في 26 ديسمبر 1900 الموافق 4 رمضان عام 1318ه الأوامر السنية بتشكيل ركب المحمل ويضم أمير الحج.. وأمين الصرة "المصروفات" وكاتب أول الصرة والكاتب الثاني والصراف.. وطبيبة وطبيبا بالإضافة إلي 473 مرافقاً من ضباط وعسكر وموظفين وتوابعهم وقادة الجمال والخيول "لم تكن هناك سيارات في ذلك الوقت" وحاملي المصابيح "المشاعل - فلم تكن الكهرباء قد انتشرت بعد" والسقائين والفراشين. وقد بلغت تكاليف المحمل في هذا العام "1900" 18 ألفا و893 جنيهاً و262 مليما "وربع مليم" وتشمل هذه التكاليف مرتبات رجال المحمل لمدة ثلاثة أشهر وهي المدة المقررة لرحلة المحمل وكذلك مرتب أمير مكة والعربان لتأمين سلامة الرحلة واتقاء لشرهم وكذلك مصروفات تكية المدينة وتكية مكة وهما الأماكن التي ستقيم بها بعثة المحمل.. بالإضافة إلي أجرة الجمال اللازمة لنقل البعثة من جدة إلي مكة وإلي المدينة فلم يكن هناك سيارات أو وسائل نقل أخري وايضا ثمن علف الدواب وغير ذلك. وفي 15 ذي القعدة سافر قطار البضاعة من محطة العباسية يحمل الكسوتين الخاصتين بالكعبة المشرفة وأمتعة المسافرين من رجال خدمة المحمل.. أما بعثة المحمل فلهم قطار آخر خاص بالركاب. وكان السفر يتم بالقطارات والبواخر والدواب فمن القاهرة انطلقت البعثة بالقطار إلي مدينة السويس فقطعت المسافة في سبع ساعات و15 دقيقة ومن السويس إلي جدة بالباخرة واستغرقت الرحلة 67 ساعة أي أقل من ثلاثة أيام ومن جدة إلي مكة سارت الجمال في طريق سهل بين الجبال وبه أماكن للاستراحة وتناول المشروبات وبها سبع قلاع وجند للمحافظة علي الأمن. وفي يوم 8 ذي الحجة انطلق أفراد البعثة بالأبل إلي مني ثم إلي عرفة فالمزدلفة فمني فمكة.. وعند الانتهاء من الشعائر انطلقت البعثة إلي المدينة وكان السفر ايضا بالأبل وتستغرق الرحلة نحو 17 يوماً وبعد انتهاء الزيارة عادت البعثة إلي السويس عن طريق الطور.. بالباخرة.. ومن السويس إلي القاهرة بالقطار. كانت هذه رحلة الحج الرسمية منذ 110 سنوات.. أما الحجاج المصريون فقد كان بعضهم يسافر بالمراكب النيلية إلي مدينة قنا ثم يركبون الجمال والخيول إلي مدينة القصير علي البحر الأحمر إلي جدة.. وكانت المراكب ترسو بعيداً عن الميناء نظراً لكثرة الشعاب المرجانية ويقوم الركاب باستخدام القوارب والمراكب الشراعية إلي بر المينا ثم يستخدمون بعد ذلك الابل في ذهابهم إلي مكة وإلي المدينة.. وكانت الرحلة تستغرق علي الأقل ثلاثة أشهر.. ولهذا كان الحجاج يعانون كثيراً من المشقة والأمراض التي قد يصابون بها وبالتالي كانت عودة الحجاج إلي بيوتهم تقابل بفرحة شديدة وطبل وزمر وتزين البيوت خاصة في بلاد الأقاليم بالرسوم. أما الآن فإن الرحلة تختلف تماماً عن ذي قبل وأصبحت تكلفة الرحلة عالية ولا يستطيع القيام بها إلا القادرون.. وعندما يبدأ الناس في إجراءات الحج فإن عليهم أن يقدموا شيكات مصرفية بمبلع 1080 ريالاً سعودياً كاتعاب للمطوفين والانتقالات إلي مني وعرفات.. هذا بخلاف الأسعار المرتفعة للفنادق وأماكن الإقامة والانتقالات.. والتي أصبحت الآن عكس ما كان من مائة عام.. حيث الطائرات الضخمة والسيارات والاوتوبيسات الفاخرة.. وأصبحت الرحلة تستغرق أياماً معدودة قد تصل إلي ستة أيام فقط. أما المحمل فقد ولي.. وأصبحت الكسوة تختص بها المملكة السعودية ولم يعد هناك راتب لأمير مكة.. أما بعثة الحج الرسمية فهي بمثابة بعثة شرفية تمثل الدولة.. وكل الدول الإسلامية أصبح لها بعثات رسمية في الحج.. ولم تعد مكة أو المدينة كما كانت زمان.. بل أصبحت مدناً عصرية حديثة.