طوّت مصر صفحة المفاوضات الفنية بينها وبين إثيوبيا بخصوص سد النهضة، دون أن تُعلن عن ذلك، واستجابت لنداءات داخلية متكررة بضرورة اتخاذ موقف أكثر جرأة في التعامل مع الدولة الإثيوبية، ففيما طالب متخصصون وأكاديميون مصريون بضرورة تدويل القضية بعد تعمد «أديس أبابا» المضي قدما في بناء السد، قال آخرون إن "مصر تملك حلولاً غير فنية للأزمة ستظهر في وقتها". وتقول مصادر مطلعة بالخارجية المصرية، إن أجهزة مخابراتية مصرية تُنسق للقاء يجمع الرئيس السيسي بالرئيس السوداني عمر البشير بخصوص خطة عمل مشتركة هدفها تحجيم نفوذ إثيوبيا، بعدما انتهت دولة "جنوب السودان" من دراسات لتشييد سدين جديدين على النيل الأزرق بتنسيق كامل مع إثيوبيا ودولة الكونغو. وعلى الرغم من الخلافات التي عصفت بالعلاقات الدبلوماسية بين مصر والسودان مؤخراً بسبب "طمع" السودان في حلايب وشلاتين المصرية، إلا أن توغل جنوب السودان ورغبتها في تشيّيد سدين على النيل الأزرق هدأ من حدة الانتقادات والتلاسن بين السودان والقاهرة بخصوص حلايب وشلاتين، حيث إن إقامة سدين جديدين في جنوب السودان يعني أن مصر والسودان يواجهان مخطط "إثيوبي- سوداني" مشتركًا هدفه الإضرار بالدولتين. وفي هذا السياق، يقول الخبير المائي الدكتور نور عبد المنعم، إن السدين اللذين تشيدهما دولة جنوب السودان بعلم القاهرة، مؤكداً أن مصر قدمت منحة فنية لدولة جنوب السودان تقدر ب 26.4 مليون دولار، وهدفها هو إقامة سد "واو" بغرض توليد الكهرباء. ونفى عبد المنعم خلال تصريح ل "المصريون"، وجود أي أخطار للسدين الجديدين اللذين تشيدهما دولة جنوب السودان على مصر، مشيراً إلى الاتفاقية الموقعة بين مصر وجنوب السودان في مارس من العام الجاري، والتي تنص على تبادل المنفعة فيما يخص الكهرباء المتولدة من سد "واو". وأوضح أن دولة جنوب السودان يوجد بها بحران يصبان في النيل الأبيض، أحدهما بحر الجبل بجنوب السودان، تأتي منه المياه من أوغندا لتصب في النيل الأبيض ويمد هذا البحر النيل الأبيض بما يقرب من 85 بالمائة من إجمالي مياهه، فيما يمد بحر الغزال النيل بالكمية المتبقية، حيث يتساقط على بحر الغزال 200 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، نصف مليار منها فقط تنزل إلي النيل الأبيض، فيما تهدر الكمية المتبقية. وعن أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا، قال عبد المنعم، إنه لا يوجد أمام مصر غير التفاوض حتى وإن طال الزمن، مناشداً المسئولين بالتحلي بسياسة النفس الطويل حتى لو تم استكمال السد الإثيوبي، مؤكداً أن الخطوة القادمة هي رفع الأمر لرؤساء الدول طبقاً لما نصت عليه اتفاقية المبادئ الموقعة بين مصر والسودان وإثيوبيا. من جانبه، اعترض الدكتور زكريا هميمي، أستاذ المياه والجيولوجيا بجامعة بنها، على إقامة السدود على المجرى المائي لنهر النيل، معتبراً أن إقامة أي سد على النيل يُقلل ويخصم من حصة مصر من المياه تدريجياً، معتبراً أن اتجاه السودان لإقامة سدين على النيل يضر بمصر كثيراً. وأشار هميمي في تصريح ل "المصريون"، إلى أن خيار ضرب سد النهضة من عدمه متروك للقيادة السياسية ولا يجوز التدخل فنيًا فيه من جانب الخبراء والمتخصصين، مؤكداً أن مصر لديها حلول أخرى غير فنية لعلاج قضية سد النهضة. وتُستكمل في العاصمة السودانية "الخرطوم" المحادثات الفنية، يومي الأحد والاثنين القادمين، وتأمل مصر التوصل لحل جذري لأزمة سد النهضة، فيما تدخل السودان هذه المفاوضات بوجه مختلف بعد اتضاح نوايا إثيوبيا واستيلائها مؤخراً على مليوني فدان على الحدود السودانية الإثيوبية وطردها للمزارعين السودانيين من أراضيهم.