآثار" التي حصلت علي امتياز التنقيب في أطلال مدينة "أخيتاتون" التي تسمي حاليا "تل العمارنة" نسبة إلي قبيلة بني عمران التي جاءت من شبه الجزيرة العربية ضمن القبائل الهاربة من الجفاف واحتلت مناطق مختلفة في مصر بعد دخول جيوش عمرو بن العاص إلي مصر.. وقد استقرت قبيلة بني عمران في تلك المنطقة من محافظة المنيا بالقرب من مدينة ملوي.. وكانت "أخيتاتون" هي عاصمة حكم الملك اخناتون. عالم الآثار الألماني "لودفيج بورخارت" رئيس البعثة الألمانية هو اللص الذي خطط لسرقة هذا التمثال النادر.. فعندما عثر علي التمثال في المنطقة التي كانت تشغلها ورشة النحت الملكية أيام اخناتون.. أخذ التمثال الجميل الملون من بين الرمال إلي خيمته حيث طلاه بمادة عازلة مثل الصابون أو الزيت تمنع التصاق الجبس بالألوان ثم رش علي سطحه الجبس وهو سائل قبل أن يتحجر فأخفي معالمه ودفنه في أرضية خيمته التي يقيم بها حتي انتهاء موسم الحفريات عام ..1923 ولما أخرجه من تراب الخيمة كان الجبس الجديد قد جف وأصبح وكأنه قديم وحملت البعثة ما اكتشفته من آثار في هذه الورشة الفنية إلي القاهرة لاقتسام المكتشفات. كان الاتفاق أن تحصل مصر علي الأعمال الفنية المهمة المكتشفة أما الأعمال غير المهمة أو المتكررة فيتم تقسيمها بين البعثة ومصلحة الآثار وحصلت مصر علي عدد من التماثيل الحجرية الناقصة لنفرتيتي واخناتون وبناته.. وكان من نصيب "بورخات" وبعثته التمثال الذي كان يبدو ناقصا لرأس الملكة وقد ساعد علي التفريط فيه انه من الجبس.. أما التماثيل الحجرية الناقصة لاخناتون وأسرته فهي معروضة حاليا بالمتحف المصري في ميدان التحرير. وعندما عادت البعثة الألمانية إلي بلادها تم ازالة طبقة الجبس الجديدة ليظهر التمثال الملون الرائع تحتها وبمجرد الإعلان عن هذه التحفة النادرة أعلنت مصر احتجاجها وطلبت إعادة التمثال المسروق الذي خرج بالتحايل وبطريقة غير شريفة. واستمرت المفاوضات حتي استولي هتلر علي الحكم في ألمانيا.. فأعلن في احدي خطبه المدوية عام 1933 "ان نفرتيتي هي محبوبتي ولن تخرج من ألمانيا".. وتوقفت المفاوضات حتي عادت في اجتماعات منظمة اليونسكو بباريس ضمن مناقشات إجراءات مقاومة تهريب الآثار وإعادة التماثيل واللوحات المسروقة. كانت البعثة الانجليزية للآثار في ذلك الوقت قد أعلنت عن اكتشاف مقبرة "توت عنخ آمون" في وقت احتدمت فيه المنافسة بين الانجليز والألمان واتخذت المنافسة شكلا ساخنا في التنافس علي المستعمرات ظهرت في "حرب البوير" بالطرف الجنوبي للقارة الإفريقية وبعد أن أعلن عن وعد هتلر للسفير المصري بإعادة التمثال المسروق قام مدير المتحف بدعوة "الفوهرر" لزيارة المتحف الذي قام مديره بشرح ظروف المنافسة مع أعدائهم الانجليز.. وكانت هذه الزيارة هي سبب تراجع هتلر عن وعده لسفيرنا في ألمانيا قبل الحرب العالمية الثانية. هل نستطيع أن نخصص حجرة خاصة لنفرتيتي في المتحف الجديد ونتركها خالية حتي نقوم باستعادة التمثال المسروق بالخديعة والتحايل وبأسلوب غير شريف؟