مرت أمس الذكرى الخامسة لوفاة الكاتب الصحفي والمفكر الاسلامي الكبير الاستاذ عادل حسين رحمه الله تعالى ، وشاءت الاقدار أني كنت في ذات اليوم الذي تلقيت فيه رسالة على الموبايل الخاص بي ، تذكرني بذكراه ، كنت في مصر الجديدة ومررت بالقرب من الشقة التي استأجرها حزب العمل ليدير منها الحملة الانتخابية ل عادل حسين في انتخابات عام 1995 ، عن دائرة مدينة نصر ومصر الجديدة ، أمام عبد المنعم عمارة مرشح الحزب الوطني . ومر بخاطري الكثير من تفاصيل المشهد الذي عايشته بنفسي ، إذ كنت واحدا من معاوني الراحل في إدارة حملته . لفت نظري .. اثناء تجوالنا برفقته في أحياء مدينة نصر ومصر الجديدة ، أن كان رحمه الله يشتاط غيظا كلما اكتشف أحدا لايحمل بطاقة انتخابية من أهالي الدائرة ، ليس بسبب احساسه بأنه فقد صوتا انتخابيا ، وانما لوعيه بأن المشاركة هي الحل الوحيد لاحراج النظام وكشفه والحيلولة دون امعانه في التزوير، فغياب الناس في رأي مفكرنا الكبير، عن لجان التصويت هو ما يأمله نظام اعتاد على أن يسود بطاقات الاقتراع نيابة عنهم وفي غيبتهم . وتأكد لي هذا الوعي عند حسين ، ظهر يوم الاقتراع ، عندما طالبه مؤيدوه وأنصاره والجماهير الغاضبة أن يدعو إلى مؤتمر صحفي يعلن فيه انسحابه من الانتخابات ، بعد ما شاهدناه من عمليات بلطجة واسعة النطاق ، حيث ألقي القبض على مندوبين عادل حسين من بيوتهم فجر يوم الادلاء بالأصوات ، وطلبوا ممن فلت من قبضة الأمن أن يصادق على التوكيلات بامضاء مأمور قسم مصر الجديدة وخاتم وزارة الداخلية ، وهو الطلب الذي لم ينفذ وماطلت الشرطة فيه إلى أن مضى نصف النهار ، فيما وقف البلطجية أمام جميع اللجان حاملين مياه النار لتهديد كل من يفكر الاقتراب من اللجان التي تركت مستباحة بعد ذلك لتسويد بطاقاتها من مندوبي مرشح الوطني . عندما طالبنا عادل حسين بأن يعلن أمام الصحافة ووكالات الانباء انسحابه ، غضب غضبا شديدا وبدت عليه عصبيته "الطفولية البريئة" التي كنا نحبها ، وقال : يعني انتم كنتم متوقعين أنهم سيكونون شرفاء ثم اتضخ فيما بعد أنهم نصابون . .. احنا كنا نعرف أنهم مزورون وسيزورون الانتخابات .. لكن المشاركة مهمة لتوثيق هذا التزوير والبلطجة الرسمية واحراجهم أمام الدنيا كلها". لم تكن انتخابات عام عام 1995 بالنسبة لعادل حسين تستهدف مقعدا بالبرلمان بقدر استهدافها تلقين درس لمؤيدية في أهمية المشاركة مهما كانت حجم الاحباطات .. ولقد أحسن الله تعالى خاتمة الراحل الكبير ، إذ توفي يعد أن أغلق النظام حزبه وصحيفته نكالا لهما على خوضهما أكبر حملات على الفساد في تاريخ الصحافة المصرية : فساد عائلة وزير داخلية سابق والفساد في وزارة الزراعة والفساد بوزراة الثقافة فيما عرف بقضية "وليمة لأعشاب البحر" . بعد اغلاق جريدة الشعب وحزب العمل ، نشرت مجلة "الوسط" التي تصدر بلندن والآن باتت ملحقا لصحيفة الحياة اللندنية حوارا مع الكاتب والاديب الكبير الصديق الحبيب الدكتور محمد عباس ، عندما سئل الاخير عن سبب اغلاق صحيفة الشعب أجاب قائلا: في مصر حريتان "حرية الفساد" و"حرية الصحافة" والحريتان لاتجتمعان .. وفي النهاية انتصرت حرية الفساد على حرية الصحافة . فعلا انتصرت حرية الفساد على المناضل والمجاهد الكبير رحمه الله ولكنه لم ينكسر بل ظل حاملا قلمه الشريف والنبيل في جبهات الصحافة ، وجسده النحيل الضعيف في نقابة الصحفيين يشاركنا نحن صحفي الشعب اعتصاماتنا واضرابنا عن الطعام . المشكلة التي كانت تؤلم حقا أن معظم القوى السياسية المصرية والمؤسسات الصحفية كانت تعتقد في ذلك الوقت أن حرية الفساد انتصرت على عادل حسين وحده وأنهم بمنأى عن التنكيل وأنهم سيظلون يرفلون في نعيم رضى السلطة عليهم ، حتى باغتهم النظام ليعاملهم باهانة وبلا كرامة ... لينال عادل حسين شرف الموت في أرض المعركة مرفوع الراية والرأس ، وليموت غيره من الجبناء ممن ارتضوا بالقعود مع الخوالف ... ليموتوا بالحيا مكسورين الرأس والجناح وليلقوا في نهاية حياتهم في مزابل التاريخ . [email protected]