في مشهد يجمع بين عظمة التاريخ ودقة العلم، استيقظت معابد الكرنك شرقي الأقصر على حدث فلكي فريد، حيث تعامدت أشعة الشمس مع قدس أقداس المعبد، في ظاهرة تعكس عمق معرفة المصري القديم بحركة الأجرام السماوية وربطها بدورة الزمن والفصول. اقرأ أيضا| غدا.. تعامد الشمس على معابد الكرنك.. احتفالية عالمية تعلن بداية الشتاء شهدت معابد الكرنك، صباح اليوم الأحد، ظاهرة فلكية مميزة تمثلت في تعامد أشعة الشمس على غرف الإله «آمون رع»، تزامنًا مع الانقلاب الشتوي، في واحدة من أكثر من 22 ظاهرة فلكية موثقة داخل المعابد المصرية القديمة. وحضر الحدث مئات الزائرين من المصريين والسياح الأجانب، يتقدمهم نائب محافظ الأقصر الدكتور هشام أحمد أبوزيد، في أجواء احتفالية تعكس اهتمام الدولة والمجتمع المحلي بإحياء التراث الحضاري والفلكي لمصر القديمة، وذلك وفقًا لما نقلته وكالة الأنباء الألمانية «د ب أ». وأوضح أيمن أبوزيد، رئيس الجمعية المصرية للتنمية السياحية والأثرية، أن أشعة الشمس نجحت في اختراق ممرات المعبد لتصل بدقة لافتة إلى غرف «آمون رع»، في دليل واضح على براعة التخطيط الهندسي والفلكي لدى قدماء المصريين، الذين استخدموا المعابد كوسيلة لرصد الزمن وتحديد بدايات الفصول الزراعية. وفي السياق ذاته، أعلن «أبوزيد»، عن إطلاق مبادرة جديدة تحت عنوان «الكرنك مرصد فلكي عالمي قديم»، والتي تهدف إلى تسليط الضوء على القيمة الفلكية لمعابد الكرنك، والترويج لها كأحد أهم المراصد الفلكية التاريخية في العالم. وتسعى المبادرة إلى تعزيز مكانة الأقصر على خريطة السياحة العالمية، ليس فقط كعاصمة للسياحة الثقافية، بل أيضًا كوجهة متميزة لعشاق الفلك والظواهر الكونية، بما يسهم في تنويع المنتج السياحي وإطالة مدة إقامة الزائرين. حين تتجدد الأسطورة «آمون رع» يستقبل شمس الخلود في معابد الكرنك مع أول خيوط الفجر، لا يكون الضوء في معابد الكرنك مجرد شمس عابرة، بل رسالة متكررة منذ آلاف السنين، رسالة صاغها المصري القديم بحسابات دقيقة وإيمان راسخ، لتروي حكاية الإله «آمون رع» وعلاقته بالشمس، في مشهد كوني يتكرر في التوقيت نفسه كل عام، وكأن الزمن يتوقف احترامًا لعبقرية حضارة لا تموت. بداية الحكاية: حكاية الإله «آمون رع» في فجر التاريخ، حين كانت طيبة (الأقصر حاليًا) قلب مصر النابض، وُلدت أسطورة إله لم يكن يُرى بالعين، لكنه كان حاضرًا في كل شيء، اسمه «آمون»، ومعناه في اللغة المصرية القديمة «الخفي»؛ ذلك الإله الذي لا يُرى، لكنه يمنح الحياة ويحرّك الكون في صمت. كان آمون إلهًا محليًا بسيطًا، لكن مع صعود طيبة كعاصمة لمصر، صعد نجمه في السماء، حتى التقت قصته بقصة الشمس ذاتها، وعندما اتحد «آمون» مع إله الشمس «رع»، وُلد الإله الأعظم «آمون رع»، سيد الآلهة ورب الشمس والنور. تحكي الأسطورة أن «آمون رع» كان يشرق كل صباح في السماء، يهب الضوء والدفء، ويمنح الحياة للنبات والإنسان والحجر، ومع كل غروب، كان يخوض رحلة ليلية في العالم السفلي، يقاتل قوى الظلام، ليعود منتصرًا مع فجر جديد، وهكذا أصبح رمزًا للتجدد والانبعاث والانتصار الأبدي للنور. في معابد الكرنك، لم يكن «آمون رع» مجرد تمثال من حجر، بل روحًا حية تسكن قدس الأقداس، صمّم المصري القديم المعبد بدقة مذهلة، لتدخل أشعة الشمس في يوم محدد من كل عام إلى غرفة الإله، وكأن الشمس تأتي بنفسها لتحيي ربها، في طقس سماوي يؤكد وحدة الإله والشمس والزمن. وكان الفراعنة يعتبرون أنفسهم أبناء «آمون رع»، يستمدون منه شرعيتهم وقوتهم، لذلك نُقشت صوره على الجدران، وحُفرت أناشيده في المعابد، وارتبط اسمه بالنصر والحكمة والعدل. ومع مرور آلاف السنين، بقيت الحكاية حية، فما زالت الشمس تعرف طريقها إلى غرفة «آمون رع»، وما زال المعبد يؤدي دوره كمرصد فلكي، شاهدًا على حضارة آمنت بأن الكون ليس فوضى، بل نظام دقيق، يقوده إله خفي يظهر في الضوء، هكذا كان «آمون رع»، إلهًا جمع بين الغيب والنور، وبين الأسطورة والعلم، وترك لنا معابد تحكي قصته حتى اليوم.