عندما كان مجدي حسين رئيس تحرير صحيفة الشعب ، يقضي عقوبة الحبس ، بسبب تبنيه فتح ملفات فساد عائلة وزير داخلية سابق ، طلبت إدارة الصحيفة التي تولاها نيابة عن مجدي ، عمه الكاتب الصحفي الكبير الراحل عادل حسين رحمه الله تعالى .. طلبت ، إدارة التحرير ، من الصحفيين الاتصال بعشرات من المثقفين المصريين ، سيما من يتمتع منهم بثقل سياسي أو فكري أو مهني ، و تثق الصحيفة في قدرتهم على احراج النظام و الضغط عليه ، و الحصول منهم على تصريحات تطالب الرئيس مبارك بالتدخل ، و يصدر قرارا رئاسيا ب "العفو" عن مجدي حسين و الافراج عنه ! كان كل العاملين بالصحيفة من المحررين و الصحفيين ، يدرك الفارق و التباين الكبير في طريقة إدارة الأزمة مع النظام ، بين عادل حسين رحمه الله و ابن شقيقه مجدي حسين .إذ تغلبت على طريقة تعاطي الأول معها رغم وعيه السياسي العالي مشاعر و عواطف العم ! فيما كان مجدي حسين و هو داخل السجن أكثر صلابة و قوة ، ووعيا بأن القضية قد تخطت مجدي "كشخص" ، و باتت قضية أكثر تشابكا و تعقدا سواء باتصالها بمسألة "كرامة الصحفي" المصري أو ارتباطها الوثيق بفكرة الفصل بين السلطات ، و لذا رفض مجدي حسين كل العروض التي اشترطت مقايضة حريته بالاعتذار لوزير الداخلية ، و أصر على الاحتكام إلى القضاء و ليس إلى السلطة التنفيذية التي وعدته ب"العفو" مقابل هذا الاعتذار ! المهم أنني كنت من بين الصحفيين الذين كلفوا بهذه "المهمة" إذ كلفت حينها بالاتصال بنقيب الصحفيين آنذاك الاستاذ مكرم محمد احمد ، و حاولت أن احصل منه على تصريحات تطالب الرئيس بالافراح عن مجدي حسين ! غير ان الرجل نبهني إلى ان هذا الاسلوب ، حتى و إن جاء بنتيجة لصالح مجدي ، لن يكون مفيدا بالمرة على مستقبل "دولة القانون" التي يناضل من أجلها المثقفون المصريون ، و قال : إنه ضد أن يكون لرئيس الجمهورية الكلمة الفصل في قضايا منظورة أمام القضاء ، لأن ذلك يعد تأصيلا و تكريسا لتدخل السلطة التنفيذية في شئون القضاء ، موضحا أن من الأشرف لمجدي من جهة و لمصر كلها من جهة اخرى أن نبعد رئيس الجمهورية عن مثل هذه الامور ، و أن نقف بجانب القضاء و نحتكم إليه أفضل من ان نلجأ إلى رأس السلطة التنفيذية ليحل محل القضاء في الفصل في القضايا السياسية . احترمت رأي الرجل الذي كان بالفعل سديدا و اعتذرت لإدارة التحرير عن استكمال ما كلفت به . و الحال أن رأي مكرم في ذلك الوقت كان متسقا مع رأي مجدي و هو داخل السجن ، ليخرج الأخير منه منتصرا لنفسه و لزملائه الصحفيين و للقضاء المصري .. لأنه أفرج عنه بحكم قضائي و ليس بعفو رئاسي ، و بدون أن يقدم اعتذارا واحدا لوزير الداخلية السابق . أقول هذا الكلام .. بمناسبة تبني بعض المثقفين و الصحفيين فكرة أن يتدخل الرئيس مبارك و يصدر عفوا رئاسيا عن د. أيمن نور .. لأن هذا المنحى يعيدنا إلى ذات المربع الذي نحاول الخروج منه منذ عشرات السنين ، و دفع ثمنه الكثيرون سجنا و اعتقالا و تنكيلا .. و قد علمت مؤخرا أن نور رفض ان يفرج عنه بمثل هذا القرار أو العفو .. و هو موقف يستحق عليه التحية ، و نأمل من الزملاء أن يكفوا عن "مجاملة" النظام و التودد و التزلف إليه على حساب قضايا مصر الكبيرة .. عيب و افهموا .. . فلن يحميكم إلا "دولة القانون" و ليس "دولة الرئيس " . [email protected]