نشر موقع الخليج "أون لاين" تقريرًا عن الرشوة فى مصر، واصفًا الكلمات الشائعة التى ابتكرها المرتشون منها، الحلاوة، الدرج، الإكرامية، الاصطباحة وقص الزميل كريم حسن قصته مع الرشوة، حين توجهت إلى مصلحة الأحوال المدنية لاستخراج بطاقة تحقيق الشخصية للمرة الأولى، فاجأنى الموظف قائلاً: كل سنة وأنت طيب، ولأني كنت فى الصف الأول الثانوى فلم أفهم ماذا يقصد، فرددت عليه: وأنت طيب، وانصرفت قبل أن أعرف بعد ذلك أنها الوسيلة التى يطلب بها "الحلاوة"! بعدها بسنوات طويلة حين رغب أحد أصدقائى أن يستخرج رخصة قيادة، ولم يكن يعرف الفرق بين مقود السيارة ومساحات الزجاج، نصحه أحدهم بالتوجه إلى "مدام(...)" فى مقر استخراج تراخيص القيادة، وسوف تقوم بما ينبغى دون اختبارات. وهو ما حدث بالفعل مقابل 900 جنيه. ويكشف الموقفان تجارب شخصية ضمن آلاف التجارب التى يضطر خلالها المصريون إلى دفع رشاوى لإنهاء مصالحهم. وهى القضية التى جددت الحديث عنها مؤخراً الموظفة بمرور منطقة حدائق الأهرام "سوزان محروس" التى قالت لأحد المواطنين: "مصبحتش على النهاردة"، التى كشفت عن أزمة قديمة متجددة لدى المصريين، يئنون منها إلا أن معظمهم يمارسها، ويطالبون بوقفها فى الوقت الذى لا يستغنون عنها. وتأتى الرشوة فى مقدمة السمات الاكثر تمييزاً للدواوين الحكومية فى مصر، التى يندر أن تخلو مؤسسة حكومية منها، إضافة إلى أنها المظهر الأشد بروزاً فى منظومة الفساد المنتشرة داخل مؤسسات الدولة، التى تضمنها تقرير مثير للجدل أصدره الجهاز المركزى للمحاسبات، وكان سبباً فى حملة من الغضب والاستنفار الرسمى والإعلامى ضد رئيس الجهاز المستشار هشام جنينة. تفشى تلك الظاهرة، وغيرها من مظاهر الفساد المالي، أدى إلى احتلال مصر المرتبة ال 88 فى مؤشر الفساد من بين 168 دولة لعام 2015، بحسب منظمة الشفافية الدولية. - من المهد إلى اللحد وتبدأ الرشوة فى حياة المصريين من مراحل متقدمة فى التعامل بين المواطنين، وصولاً إلى أهم مناصب الدولة، حيث تبدأ بجندى المرور فى أصغر إشارة للمرور، الذى يقبل أقل مبلغ متخيل، وصولاً إلى رئيس وزراء تسلم ملايين للمساهمة فى عملية فساد تخص اللوحات المعدنية التى تم تركيبها للسيارات منذ سنوات، ويقع فى المسافة بينهما ملايين الموظفين العاملين فى الدولاب الحكومي. ويكفى للتدليل على ذلك استعراض بسيط لقوائم المحاكمين أمام القضاء حالياً؛ لنكتشف أن بينهم أحمد نظيف رئيس الوزراء المصرى السابق، ووزراء سابقون منهم وزير الداخلية حبيب العادلي، ووزير المالية يوسف بطرس غالي، ووزير الزراعة صلاح هلال. كما حكمت إحدى المحاكم المصرية منذ أيام على حمدى الفخرانى البرلمانى السابق بالحبس عامين لضبطه متلبسا بتقاضى رشوة قيمتها 5 ملايين جنيه، فضلاً عن عشرات القضايا المتهم فيها مسئولون متفاوتو الدرجات الوظيفية، وملايين العمليات التى تدخل فيها الرشوة دون أن تصل إلى جهات التحقيق، سواء لمحدودية قيمتها أو لأن المتورطين فيها أصبحوا على درجة عالية من الاحتراف، تمنعهم من السقوط فى أيدى الجهات الأمنية، أو لأن هذه التعاملات أصبحت أمراً اعتيادياً لا يثير الارتياب، بل بالعكس أصبح عدم تقديم الرشاوى فى بعض المواقف هو الأمر المثير. - الدرج والحلاوة والشاي وتتعدد الصور التى يتم عن طريقها تقديم الرشاوى فى مصر، وتكون الصورة البسيطة قيام المواطن الراغب فى الحصول على خدمة معينة، بتقديم أموال أو هدايا عينية للموظف المسئول عن إنجاز هذه المهمة، سواء بشكل مباشر أو عن طريق وسيط. وللرشوة أسماء كثيرة، منها : الشاي، الإكرامية، الاصطباحة، العرق، فى حين يمكن طلبها بوسيلة قديمة لا يزال استخدامها ساريا، عن طريق "فتح الدرج" ليضع فيه المواطن المبلغ المتعارف على دفعه فى مثل تلك المواقف، أو وضع قيمة الرشوة داخل المظروف أو الأوراق التى يقدمها المواطن للموظف، وقد تكون الرشوة عبارة عن هدايا عينية بدءاً بالأقلام، وصولاً إلى الشاليهات والسيارات وفقاً لحجم "المصلحة" المراد إنهاؤها. - المرور وأقسام الشرطة وتدخل المنظومة الأمنية فى نطاق الرشاوى بشكل لافت للنظر، خاصة فى المرور وأقسام الشرطة، حيث يعتبر القطاعين مكاناً خصباً للحصول على الرشاوى. على نظاق المرور يعرف المصريون أنه يمكن إذا "كرمشت" 20 جنيهاً أن تمر من أى حاجز يستوقف السيارات، وقد تقل القيمة لتصل إلى 5 جنيهات؛ إذا كان المسؤول عن الاستيقاف جندياً، فيما تصل إلى المئات إذا كان هذا الشخص ضابطاً، فى حين يقف أمناء الشرطة فى منطقة وسط بين الجنود والضباط. وإذا بقينا مع أمناء الشرطة فى الأقسام فسوف نفتح ملفاً كبيراً من الخبرة فى تلقى الرشاوى، التى تكون إجبارية فى معظم الأحوال، ويدفعها الطرف الآخر رغماً عنه لإنهاء طلبه، أو النجاة من الإيذاء أو الحصول على محضر شرطة بشكل معين. ويشرح "أحمد" شقيق محتجز فى أحد اقسام الشرطة بعض الحالات التى يحصل خلالها "الأمين"على رشاوى، قائلاً: "أستطيع القول إن أمين الشرطة لا يترك موقفاً إلا ويحصل من خلاله على رشوة، بدءاً من تحرير المحاضر، والسؤال عن وجود محتجز داخل القسم، أو إدخال أغراض إليه داخل الحجز، أو وضعه فى حجز أكثر اتساعاً وتهوية، أو بعيداً عن "المسجلين خطراً"، أو عدم تفتيش الطعام والملابس، أو إدخال أشياء تعتبر مخالفة إلى الحجز مثل غلايات المياه وماكينات الحلاقة وأكواب الشاى الزجاجية والسكاكين، وأشياء أكثر مخالفة مثل المخدرات بكافة أنواعها". - مشاهير مرتشون كبار الموظفين بالدولة متورطون بقضايا رشاوى كبيرة، منها "قضية الآثار الكبرى"، تم خلالها تسهيل استخراج وبيع كميات كبيرة من الآثار، وقدم منهم للمحاكمة محمد عبد الكريم أبو شنب مدير إدارة الآثار المستردة بوزارة الثقافة السابق، وفاروق الشاعر، شقيق إسماعيل الشاعر مدير أمن القاهرة السابق، بالإضافة إلى المنتج السينمائى فرج الشاعر، وممدوح رمسيس. وجاءت بعدها قضية حصول عاطف عبيد وزير قطاع الأعمال فى عهد مبارك على مبالغ مالية كبيرة مقابل بيع شركات حكومية لرجال أعمال بمبالغ أقل من قيمتها الحقيقية، كما تكرر حصول العديد من الوزراء على رشاوى ومنهم ماهر الجندى المحافظ السابق للجيزة، جنوب البلاد. أما رئيس قسم المشتريات بالهيئة المصرية العامة للكتاب فقد تقاضى رشوة من متعهد فراشة -المسؤول عن توريد الخيام والكراسي- مقابل ترسية معرض القاهرة الدولى للكتاب عليه.