منذ أيام انشغل الرأي العام بحادث سير مروع، حيث دهست سيارة كانت تسير بجنون شابًا عمره 27 عامًا، أحالته في النهاية إلى أشلاء.. الضحية العائل الوحيد لأسرته المكونة من والدته وزوجته وطفلين. في التفاصيل تبين أن السيارة كان يقودها طالب شرطة، في السنة الأولى -18 عامًا- بدون رخصة، وأن والده وشقيقه وعمه ضباط شرطة، من ذوى النفوذ الواسع.. كان هذا المشهد "العائلي" للطالب، يدفع في اتجاه التوقع ب"تستيف" القضية لصالح الجاني - طالب الشرطة.. وهو ما ظهر بوضوح في مداخلة لشقيق المجني عليه، في إحدى الفضائيات المحلية ولسان حاله يقول: ماذا عسانا نعمل أمام هذا "الإرهاب العائلي"؟!.. بعدها بأيام أطلق سراح الطالب بكفالة 30 ألف جنيه.. فيما خرج المجني عليه بكسر بالحوض وبالكتف اليمنى وكسر بالرجل اليمنى واليسرى، وكسر أربعة ضلوع في الصدر. هذه الواقعة كاشفة للمعوقات التي تواجه أية جهود لإصلاح هيئة الشرطة، فعندما تتحول أية جهة إلى مؤسسة عائلية، فإنه من الصعب إصلاحها.. لأنه من الصعوبة أن تحاسب المخطئ فالأخير شقيق أو ابن ضابط كبير، ومن خلفه عائلة ذات نفوذ اجتماعي وسياسي أيضًا يجعل الضابط المخطئ في حصانة عرفية تحميه من الحساب. المسألة لا يمكن حصرها في رغبة الدولة في حماية الشرطة، لأنها تحتاجها في قمع المعارضة السياسية وفى التصدي للإرهاب.. ربما يكون ذلك صحيحًا ولكن ليس في كل وقت، وإنما وقت الاضطرابات الأمنية، التي تهدد استقرار السلطة.. ولعل الأوضاع الحالية -اتساقًا مع هذا الرصد- ربما يحمل السلطة على التسامح مع الانتهاكات، خاصة أن نزعة التمرد بعد ثورة يناير، اتسعت لتشمل كل المؤسسات بما فيها الهيئات النظامية، التي لا تقوم إلا على الانضباط الصارم، ومن بينها هيئة الشرطة.. ولعلنا نتذكر مظاهرات أمناء الشرطة في مدينة الزقازيق في أغسطس الماضى 2015، وأمام وزارة الداخلية في يناير 2012، وفى المنيا في مارس 2013، وآخرها يوم 4 فبراير 2016، عندما أغلق ضباط وأمناء دار السلام قسم الشرطة احتجاجًا على نقل المأمور. هذا كله صحيح، ويجعل السلطة أكثر حذرًا في معاقبة الضباط المتهورين ولكن المسألة التي تجعل عملية الإصلاح بعيدة المنال هى تحول وزارة الداخلية إلى مؤسسة عائلية، ينحدر ضباطها من القبائل الكبيرة في الصعيد، ومن العائلات المتنفذة في الدلتا، وهى عائلات تشكل جزءًا أساسيًا من تحالف الدولة العميقة المعادى للإصلاح ولثورة يناير أساسًا. لا حل –إذن- إلا في التفكير وتقديم حلول لتفكيك هذا النظام العائلي على المدى البعيد.. لأنها مسألة معقدة وشديدة الصعوبة، ولا نتوقع لها حلاً قريبًا، ولا في إطار أي تحول سياسى كبير.. وإذا لم يُوضع حل، لإنهاء مأسسة الشرطة، على منطق المحاصصة العائلية، فإن أية جهود أخرى، لن لا تثمر الإصلاح الذي نأمله جميعًا. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.