ليس ثمة ما يدعو إلى التفاؤل، بشأن إمكانية أن تغير الشرطة، أسلوبها الاستعلائي القمعي على المصريين! فالمسألة لا تحل بحزمة إجراءات إدارية داخلية، لأن جهاز الشرطة، كما قلت في مقال سابق، جهاز عائلي، تسيطر عليه عائلات تنحدر إلى أصول طبقية متنفذة، توفر الحماية للضابط المنحرف، ليس فقط داخل وزارة الداخلية، ولكن أيضًا أمام سلطات التحقيق، وهو ما يفسر الالتفاف على غالبية قضايا القتل والتعذيب التي يرتكبها ضباط الشرطة.. ناهيك عن الانحياز المهني ل"ابن الكار"، وتبعية الطب الشرعي لوزير العدل، أي للسلطة التنفيذية التي تعتبر الداخلية "المتهمة" جزءًا منها، ما يسهل عملية التلاعب في التقارير، وإخراج الضابط المتهم من القضية مثل الشعرة من العجين. تغيير السلوك في هذا البيئة، بالغ الصعوبة، ولن نسمع إلا ذات الكلام الذي كنا نسمعه في أيام مبارك وما قبله: المخطئ سيحاسب.. كلام للاستهلاك وتخدير المشاعر الغاضبة، فيما لا يحاسب أحد، لأن "زيتهم في دقيقهم". لا ننتظر أي تغيير في المستقبل القريب، على أقل تقدير، وربما تحمل إلينا الأخبار في قادم الأيام، أنباء عن ضحايا جدد، يدخلون أقسام الشرطة، أصحاء ويخرجون منها جثامين محملين على النعوش.. ثم يخرج علينا بعده حضرة الباشا الكبير، ليعيد علينا ذات الأغنية: المخطئ سيحاسب، بالتزامن مع بعض "الحركات": وقف عن العمل أو حبس احتياطي، ثم تطوى القضية فلا نسمع لها حسًا ولا همسًا. ضابط الإسماعيلية قاتل الطبيب البيطري على سبيل المثال أين هو الآن؟! نُشر أن النيابة حبسته احتياطيا 15 يوما على ذمة التحقيقات.. ثم أعلنت الداخلية أنه تم نقله إلى مديرية أمن أخرى خارج الإسماعيلية.. لنسأل هو الضابط "حُبس" ولا "نُقل"؟! وإذا حُبس.. فهل هو داخل الحجز فعلاً، أم محبوس "كده وكده".. جالس في القسم يتسامر مع زملائه، ويلعب معهم الكوتشينة؟! كل القضايا المتهم فيها ضباط شرطة بمخالفة القانون والتعدي على كرامة المصريين، وانتهاك آدمياتهم.. كلها تتبع سبيل قرص الأسبرين "الفوار".. ضجيج في وقتها لإسكات وترضية الرأي العام الغاضب.. ثم لا نعرف بعدها شيئًا عن القضية. المسألة كما قلت آنفًا ظاهرة طبيعية: يفلت الضابط الجاني من العقاب، لأن الداخلية "مؤسسة عائلية" فمَن يحاسب فيها مَن؟!.. فيما تظل حاجة الدولة القمعية إلى "بطش" الشرطة، عاملاً ضاغطًا على سلطات التحقيق، لتدليع الضابط، والبحث عن مخرج قانوني لتسليك المسألة. ورغم كل المعوقات الصلبة التي تعيق إصلاح الداخلية في الوقت الراهن، إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، وبعض الصحف والإعلاميين الذين لا يزالون محتفظين بنقائهم المهني والإنساني والوطني، يعتبر كل ذلك المعادل الموضوعي الذي سيساعد بالتراكم وبمضي الوقت على تفكيك هذه المعوقات في المستقبل، أعرف أن المسألة ليست سهلة وستطول وستستغرق وقتًا، ولكن في النهاية كما علمتنا السنن الاجتماعية أن قوى الإصلاح تنتصر في النهاية. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.