30 يونيو.. تأكيد وحدة مصر

فى تاريخ الشعوب محطات فارقة تصنع منعطفاتها الكبرى وتحسم خياراتها المصيرية. وتبقى ثورة 30 يونيو 2013 واحدة من تلك اللحظات التاريخية التى أنقذت مصر من ضياع الهوية والتفكك المجتمعى والانجرار نحو مصير مظلم على يد جماعة لا تؤمن بفكرة الدولة بل تعتنق مفهوماً ضيقاً للسلطة قوامه الولاء للعشيرة لا للوطن.
لقد كان ما حدث فى يونيو 2013 انتفاضة شعبية هادرة ضد مشروع تفكيكى حاول اختطاف الدولة المصرية العريقة وزجها فى نفق مغلق تتآكل فيه مؤسساتها ويختزل فيه الوطن فى جماعة والقرار فى مكتب الإرشاد والرئيس فى مكتب الإرشاد. لقد أدرك المصريون أن هويتهم الثقافية والاجتماعية والدينية الجامعة مهددة، وأن المشروع الإخوانى ليس إلا محاولة لفرض نمط واحد على مجتمع متنوع متسامح متجذر فى حضارته الممتدة لآلاف السنين.
الرئيس المعزول محمد مرسى لم يكن رئيساً لكل المصريين بل رئيساً لفصيل واحد لا يرى الشعب إلا من خلال أهله وعشيرته. وخطابه الشهير فى قاعة المؤتمرات، حين قال أهلى وعشيرتى كان كاشفًا لجوهر الأزمة: مصر تتعرض لمحاولة اختطاف لاختزالها فى جماعة مغلقة ترى الوطن أداة لمشروعها لا غاية فى ذاته. وهذه خيانة لفكرة الدولة التى قامت منذ عهد الفراعنة على مركزية الانتماء للوطن لا للقبيلة أو الطائفة أو الجماعة.
30 يونيو كانت ثورة لاستعادة مصر، لا فقط من حكم الجماعة ولكن من مشروع تقسيمى يستهدف وحدتها الثقافية والاجتماعية. فالشعب المصرى بكل تنوعاته الجغرافية والدينية والمجتمعية يملك نسيجا فريدا من العادات والتقاليد والطباع الأصيلة والثقافة التى توحده رغم تنوعه. هذا النسيج كان مهدداً بالتآكل تحت حكم جماعة ترى فى التنوع خصماً وفى الاختلاف كفرا وتسعى لفرض نموذج واحد على مجتمع متعدد.
لقد خرج ملايين المصريين فى 30 يونيو حاملين علم مصر لا شعار جماعة مرددين نشيد الوطن لا هتاف التنظيم مطالبين بعودة الوطن الذى يعرفونه وطن لكل المصريين لا وطنًا مرهونًا لمكتب إرشاد أو قرارات تصاغ خارج حدود الدولة.
وجاء تدخل القوات المسلحة استجابة لإرادة الشعب لحماية الدولة لا السيطرة عليها ولإعادة التوازن للمشهد الوطنى لا مصادرة الحريات. ومنذ ذلك اليوم شرعت مصر فى استعادة مؤسساتها وترميم هويتها وتثبيت أركان جمهوريتها الثانية على أسس المواطنة لا الطاعة وعلى قاعدة التعدد لا الإقصاء.
فى ذكرى 30 يونيو علينا أن نستدعى دائما الدرس الكبير، أن مصر لا تحكم بمنطق الغلبة ولا تدار بمنطق الجماعة بل تبنى وتستمر عندما يكون الوطن هو الأولوية والهوية الوطنية الجامعة هى المرجعية والشعب بكل مكوناته هو صاحب القرار.
إنها ثورة شعب استعاد بها وطنه وصان بها هويته ورفض أن يختزل فى قبيلة أو عشيرة أو جماعة فمصر أكبر من أى تنظيم وأبقى من أى مشروع مؤقت.