دبلوماسيون: الانقسام الفلسطينى والتعنت الإسرائيلى ساهم فى بعد مصر عن الملف الفلسطيني سياسيون: الأوضاع الداخلية فى مصر أبعدتها عن القضية الفلسطينة
رغم مرور عام ونصف على توليه الحكم، ما زال الرئيس عبد الفتاح السيسى يتجاهل التطرق للقضية الفلسطينية التى طالما كانت من أولويات الدبلوماسية المصرية فى سياستها الخارجية، فى حين كثف الرئيس نشاطه الخارجى لجذب الاستثمارات وتوطيد حكمه عبر عقد الصفقات السياسية والتجارية مع الدول الكبرى فى أوروبا وأسيا، فعلى الرغم من مرور ما يقرب من عام ونصف على توليه المسؤولية لم تجلس مصر على طاولة المفاوضات مع الوفدين الفلسطينيين لتحقيق مصالحه تامة تمكنهما من السعى لاسترداد الأراضى المحتلة من قبل العدو الصهيوني. وأرجع خبراء سياسيون ضعف التنسيق المصرى الفلسطينى إلى انشغال القيادة المصرية بالأوضاع الداخلية وكثرة الانتخابات الداخلية وآخرها البرلمان، كما أن ظهور منافسة فى تحقيق المصالحة من قبل قطر ومن قبلها السعودية دفع مصر لإخلاء الساحة لهم وانتظار التدخل لحسم الأمر، فى حين يرى آخرون أن مصر تتحرك فى عدة مسارات غير مباشرة لدعم القضية الفلسطينية فى ظل وجود تنسيق كامل على أعلى مستوى من قبل السلطات المصرية والفلسطينية فى مجلس الأمن وعبر لقاءات مباشرة فى القاهرة مع حركة حماس. وفى إطار ذلك، رصدت "المصريون" آراء المحللين فى أسباب تجاهل الرئيس عبد الفتاح السيسى لملف القضية الفلسطينية وعدم تحقيق أى إنجاز فيه حتى الآن. "حسين": انشغال مصر بأوضاعها الداخلية ووجود منافسة عربية أدى إلى تنحيها مؤقتًا عن القضية الفلسطينية فى البداية قال الدكتور محمد حسين أستاذ العلاقات الدولية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، إن اهتمام مصر بأمر القضية الفلسطينية شهد تراجعا كبيرا خلال الفترة الأخيرة، ومنذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى السلطة لعدة أسباب، أهمها هو التغيير السياسى الذى تشهده مصر وانشغالها بانتخابات متكررة كان آخرها مجلس النواب، بالإضافة إلى عدم اكتمال الاستقرار الأمنى والاقتصادى، ما جعل الحكومة بعيدة بعض الشيء عن لعب دورها فى تحقيق المصالحة الفلسطينية، وإفساح الطريق أمام السعودية ثم قطر فى الآونة الأخيرة. وأشار حسين إلى أن التعامل مع دول المشرق العربى غير صادق وخاصة الفصائل الفلسطينية فهو صعب للغاية ولا يلتزمون بالمواثيق أو الاتفاقات التى تم توقيعها فى الكعبة المشرفة عندما قادت المملكة السعودية المصالحة بين فتح وحماس، بالإضافة إلى وجود أدوار منافسة مثل قطر التى تحاول أن تلعب دور الريادة فى الفترة الأخيرة، وقد تجد الفصائل تدخل قطر مفيدا لكونها ستمولها ماليا بجانب مساعيها لتحقيق اتفاق سياسي. وأضاف حسين أن مصر تعمل بشكل متزن مع القضية الفلسطينية وربما يكون هناك يأس عند القيادة المصرية من كثرة تراجع الفلسطينيين فى عهودهم، إلا أنها لا تمانع فى القيام بدورها فى تحقيق المصالحة، وربما تكون مصر مؤمنة بأن القضية الفلسطينية لن تحل بواسطة أطراف أخرى، لكون مصر الوحيدة القادرة على توفير الضمانات لكل الفصائل. واستبعد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، أن يكون التقارب مع إسرائيل فى الآونة الأخيرة له دور فى تنحيها عن القضية الفلسطينية، خاصة أن مصر دولة عربية وإسلامية كبيرة ولن تلعب دورًا مضادًا للعرب وفى صالح إسرائيل، مشيرا إلى أن العداوة بين حماس وفتح أكبر من العداوة بين حماس وإسرائيل. "فهمي": مصر تدعم المصالحة الفلسطينية بصورة غير مباشرة من جانبه، قال الدكتور طارق فهمى أستاذ العلوم والعلاقات الدولية بالجامعة الأمريكية، إن التحرك المصرى تجاه القضية الفلسطينية قائم على مسارين، أولهما داخل مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وتم بالفعل اتخاذ إجراءات فيهما خلال الفترة الأخيرة عبر دعم مصر لتقديم السلطة الفلسطينية برئاسة عباس أبو مازن لخمسة ملفات لمجلس الأمن تشمل مدة الاستحقاق الزمنى لتنفيذ ما له علاقة باتفاقيات أوسلو وقضية اللاجئين والمستوطنات وقضية رسم حدود الدولة والعلاقات المستقبلية بالدولة. وأوضح فهمى أن مصر مساهمة بشكل غير مباشر فى تحقيق المصالحة كأحد الخيارات التى تتبعها لدعم القضية الفلسطينية، لاسيما أن المصالحة تمت بالفعل، والمنتظر هو التوقيع الرسمى للاتفاق من كل الأطراف. وكشف فهمى أنه تم الاتفاق على أنه بعد انفراج الموقف فى قطر، سيعود الوفد الفلسطينى بقيادة «أبو مازن» للقاهرة للتنسيق مع الدبلوماسية المصرية. ولفت فهمى إلى أنه لا توجد اتصالات فى الوقت الحالى بين مصر وإسرائيل فى ملف المفاوضات، وآخر الاتصالات كانت متعلقة بموضوع التحكيم، واستيراد الغاز الطبيعى من إسرائيل والذى وافق عليها رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو منذ أيام. وأكد أستاذ العلاقات الدولية، أن أسباب عدم ذهاب مصر إلى لقاء الدوحة لإتمام المصالحة يرجع إلى عدة اعتبارات، أولها كونها قيمة مصر الإقليمية والسياسية أكبر من دولة قطر، ثانيًا أن هناك لقاءات ثنائية حدثت فى مصر لإقرار ما سيتم إقراره فى لقاء الدوحة، ثالثًا أن المشكلة ليست فى السلطة الفلسطينية أو فى منظمة فتح، ولكن المشكلة فى حركة حماس، رابعًا أن مصر قامت بالتنسيق مع حركة الجهاد الفلسطينى وتم إعلامها أن هناك تأييدًا مصريًا تامًا لأى نهج سوف يجري. صبيح: السيسى أعلن موقفه إزاء القضية الفلسطينية باتفاق القاهرة على سياق آخر، قال السفير محمد صبيح أمين سر المجلس الوطنى الفلسطينى، إن الرئيس السيسى أعلن موقفه إزاء القضية الفلسطينية فى اتفاق القاهرة، فالسيسى كونه رجلاً عسكريًا يساعد لقيام مصر بدور الرئاسة فى استعادة الحقوق الفلسطينية المسلوبة وقيام السلام العادل بالمنطقة، فضلا عن كونه رئيسا ليس لمصر بل للقمة العربية خاصة بعد أن حصلت مصر على مقعد بمجلس الأمن، بما يجعل للرئيس السيسى دورا مثقلا إزاء القضية الفلسطينية أمام القوى العالمية وكرائدة لنشر السلام فى الشرق الأوسط. وأوضح صبيح أن الانشقاق الفلسطينى - الفلسطينى هو أهم المعوقات أمام الجانب المصرى لحل القضية الفلسطينية، ما أساء لوضع القضية الفلسطينية، فضلاً عن الظروف الدولية وما تشهده المنطقة من مؤامرات إلى جانب تعطيل الجانب الإسرائيلى للحل. وطالب صبيح حركة حماس بالاهتمام بتلبية احتياجات الوحدة الفلسطينية بما يتماشى مع اتفاق القاهرة، ملمحا إلى أن صاحب الرأى فى القضية الفلسطينية هو الشعب المصرى فى النهاية وليس مقتصرا على الرؤساء، فلا يمكن التحدث عن شخص القيادة فقط، بل برأى الشعب المصرى بأكمله من خلال ما يجمعهما من روابط وعلاقات تاريخية. وأكد صبيح أن القضية الفلسطينية قضية أمن وطننا والوطن العربى لن يكتمل إلا من خلال استقرار الحدود من ناحية، ملمحا بمدى أهمية الدور العربى إزاء الملف الفلسطينى فى الوقت التى تستحوذ مصر على الدور الأساسى والفعال على مستوى المنطقة لما تمتلكه مصر من ملفات كاملة وسعيًا منها لتحقيق الوحدة الفلسطينية. بيومى: الانقسام الفلسطينى والتعنت الإسرئيلى.. أكبر التحديات التى تواجه السيسي على نفس السياق، قال السفير جمال بيومى مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن النظام المصرى لم ينشغل عن القضية الفلسطينية، لأنها تمثل أمنًا قوميًا للبلاد، مشيرًا إلى أن السبب الحقيقى فيما يمكن تسميته بقلة اجتماعات المفاوضات بين الجانبين، هو أن الفلسطينيين أنفسهم يعيشون فى انقسام كبير بين حركة المقاومة الفلسطينية وحماس. وأكد بيومى أن الوضع فى غزة بعد سيطرة حكومة حماس عليها ورفضها الاعتراف بشرعية منظمة التحرير الفلسطينية يصعب من المفاوضات فى الوقت الراهن، باعتبار أن حماس تريد خلافة إسلامية فى غزة، وترفض الاعتراف باتفاقية أوسلو، بل ووصل الأمر إلى اعتبارها أن الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات خائن بحسب تصريحاتها. وأوضح بيومى أن الجزء الأكبر الذى يمثل عائقًا أمام الرئيس السيسى هو الحكومة الإسرائيلية والتى بها شخصيات متطرفة لا تريد أى حل توافقى للقضية الفلسطينية فى ظل استمرارهم فى بناء مستوطنات على الأراضى الفلسطينية، فضلا عن ضغط "اللوبى اليهودى" فى الكونجرس الأمريكى ما يمنع أى محاولات لحل القضية الفلسطينية. ولفت بيومى إلى أن ما تشهده الحدود المصرية الفلسطينية من تهريب سلاح من جانب حماس يمثل تحديًا كبيرًا، إلا أن الدولة المصرية لا تتعامل مع القضية الفلسطينية باعتبارها حماس، إنما قضية شعب فلسطينى مسالم يناضل من أجل حرية أرضه والذى طالما ظلت مصر داعمة له ولحقه على مدى عقود طويلة. وعن غياب زيارة مسؤولين إسرائيليين إلى القاهرة، أكد أن الرأى العام المصرى غير مرحب بمثل هذه الزيارات فى ظل تعنت إسرائيلى لمواصلة بناء المستوطنات على الأراضى الفلسطينية.
شاكر: القضية الفلسطينية مرهونة بحل أزمات المنطقة العربية بأكملها من منحى آخر، قال السفير محمود شاكر رئيس مجلس العلاقات الخارجية سابقا، إن الملف الفلسطينى يحتاج إلى مزيد من الحنكة السياسية والصبر، مشددا على أنه لابد من خطوة إلى الأمام دون ترك الملف راكدا وإحيائه على وجه من السرعة، فضلا عن أن الوضع متفجر فى الأراضى المحتلة والقدس. وأضاف شاكر أن هناك عدة أسباب عطلت الوصول لحل القضية الفلسطينية من خلال التعنت من جانب الدولتين فلسطين وإسرائيل، لافتا إلى أهمية ذلك قبل أن تبلع إسرائيل العديد من الأراضى الإسرائيلية، فضلا عن الأوضاع المتأزمة فى المنطقة العربية من الصراع السورى وليبيا والعراق واليمن. وأوضح شاكر أن الرئيس عبد الفتاح السيسى يواجه فى مصر تركة كبيرة، فى حين يحتاج الملف الفلسطينى الصبر والحكمة والحنكة السياسية، وهناك اختلاف بين كل من الرئيس السيسى والرؤساء السابقين فى مناقشة الملف، معللاً قوله بأن لكل مرحلة شخصيتها وأحكامها، إلا أن مصر طالما ما أعلنت عن مساندتها للقضية الفلسطينية. وأكد شاكر أنه لا بد أن تنتظر القضية الفلسطينية الانتهاء من مشاكل الدول العربية المجاورة للاستقرار على حل للمشكلة وانتظار الكيانات الجديدة التى ستظهر لإمكانية الاتفاق على حل القضية، موضحا أنه لابد من وحدة العالم العربى للتفرغ مرة أخرى بحكم أن القضية الفلسطينية هى أساس لكل مشكلة بالدول العربية بالعودة لمبادرة ملك السعودية الراحل الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، فهناك تنسيق بين مجلس العلاقات الخارجية وجامعة الدول العربية لحل الملف.