يبدو أن التوتر الذى شاب العلاقات المصرية الإيطالية، خلال الآونة الأخيرة، على خلفية، مقتل الشاب جوليو ريجنى، فى القاهرة فبراير الماضى، قد بدا في الانحسار، في ظل الزيارات المتكررة لوفود شعبية مصرية، فضلاً على تداخل الأزمة الليبية، التى دفعت روما لعدم التصعيد، وفق صحف إيطالية. وتوترت العلاقات بشكل حاد بين مصر وإيطاليا، على خلفية مقتل ريجينى (28عامًا)، الذى كان موجوداً فى القاهرة منذ سبتمبر 2015، لتحضير أطروحة "دكتوراه" حول النقابات العمالية، واختفى فى 25 يناير الماضي، قبل العثور على جثمانه ملقى بجانب طريق مصر الإسكندرية الصحراوى فى 3 فبراير الماضي. إلى ذلك، عزت صحيفة "سيثيليان فوراماثيونى" الإيطالية، تراجع موقف إيطاليا تجاه مصر على خلفية مقتل الشاب الإيطالى جوليو ريجينى بسبب الأزمة الليبية، مشيرة إلى أن القلق على الأمن القومى الذى يتعلق بتعاون مصر فى الملف الليبى كان دافعًا لهذا التراجع، لذلك تسعى إيطاليا للإبقاء على القاهرة داخل الشأن الليبى حرصًا على مصلحتها القومية. وقالت الصحيفة، إن إيطاليا تنشغل ب3 مصالح قومية أساسية فى ليبيا، أولها أنها ترى الاستقرار فى ليبيا ضروريًا للحد من تدفق اللاجئين والمهاجرين إلى جنوبى البلد الأوروبى، والمصلحة الثانية تتمثل فى محو التهديدات التى يفرضها تنظيم داعش فى ليبيا، جارتها الجنوبية، أما الثالثة والأخيرة فهى حماية أصول النفط والغاز الطبيعى المملوكة لشركات الطاقة الليبية. وأوضحت، أن وزير خارجية إيطاليا باولو جنتيلونى أكد عندما كان فى تونس دعم إيطاليا لحكومة فائز سراج، مشيرة إلى أن هناك توافقًا فى الرؤى بين القاهرةوروما حول دعم حكومة الوفاق الوطني، حيث أكد الوزير الإيطالى أن "مصر لديها دور مهم فى التحول الليبي". كامل عبدالله، الباحث المتخصص فى الشأن الليبي، بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية ب "الأهرام"، أوضح أن استقرار ليبيا يحتل أهمية بالغة بالنسبة لإيطاليا، لافتًا إلى أن هذا يعود لأسباب أهمها أن 60% من واردات إيطاليا من النفط تأتيها من ليبيا، لذلك كان دحر الجماعات المسلحة وإبعادها عن صنابير النفط المتدفق لإيطاليا مسألة أمن قومى بالنسبة لروما. وقال ل"المصريون"، إن هناك أسباب أخرى تجعل استقرار ليبيا مهمًا لإيطاليا، منها الحد من تدفق المهاجرين والقضاء على خطر "داعش"، مضيفاً أن الدول الغربية والولايات المتحدة تعى هذه الأمور جيداً، وهذا ما يجعلها تدفع بالدور الإيطالى فى صدارة المشاركين فى المساعى الرامية لحلحلة الأزمة الليبية. وألمح الباحث فى الشأن الليبى، إلى أن هدوء الأوضاع فى ليبيا ودعم حكومة الوفاق مهم لمصر أيضاً، موضحاً أن العلاقات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية بين مصر وليبيا عميقة وممتدة، ولا يجوز القفز عليها، مبيناً أن مصر تضررت كثيراً بعدم الاستقرار فى ليبيا. وفيما يتعلق بالجانب الاقتصادى، استدل عبدالله بحجم العمالة المصرية التى كانت تفد إلى ليبيا، ومدى مساهمة ذلك فى تخفيف الضغط على الحكومة المصرية، عن طريق توفير فرص عمل لملايين الشباب المصرى. ودعا عبدالله، النظام المصرى إلى تبنى دور أكثر مرونة فى ليبيا، وعدم مناصرة طرف على حساب آخر، مؤكداً أن محاولة استنساخ التجربة المصرية فى ليبيا أمر خاطئ. وفى 8 إبريل الماضي، أعلنت إيطاليا استدعاء سفيرها فى مصر؛ للتشاور معه بشأن القضية، التى شهدت اتهامات من وسائل إعلام إيطالية للأمن المصرى بالتورط فى قتله وتعذيبه، بينما تنفى السلطات المصرية صحة هذه الاتهامات. فما رأى الدكتور عمار على حسن الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية ب "الأهرام"، أن التراجع الإيطالى عن موقفها ضد مصر، مرتبط أكثر بالمصالح الاقتصادية، مؤكدًا أن اكتشافات الغاز فى البحر الأبيض المتوسط خلال الفترة الأخيرة والمسندة لشركة إينى الإيطالية، له دور كبير فى التراجع الإيطالي. وأضاف أن جزءًا من سياسة الرئيس السيسى هو شراء الدعم الغربى عبر إجراء صفقات اقتصادية وعسكرية، مضيفًا أن ذلك حدث مع شركة "سينمس" الألمانية، مما أثر على العلاقات المصرية الألمانية بعد أن واجهت الأولى انتقادات كبيرة فى البرلمان الألمانى ووسائل الإعلام بخصوص انتهاكات حقوق الإنسان، والأمر ذاته مع الفرنسيين وإجراء صفقات عسكرية معهم، أيضًا مع روسيا، وعلى هذا الأساس فأن إيطاليا ليست مستثناة من ذلك. وأكد حسن، أن جزءًا من الأزمة الإيطالية مع مصر، مفتاحه ليبيا، لاسيما وأن روماوالقاهرة لهما كيانات على الأرض الليبية، موضحًا أن الصراع الليبى يحظى باهتمام خاص لدى مصر وإيطاليا لاعتبارات أمنية. وفى السياق ذاته كشف مسئول رفيع المستوى فى الحكومة الإيطالية رفض الكشف عن اسمه إن بلاده تشعر بالقلق إزاء دعم مصر ل "خليفة حفتر"، القائد العام لقوات الجيش الليبى التابع لحكومة طبرق، والمناوئ للإسلاميين، زاعمًا أن القاهرة تمد طبرق بالمساعدات العسكرية، ما يتسبب فى تعثر عملية السلام الليبية، بحسب الجارديان البريطانية. فى تقرير أعدته الصحيفة البريطانية ذائعة الصيت، بعنوان "الواقعية السياسية تعوق ملاحقة قاتل ريجيني"، أكدت، أن ملاحقة إيطاليا مصر بسبب قضية مقتل الشاب الإيطالى فى القاهرة، بدأ يتراجع بسبب عدة عراقيل نتيجة القلق على الأمن القومى والذى يتعلق بتعاون مصر فى الملف الليبي. من جانبه اختلف الدكتور عبدالله الأشعل مساعد وزير الخارجية الأسبق وأستاذ العلاقات الدولية، رؤية البعض لوجود تراجع ايطاليا فى قضية "ريجيني"، مستبعدًا تخلى إيطاليا عن موقفها فى القضية، مؤكداً أن القول بوجود مقايضة أمر خاطئ ولا يتفق مع المبادئ الأوربية التى تعلى من شأن وقيمة مواطنيها. وأوضح الأشعل، أن ماتقوم به إيطاليا الآن هو ترتيب للأولويات، عن طريق الاهتمام بمسألة الأمن القومى وتصدرها للواجهة، ثم العودة مرة أخرى لقضية ريجينى بنفس القوة والتمسك بنفس المطالب. وقال إن كل ماتريده إيطاليا هو معرفة من قتل ريجيني، هل الداخلية؟، هل جماعة معينة؟ هل شخص آخر؟، موضحاً:"يعنى هى بتقول للنظام فى مصر قول الحقيقة، وهل أنت عارف اللى قتلوا واللا مش عارف؟، ولو أنت عارف يبقى أنت مسئول". وعرّج الأشعل لتصريحات وزير الخارجية سامح شكرى على هامش زيارته الأممالمتحدة بأن قتل ريجينى حادث فردي، بأن هذا أمر لا يعنيه، هذا أمر يخص إيطاليا، متسائلاً ما الذى يقصده وزير الخارجية بحادث فردى هل يريد مقتلة جماعية لإيطاليين فى مصر كى تهتم إيطاليا؟.
وتابع أن الإنسان الإيطالى والأوربى غال على بلده، وليس كالمصريين الذين تعتبرهم السلطات بلا ثمن، مبديًا اندهاشه من الدولة التى يفتقد وزير خارجيتها أبسط معايير القوانين الدولية. وكان سامح شكرى وزير الخارجية قال فى تصريحات صحفية أثناء زيارته للأمم المتحدة بالتزامن مع تقلد مصر رئاسة مجلس الأمن الدولى يوم الجمعة 13 مايو الجاري، إن مقتل الباحث جوليو ريجينى حادث بشع، لكنه حادث فردى يحدث بين الحين والآخر كما يحدث للمصريين فى إيطاليا، ونأسف على تلك الحوادث، ونتعامل معها بكل اهتمام وجدية، لكن يجب ألا تتأثر علاقة الشعوب والدول بمثل تلك الحوادث الفردية، ويجب أن يضع الإعلام تلك الأحداث فى حجمها المناسب.