هل يوجد في مصر إتجار في البشر واتجار في النساء.. وهل صارت مصر مقراً رئيسياً لهذه التجارة كما يزعم البعض.. أم أن ما تردده بعض منظمات النساء والجمعيات الحقوقية المحلية والدولية لا يخلو من مبالغات وربما مغالطات سببها التوسع في تعريف المفهوم الدولي للاتجار في البشر عموماً والاتجار في النساء علي وجه خاص. فإذا كانت الاتفاقيات الدولية المناهضة لجميع أشكال التمييز والعنف ضد المرأة قد جعلت الزواج المبكر أو زواج القاصرات واستغلالها في الأعمال المنافية للآداب كالدعارة. أو توظيفهن في التسول أو ممارسة العنف المنزلي أو الأسري ضدهن ضمن الاتجار بالنساء وانتهاك حقوقهن هل ينطبق هذا التوسع في المفهوم الدولي علي ما يجري في مصر. وهل يمكن النظر إليه باعتباره ظاهرة تبيح للبعض أن يتشدق بما تردده بعض تقارير المنظمات الدولية العاملة في مجال المرأة من أن مصر تأتي في المرتبة الثانية عالمياً للاتجار في النساء. وهل يمكن اعتبار زواج القاصرات أو الزواج الصيفي "السياحي" أو عمالة الأطفال "النساء" أو الاستغلال الجنسي لهن في الأعمال المنافية شيئاً من الاتجار في النساء أو البشر..؟! البعض للأسف يردد ما تنشره الصحف الأجنبية من مقالات وليس دراسات علمية لتشويه مصر في هذا الصدد. غافلاً خصوصية المجتمع المصري. الذي اعتاد منذ زمن بعيد تزويج صغيرات السن وهو ما لا يراه المجتمع اتجاراً بالنساء بأي حال..!! المساء طرحت القضية علي خبراء الاجتماع وبعض العاملين في المجلس القومي للمرأة فكان التحقيق التالي: * تقول عزة سليمان "المحامية والمنسق الإقليمي لمكافحة الاتجار بالنساء": يجب ألا ندفن رءوسنا في الرمال وألا ندعي بأن مصر خالية من أي مظاهر للعنف ضد المرأة أو اتجار في النساء ينضوي تحت الاتجار في البشر. تساءلت سليمان: أليس لدينا تجارة في الأعضاء. وعمالة للأطفال. وتزويج للقاصرات. أضافت : إن الحكومة اعترفت عام 2010 بوجود تجارة في النساء وبأن مصر أصبحت مقراً لهذه التجارة وقد اتخذت التدابير اللازمة لمحاربة هذه الظاهرة. وأقامت بالتعاون مع الجمعيات الأهلية والمنظمات العاملة في مجال المرأة ودور الرعاية لتوعية الأسر والفتيات في جميع محافظات مصر. وكذلك ضحايا الزواج الفاشل اللاتي يجري تشغيلهن كخادمات أو استغلالهن قسراً في الأعمال المنافية للآداب. قالت : كانت مصر معبراً للاتجار بالنساء منذ عدة سنوات. وعلي أرضها كانت تعقد الصفقات لجلب النساء من جمهوريات الاتحاد السوفيتي المنحل وتسفيرهن لدول مثل إسرائيل لاستغلالهن في الدعارة. وهو ما أثبتته احصائيات وتقارير المنظمات الدولية والجمعيات العاملة في مجال حماية المرأة ولا داعي للتشكيك فيها. أكدت أن السفارات والقنصليات المصرية في عدد من الدول العربية وخاصة الأردن تلقت شكاوي عديدة من مصريات تم تزويجهن زواجاً سياحياً بمحافظات مصر. وهناك منطقة بالأردن تسمي "النَور" يأتي منها شباب لا تتجاوز أعمارهم 19 عاماً إلي مصر للزواج بصغيرات السن ثم يصطحبونهن للأردن ويجبرونهن علي العمل في الملاهي الليلية والأعمال المنافية للآداب مقابل مبالغ مالية. وقد لجأت للسفارة المصرية هناك أكثر من 70 حالة جري الاتجار بهن طيلة الفترة الماضية. أوضحت ان مفهوم الاتجار بالبشر أو بالنساء قد اتسع دوليا ليشمل أي شبهة استغلال للمرأة أو الرجل ويدخل فيه زواج القاصرات رغم إتمامه برضا البنت وأهلها. وينبغي توعية جميع الفئات بهذا المفهوم وباضرار هذا الزواج حتي يتعاون الجميع للقضاء علي تجارة أخطر من تجارة الأسلحة والمخدرات وتحسين سمعة مصر في المحافل الدولية.. ولا داعي للتشكيك فيما تعلنه المنظمات الدولية من تقارير واحصائيات في هذا الصدد. * تقول إيناس أبويوسف "أستاذ الإعلام" بجامعة القاهرة : إن مصر تحولت من دولة معبر للاتجار بالبشر إلي دولة منشئة لهذه التجارة منذ سنوات عديدة بعد اتساع مفهوم التجارة بالبشر ليشمل كل عنف ضد المرأة أو استغلالها في أعمال منافية للآداب. وكذلك زواج الصفقة للفتيات القاصرات بموافقة ذويهن. أضافت : يتجلي العنف ضد المرأة في محافظات بعينها ينتشر فيها زواج القاصرات خصوصاً في أشهر الصيف ثم يقع الطلاق بعد أيام معدودة وتجبر الضحية علي الزواج ثانياً وثالثاً لأنها باتت مصدر رزق وثروة لأسرتها وقد ينتج عن ذلك اختلاط للأنساب حيث يضطر والد الزوجة لنسب الطفل إليه بعد هروب الزوج الأجنبي. ورغم التوعية بخطورة مثل هذا الزواج واتخاذ الدولة تدابير لحماية القاصرات والحيلولة دون تحول الزواج لتجارة في البشر مثل عدم زيادة الفارق في السن بين الزوج وزوجته علي 25 عاماً وأن يقدم الزوج شهادتين من سفارة بلده حول حالته الاجتماعية وطبيعة عمله وحضوره بنفسه وتقديم شهادة ميلاد الزوجة وربما يتم التغاضي عن السن إذا أودع الزوج شهادات استثمار باسم الزوجة بما قيمته 40 ألف جنيه. رغم ذلك فإن هناك تحايلاً للهروب من التوثيق بكتابة عقود زواج عرفية عن طريق السماسرة والمحامين.. والضحية في النهاية هي الزوجة الصغيرة. * تقول نادية خليفة "المحامية عضو المجلس القومي للمرأة": إن بعض الجمعيات والمنظمات الحقوقية تردد تصريحات وأقاويل مرسلة لا تستند لأبحاث علمية واحصائيات ودراسات منهجية بقدر ما تستند لمقالات منشورة بالصحف الأجنبية وان محددات ومعايير بروتوكول الأممالمتحدة الخاص بالاتجار بالبشر ليشمل الاتجار في النساء والأعضاء وعمالة الأطفال وهو حالة تنطبق علي مصر. تضيف : المفهوم الدولي للاتجار بالبشر يعني تجنيد أشخاص أو نقلهم أو إيواءهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع. ويشمل الاستغلال أشكال الدعارة أو الاستغلال الجنسي أو السخرة أو الخدمة أو الممارسة الشبيهة بالرق أو نزع الأعضاء. وان جميع الدراسات والأبحاث التي أجريت من خلال المجلس القومي للمرأة في مجال العنف ضد النساء أو عمالة الأطفال أو زواج القاصرات أو التحرش الجنسي تؤكد مثل هذه الحالات بمصر لكنها لا ترقي لحد الظاهرة ولا ينطبق عليها معايير المفهوم الدولي للاتجار بالبشر. تؤكد أن المشروع البحثي الذي أجري حول الزواج السياحي أو الصيفي للصغيرات المنتشر في مراكز الحوامدية والبدرشين و6 أكتوبر بمحافظة الجيزة.. حيث تتم زيجات الأثرياء العرب عن طريق سماسرة لمدة محددة وتحصل العروس علي مهر وشبكة وزواج علني قد يسجل في مكتب زواج الأجانب بالشهر العقاري بشروط معينة أو بعقد عرفي ورغم وجود شبهة اتجار بالبنات الصغيرات.. ولكنه ليس في حجم الظاهرة. أضافت أن زواج القاصرات ينتج عنه مشاكل عديدة ومعاناة للبنات فالفتاة قد تجبر علي أعمال غير شرعية ومن تسافر بعقد عمل معين قد تجبر هناك علي أعمال منافية للآداب أو يجري استغلالها.. ولا يعتبر ذلك تجارة ولكنه غش وتدليس.. والقول إن مصر تحتل المرتبة الثانية في الاتجار بالنساء لا أساس له من الصحة. تضيف أن المجلس القومي للمرأة أقام مراكز للمساندة القانونية للفتيات اللاتي يتعرضن لمشاكل بعد زواجهن من العرب أو الأجانب.. وتقديم يد العون لهن في إقامة الدعاوي القانونية للحصول علي النفقة لهن ولأولادهن. تقول فاطمة الزهراء غنيم عضو المجلس القومي للمرأة إن جميع الاحصائيات والدراسات التي أجريناها في مجال زواج القاصرات أو عمالة الأطفال والتي تنضوي تحت الاتجار بالبشر فقدت بالكامل في حريق مقر المجلس القومي للمرأة عقب اندلاع ثورة يناير .2011 وتؤكد أن الاتجار بالمرأة انتشر في فترة الثمانينيات والتسعينيات عن طريق الزواج السياحي للأثرياء العرب من القاصرات وتصدم الفتاة بالواقع المر بعد سفرها لبلد الزوج وتعمل كخادمة لأهل زوجها الذي قد يكبرها ب 50 عاماً وأكثر. تضيف ان الدولة أخذت علي عاتقها الحد من هذه الزيجات.. وتم وضع شروط محددة لهذا الزوج بحيث لا يزيد عمر الزوج علي 25 عاماً عن عمر الزوجة وتخصيص مكتب لزواج الأجانب بالشهر العقاري.. وضرورة موافقة بلد الزوج وغيرها وهناك زيجات سعيدة نتيجة تفعيل هذه الشروط والتوقف عن الالتفاف حولها بإجراء هذا الزواج بعقد عرفي والحصول علي صحة العقد برفع دعوي قضائية أمام المحكمة. وتضيف ان هناك إجراءات أخري نعمل علي تحقيقها لحماية القاصرات منها رفع سن الزواج وتعليم البنات وإتاحة مشاريع صغيرة لتوفير فرص عمل للفتيات بدلاً من صفقات الزيجات السياحي أو الصيفي.. كما أن المجلس القومي يقيم ملاجئ أو دور رعاية للحالات الفقيرة ضحايا مثل هذا الزواج وزيادة التوعية بخطورة الزواج السياحي ومضاره. يرفض د.السيد عفيفي أستاذ علم الاجتماع جامعة الفيوم ما يصدر عن منظمات وجمعيات نسائية وأن مصر تحتل المرتبة الثانية في الاتجار بالنساء.. ويري أن ما يثار في هذا الشأن يحتوي علي مغالطات علمية ومبالغات كبيرة ويتسبب في تضليل الرأي العام والاستفزاز ويصور مصر وكأنها عادت لعهد النخاسة والاتجار بالنساء. يؤكد أن مسئولي العمل النسائي يستندون في تصريحاتهم إلي تقارير المنظمات الدولية التي تنظر إلي زواج القاصرات بحسبانه ضمن الاتجار بالبشر وحيث إن مصر تعتبر أكبر دولة في عدد السكان في الشرق الأوسط وبالتالي فإن مصر تحتل النسبة الأعلي في الاتجار حسب المفهوم الدولي.. وهذا هو الخطأ العلمي في هذا المفهوم.. لأن زواج القاصرات ليس تجارة بموافقة العروس وولي أمرها للهروب من الفقر وقلة الدخل والجهل أيضا.. وهو واقع موجود في معظم القري المصرية ولكن يجب أن يصنف ضمن الاتجار بالبشر. ناشد د.عفيفي العاملين والعاملات في مجال الدفاع بحقوق الإنسان والمرأة التوقف عن إثارة البلبلة والتهويل وخلط الأمور بأن الاتجار بالبشر تتزايد نسبته في مصر سواء في المرأة أو في الأطفال وعليهم أن يعرفوا طبيعة المجتمع المصري وعاداته حيث تعودنا علي مشاركة الأولاد غير البالغين ذكوراً وإناثاً لآبائهم في الزراعة وجمع المحاصيل وعدد من الصناعات المنتشرة في المحافظات يعمل بها الصغار مثل صناعة الأخشاب في محافظة دمياط.. وليس فيها أي شبهة للاتجار بالبشر وأن التوسع في تطبيق المفهوم الدولي للاتجار علي مصر يضر بسمعتها ويخالف طبيعتها الاجتماعية وأن هذه المنظمات لا تعمل علي خدمة مصر بل تضرها حيث إن هناك عدداً من الدول الأوروبية التي تطالب برفض الصادرات المصرية وخاصة الصناعات التي يشارك فيها الأطفال باعتبار هذا العمل إنجازاً بهم.. وبالتالي فإن توسيع مفهوم الاتجار بالبشر واعتبار مساعدة الأطفال لذويهم ضمن هذا المفهوم يؤثر علي سمعة مصر ويشوه صورتها. تقول د.عزة كريم أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية إن الوقت الحالي يشهد موجة من النقد تطال كل شيء في مصر.. ويتباهي كل شخص بأن يظهر في برنامج إعلامي ليوجه النقد بأي تصريحات كاذبة تسيء لبلده.. وخاصة تلك التي تتهم مصر بالاتجار في النساء.. وهذا غير حقيقي لأن مصر لم تكن في أي مرحلة تحتل أو تصنف ضمن الاتجار بالبشر أو النساء. تضيف: إن من يدلي بمثل هذه التصريحات يكون قد خرج عن المفهوم الدولي والقانوني لكلمة اتجار والذي يعني استغلال الشخص أو المرأة دون ارادتها وبشكل إجباري علي ممارسة سلوك معين كالزواج أو الاغتصاب. والدعارة وحتي الأخيرة لا تعتبر اتجاراً مادامت المرأة تذهب إليها بإرادتها لكسب المال.. ومن هنا فإن تعريف زواج القاصرات أي البنت أقل من الصفة القانونية بالاتجار يعتبر تعريفاً خاطئاً في حالة زواج البنت بإرادتها بحثاً عن حياة أفضل تنقذها من الفقر ونقص الحاجة وهي العادات المنتشرة في ريف مصر. تؤكد أن جميع البحوث التي تجري بالمركز لم تثبت أن بمصر تجارة بالبشر أو بالمرأة.. وأصبحت المصطلحات الجامدة كالتحرش الجنسي وضرورة إصدار قانون لمحاربته تتردد علي ألسنة الجميع وجميعها لا أساس لها لأن معني تحرش هو أن المتحرش يقوم بأفعال من أجل المتعة الجنسية.. ولكن ما يحدث بالشوارع هي معاكسات نتيجة الفراغ والبلطجة التي يعيشها المجتمع المصري حالياً.. وعندنا قوانين التعرض للأنثي ومن المهم تطبيقها.. وكفانا ترديد مفاهيم ومصطلحات خاطئة.